منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى هديل الحمام

منتدى هيسعدك
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
من قال سبحان الله وبحمدة غرست لة نخلة فى الجنة
تذكر ان سبحان الله وبحمدة بها يرزق الخلق
من قال سبحان الله وبحمدة فى يوم 100 مرة حطت خطاياة وان كانت مثل زبد البحر
من افضال سبحان الله وبحمدة ان من قالها مئة مرة كتب لة الله 1000 حسنة ( مسلم)
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
من افضال قولك سبحان الله وبحمدة ان من قالها حط الله عنة سيئة وكتب لة حسنة ورفع لة درجة
وفى صحيح مسلم ان من قال سبحان الله وبحمدة حين يصبح وحين يمسى 100 مرة لم يات احد يوم القيامة بافضل مما جاء بة إلا رجل قال مثل ذلك او اكثر

 

 اسئلةحول الفتوى للعلامة ابن عثيمين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد الزهرى
Admin
احمد الزهرى


عدد المساهمات : 227
نقاط : 19125
تاريخ التسجيل : 31/03/2014
العمر : 34

اسئلةحول الفتوى للعلامة ابن عثيمين Empty
مُساهمةموضوع: اسئلةحول الفتوى للعلامة ابن عثيمين   اسئلةحول الفتوى للعلامة ابن عثيمين Emptyالأحد مايو 04, 2014 5:25 pm

هل يجوز استفتاء أكثر من عالم؟ وفي حالة اختلاف الفتيا؟ وهل يأخذ المستفتي بالأيسر أم بالأحوط؟
فأجاب بقوله: لا يجوز للإنسان إذا استفتى عالماً واثقًا بقوله أن يستفتي غيره؛ لأن هذا يؤدي إلى التلاعب بدين الله وتتبع الرخص، بحيث يسأل فلانًا، فإن لم يناسبه سأل الثاني، وإن لم يناسبه سأل
الثالث وهكذا.
وقد قال العلماء: (من تتبع الرخص فسق) ، لكن أحيانًا يكون الإنسان ليس عنده من العلماء إلا فلان مثلاً، فيسأله من باب الضرورة، وفي نيته أنه إذا التقى بعالم أوثق منه في علمه ودينه سأله،
فهذا لا بأس به، أن يسأل الأول للضرورة، ثم إذا وجد من هو أفضل سأله.
وإذا اختلفت العلماء عليه في الفتيا أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم مثلاً، فإنه يتبع من يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه، فإن تساوى عنده الرجلان في العلم والدين، فقال بعض العلماء: يتبع الأحوط وهو الأشد.
وقيل يتبع الأيسر، وهذا هو الصحيح، أنه إذا تعادلت الفتيا عندك، فإنه يتبع الأيسر؛ لأن دين الله- عز وجل- مبني على اليسر

(26/389)


--------------------------------------------------------------------------------

والسهولة، لا على الشدة والحرج.
وكما قالت عائشة- رضي الله عنها-: "ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثًما" (1) . ولأن الأصل البراءة وعدم التأثيم، والقول بالأشد يستلزم شغل الذمة والتأثيم.
س 177: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: هل يجوز لإنسان أن يجتهد في إفتاء بعض الناس إذا كان لا يوجد من يفتي أو لم يتيسر سؤال العلماء؟
فأجاب بقوله: إذا كان جاهلاً فكيف يجتهد؟ وعلى أي أساس يبني اجتهاده؟ والواجب على من لا يعلم الحكم أن يتوقف، وإذا سئل يقول: لا علم عندي، فالملائكة لما قال الله- عز وجل- لهم: (أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (2) .
أما كونه يقول: (إذا لم يجد عالمًا يفتي أنا أفتي صواب أم خطأ) فهذا خطأ ولا يجوز، فالواجب أن يقول للمستفتي: اسأل العلماء،
__________
(1) رواه البخاري/كتاب المناقب/باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، برقم (3560) ، ومسلم/كتاب الفضائل/باب مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام واختياره من المباح أسهله، برقم (2327) .
(2) سورة البقرة، الآيتان: 31، 32.

(26/390)


--------------------------------------------------------------------------------

والآن ولله الحمد الاتصالات سهلة يتصل عن طريق الهاتف أو البريد.
س 178: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: كثيرًا ما يشاع بأن الفتوى تتغير بتغير الزمان أو المكان، مثل: المذياع في أول ظهوره حرمه البعض، فنرجو من سماحتكم بيان الحق في هذه المسألة،
والله يحفظكم ولرعاكم.
فأجاب بقوله: الفتوى في الحقيقة لا تتغير بتغير الزمان، ولا بتغير المكان، ولا بتغير الأشخاص.
ولكن الحكم الشرعي إذا علق بعلة فإنه إذا وجدت فيه العلة ثبت الحكم الشرعي، وإذا لم توجد لم يثبت الحكم الشرعي، وقد يرى المفتي أن يمنع الناس من شيء أحله الله لهم لما يترتب على فعل الناس
له من المحرم كما فعل عمر- رضي الله عنه- في الطلاق الثلاث حين رأى الناس تتايعوا فيها فألزمهم بها، وكان الطلاق الثلاث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فلما رأى عمر الناس تتايعوا في هذا ألزمهم بالثلاث ومنعهم
من الرجوع إلى زوجاتهم (1) .
__________
(1) رواه مسلم/كتاب الطلاق/باب طلاق الثلاث برقم (2689) .

(26/391)


--------------------------------------------------------------------------------

وكذلك ما حصل في عقوبة شارب الخمر كانت العقوبة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعهد أبي بكر رضي الله عنه لا تزيد على أربعين جلدة، ثم إن الناس كثر شربهم الخمر فاستشار عمر الصحابة - رضي الله عنهم- فأشاروا بأن يجعل العقوبة ثمانين جلدة (1) .
فالأحكام الشرعية لا يمكن أن يتلاعب بها الناس، كلما شاءوا حرموا، وكلما شاءوا أوجبوا، وإنما يرجع إلى العلل الشرعية التي تقتضي الوجوب أو عدمه.
وأما بالنسبة للمذياع: فلم يقل أحد بتحريمه من علماء التحقيق، وإنما قال بتحريمه أناس جهلوا حقيقة الأمر، وإلا فإن العلماء المحققين، وأخص منهم شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، لم
يروا أن هذا من المحرمات، بل رأوا أن هذا من الأشياء التي علمها الله- عز وجل- الخلق، وقد تكون نافعة، وقد تكون ضارة بحسب ما فيها، وكذلك مكبر الصوت (المكرفون) ، أيضًا أنكره بعض الناس أول ما ظهر، لكن بدون تحقيق، وأما المحققون فلم ينكروه، بل رأوا أنه من نعمة الله- عز وجل- أن يسر لهم ما يوصلوا خطبهم ومواعظهم إلى الأبعدين.
__________
(1) رواه مسلم/كتاب الحدود/باب حد الخمر برقم (3218) .

(26/392)


--------------------------------------------------------------------------------

س 179: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: هناك من الناس من يفتي بغير علم، ما حكم ذلك؟
فأجاب بقوله: هذا العمل من أخطر الأمور وأعظمها إثمًا، وقد قرن الله- سبحانه وتعالى- القول عليه بلا علم، بالشرك به، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (1) .
وهذا يشمل القول على الله في ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، أو شرائعه، فلا يحل لأحد أن يفتي بشيء حتى يعلم أن هذا هو شرع الله - عز وجل- وحتى تكون عنده أداة وملكة يعرف بها ما دلت عليه
النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وحينئذٍ يفتي. والمفتي معبر عن الله- عز وجل- ومبلغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا قال قولاً وهو لا يعلم أو لا يغلب على ظنه- بعد النظر والاجتهاد والتأمل في الأدلة- فإنه يكون قد قال على الله تعالى وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، قولاً بلا علم، فليتأهب للعقوبة، فإن الله عز وجل
يقول: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) ) (2)
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 33.
(2) سورة العنكبوت، الآية: 68.

(26/393)


--------------------------------------------------------------------------------

س 180: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: أنا طالب في السنوات الأولى من كلية الشريعة، وكثيرًا ما يرد علينا مسائل مختلف فيها، وقد يكون الراجح في بعض هذه المسائل مخالفًا لبعض أقوال العلماء الآن، أو نأخذ المسائل ولكن لا شيء يرجح بينها، فنصبح في حيرة من أمرنا، فماذا نفعل في حكم المسألة المختلف فيها أو عندما نسأل من عامة الناس؟ جزاكم الله خيرًا؟
فأجاب بقوله: هذا السؤال الذي أورده السائل لا يحصل لطالب الشريعة فقط بل هو عام لكل أحد، إذا رأى اختلاف العلماء حول فتوى فإنه يقف حيران، ولكن الحقيقة ألا حيرة في ذلك؛ لأن
الإنسان إذا اختلفت عليه الفتوى فإنه يتبع من يراه أقرب إلى الحق، لغزارة علمه، وقوة إيمانه، كما أن الإنسان إذا كان مريضًا ثم اختلف عليه طبيبان فإنه يأخذ بقول من يرى أنه أرجح لما وصفه له من دواء.
وإن تساوى عنده الأمران، أي لم يرجح أحد العالمين المختلفين. فقال بعض العلماء: إنه يتبع القول الأشد لأنه أحوط.
وقال بعض العلماء: يتبع الأيسر؛ لأنه الأصل في الشريعة الإسلامية، وقيل: يخيَّر بين هذا وهذا.
والراجح: أنه يتبع الأيسر؛ لأن هذا موافق ليسر الدين الإسلامي لقول الله تبارك وتعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ

(26/394)


--------------------------------------------------------------------------------

الْعُسْرَ) (1) وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (2) .
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : "يسروا ولا تعسروا" (3) ، ولأن الأصل براءة الذمة حتى يثبت ما يرفع هذا الأصل، وهذه القاعدة لمن لا يستطيع أنه يتوصل إلى معرفة الحق بنفسه، فإن كان يستطيع ذلك كطالب العلم الذي يستطيع أن يقرأ ما قيل في هذه المسألة فيرجح ما يراه راجحًا
بالأدلة الشرعية عنده، فإنه في هذه الحال لابد أن يبحث ويقرأ ليعرف ما هو أصح من هذه الأقوال التي اختلف فيها العلماء.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 185.
(2) سورة الحج، الآية: 78.
(3) رواه البخاري/كتاب العلم/باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا برقم (69) ، ومسلم/كتاب الجهاد والسير/باب في الأمير بالتيسير وترك التنفير، برقم (1734) ..

(26/395)


--------------------------------------------------------------------------------

رسالة
حول مسائل متعددة في الإفتاء
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم.....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جوابًا لكتابكم ذي الرقم... والتاريخ 24- 25/9/1409 هـ.
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله تعالى أن يحبك كما أحببتني فيه، وأن يجعلنا جميعًا من دعاة الحق وأنصاره، ويوفقنا للصواب في الاعتقاد والقول والعمل.
ثم إن كتابكم المذكور تضمن ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: إذا تبين لكم رجحان قول كنتم تفتون أو تحكمون بخلافه، فهل يجوز لكم الرجوع فيما أفتيتم به أو حكمتم؟
المسألة الثانية: إذا تبين لكم رجحان قول كنتم تفتون أو تحكمون بخلافه، فهل يجوز لكم مستقبلاً أن تفتوا أو تحكموا بما تبين لكم رجحانه؟
المسألة الثالثة: هل يجوز للإنسان في مسائل الخلاف أن يفتي لشخص بأحد القولين، ولشخص آخر بالقول الثاني.
والجواب على هذه المسائل العظيمة بعون الله وتوفيقه أن نقول

(26/396)


--------------------------------------------------------------------------------

مستمدين من الله تعالى الهداية والصواب.
أما المسألة الأولى:
فمتى تبين للإنسان ضعف ما كان عليه من الرأي، وأن الصواب في غيره، وجب عليه الرجوع عن رأيه الأول إلى ما يراه صوابًا بمقتضى الدليل الصحيح، وقد دل على وجوب الرجوع كتاب الله
تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وقول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وإجماع المسلمين وعمل الأئمة.
أما كتاب الله تعالى: فمن أدلته قوله تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (1) فمتى كان الحكم في مسائل الخلاف إلى الله وجب الرجوع فيها إلى ما دل عليه كتاب الله. وقال تعالى:
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) ) (2) وقال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) ) (3) ومن سبيل المؤمنين
الرجوع إلى ما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) سورة الشورى، الآية: 1.
(2) سورة النساء، الآية: 59.
(3) سورة النساء، الآية: 115.

(26/397)


--------------------------------------------------------------------------------

وأما السنة: فمن أدلتها قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " (1) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وأما أقوال الخلفاء الراشدين: فمن أشهرها قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في المشركة، وهي زوج وأم وإخوة لأم، وإخوة أشقاء، حيث منع الإخوة الأشقاء من الميراث
لكونهم عصبة، وقد استغرقت الفروض التركة، ثم قضى بعد ذلك بتشريكهم مع الإخوة لأم، فقال له رجل: قد قضيت في هذا عام الأول بغير هذا، فقال: وكيف قضيت؟ قال: جعلته للإخوة للأم ولم تجعل للإخوة من الأب والأم شيئًا، فقال عمر: (ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي) . أخرجه ابن أبي شيبة 11/253، وقال- رضي الله عنه- في كتابه لأبي موسى رضي الله عنه في القضاء: (لا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك، فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل) .
__________
(1) رواه أحمد 28/367 (17142) ، والترمذي/كتاب العلم/باب ما جاء في الأخذ بالسن واجتناب البدعة، برقم (2676) ، وأبو داود/كتاب السنة/باب في لزوم السنة، برقم (4607) ، وابن ماجه/في المقدمة/باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، برقم (42) .

(26/398)


--------------------------------------------------------------------------------

وأما الإجماع: فقال الشافعي- رحمه الله-: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.
وأما عمل الأئمة: فها هو الإمام أحمد رضي الله عنه يقول القول، ويقول بخلافه، فتارة يصرح بالرجوع كما صرح بالرجوع عن القول: بوقوع طلاق السكران.
وتارة يصرح أصحابه برجوعه عنه كما صرح الخلال برجوع الإمام عن قوله فيمن ابتدأ مسح خفيه مقيمًا ثم سافر أنه يتم مسح مقيم إلى القول بأن يتم مسح مسافر.
وتارة لا يصرح ولا يصرح عنه برجوع فيكون له في المسألة قولان.
والمهم أنه متى تبين للإنسان ضعف رأيه الأول وجب عليه الرجوع عنه، ولكن لا يسوغ له نقض حكمه الأول ولا يلزمه إخبار المستفتي بالرجوع؛ لأن كلا من الرأيين الأول والثاني صادر عن
اجتهاده، والاجتهاد لا ينقض بمثله، وظهور خطأ اجتهاده الأول لا يمنع احتمال خطئه في الثاني، فقد يكون الاجتهاد الأول هو الصواب في الواقع، وإن ظهر له خلافه؛ لأن الإنسان غير معصوم في اجتهاده لا الثاني ولا الأول.

(26/399)


--------------------------------------------------------------------------------

وأما المسألة الثانية:
فجوابها يعلم من جواب المسألة الأولى وهو أنه يجب على الإنسان الرجوع إلى ما تبين له أنه الصواب، وإن كان يفتي أو يحكم بخلافه سابقًا.
وأما المسالة الثالثة:
فإن كان في المسألة نص، كان الناس فيها سواء، ولا يفرق فيها بين شخص وآخر، وأما المسائل الاجتهادية فإنها مبنية على الاجتهاد، وإن كان الاجتهاد فيها في الحكم فكذلك في محله، ولهذا لما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أن الناس كثر شربهم الخمر زادهم في عقوبتها (1) ، ولما رآهم تتايعوا في الطلاق الثلاث أمضاه عليهم (2) ، ولهذا ما يؤيده من كلام الله تعالى، وما جاءت به السنة ففي كتاب الله تعالى يقول جل ذكره: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) ) (3) فعاملهم الله بما تقتضيه حالهم وحرم عليهم هذه الطيبات ببغيهم وظلمهم: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا
__________
(1) رواه أحمد برقم (590) .
(2) رواه مسلم/كتاب الطلاق/باب طلاق الثلاث برقم (2689) .
(3) سورة الأنعام، الآية: 146.

(26/400)


--------------------------------------------------------------------------------

حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (1) .
وفي السنة جاء قتل شارب الخمر في الرابعة إذا تكررت عقوبته ثلاثًا ولم يقلع (2) ، مع أن عقوبة شارب الخمر في الأصل لا تبلغ القتل.
فإذا كانت حال المستفتي أو المحكوم عليه تقتضي أن يعامل معاملة خاصة عومل بمقتضاها ما لم يخالف النص.
وكذلك إذا كان الأمر قد وقع وكان في إفتائه بأحد القولين مشقة وأفتى بالقول الثاني فلا حرج، مثل أن يطوف في الحج أو العمرة، بغير وضوء ويشق عليه إعادة الطواف لكونه نزح عن مكة أو غير ذلك، فيفتي بصحة الطواف بناء على القول بعدم اشتراط الوضوء فيه. وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي- رحمه الله- يفعل ذلك أحيانًا ويقول لي: هناك فرق بين من فعل ومن سيفعل، وبين ما وقع وما لم يقع. وفي مقدمات (المجموع) للنووي- رحمه الله- 1/88 ط المكتبة
العالمية: قال الصيمري: إذا رأى المفتي المصلحة أن يفتي العامي بما فيه تغليظ وهو مما لا يعتقد ظاهره وله فيه تأويل جاز ذلك زجرًا له، كما روي عن ابن عباس- رضي الله عنه- أنه سئل عن توبة القاتل
__________
(1) سورة النساء، الآية: 160.
(2) رواه الترمذي/كتاب الحدود/باب ما جاء في شرب الخمر، برقم (1364) .

(26/401)


--------------------------------------------------------------------------------

فقال: لا توبة له، وسأله آخر فقال: له توبة، ثم قال: أما الأول: فرأيت في عينه إرادة القتل فمنعته، وأما الثاني فجاء مستكينًا قد قتل فلم أقنطه (1) .
وهذا الذي ذكرناه لا يكون مطردًا في كل صورة، فلو أراد قاض أو مفت أن يأخذ في ميراث الأخوة مع الجد بقول من يرى توريثهم إذا رأى أنهم فقراء وأن التركة كثيرة، وبقول من لا يرى توريثهم إذا كان المال قليلاً وهم أغنياء لم يكن ذلك سائغًا؛ لأن في هذا إسقاط لحق الغير لمصلحة الآخرين بلا موجب شرعي.
هذا والله أسأل أن يلهمنا جميعًا الصواب في القول والعمل والاعتقاد.
س 181: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما سبب توقف العالم عن الفتوى؟
فأجاب بقوله: توقف العالم عن الفتوى إذا كان أهلاً للفتوى وعنده علم قد يكون لتعارض الأدلة عنده، وقد يكون لظنه أن هذا المستفتي متلاعب؛ لأن بعض المستفتين لا يستفتي للحق إنما يريد
التلاعب والنظر فيما عند هذا العالم، والعالم الثاني، والعالم الثالث
__________
(1) سنن البيهقي (8/16) .

(26/402)


--------------------------------------------------------------------------------

وهكذا، فيتوقف العالم أو يعرض عن إجابة هذا السائل الذي يعلم أو يغلب على ظنه أنه متلاعب لينظر ماذا عند الناس، أو يريد أن يضرب أقوال الناس بعضها ببعض، وهذا أشد فيذهب ويقول: قال العالم الفلاني كذا، وقال العالم الفلاني كذا، فهذا من أسباب توقف المفتي.
س 182: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: عن معنى "الاجتهاد" و"التقليد" وهل التقليد كان موجودًا في زمن الصحابة والتابعين فيقلد بعضهم بعضًا أم لا؟
فأجاب بقوله: الاجتهاد هو: "بذل الجهد في الوصول إلى حكم شرعي من الأدلة الشرعية الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح" هذا هو الاجتهاد، ومن المعلوم أنه لا يصلح للاجتهاد إلا
من كان عارفًا بطرقه وعنده علم ودراية حتى يتمكن من الوصول إلى استنباط الأحكام من أدلتها التي أشرت إليها.
وأما التقليد فهو: "الأخذ بقول مجتهد من غير معرفة دليله بل يقلده ثقة بقوله".
والتقليد في الواقع حاصل من عهد الصحابة رضي الله عنهم فإن الله تعالى يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (1)
__________
(1) سورة النحل، الآية: 43.

(26/403)


--------------------------------------------------------------------------------

ولاشك أن من الناس في عهد الصحابة رضي الله عنهم وإلى عهدنا هذا من لا يستطيع الوصول إلى الحكم نفسه لجهله وقصوره، ووظيفة هذا أن يسأل أهل العلم، وسؤال أهل العلم يستلزم الأخذ
بما قالوا والأخذ بما قالوا هو التقليد.
وعلى هذا فنقول: من لا يتمكن من الوصول إلى الحق بنفسه فليتمكن من الوصول إليه بتقليد غيره من أهل العلم الذين أُمر بسؤالهم إن لم يكن عالمًا.
ولكن إذا سألنا سائل من أقلد؟
فالجواب: أن الواجب أن تقلد من تراه أقرب إلى الحق؛ لأن أهل العلم كالأطباء فهم أطباء القلب، وإذا كان الواحد منا إذا مرض وكان في البلد أطباء كثيرون، فنه سوف يختار من كان
أحذق وأعرف بالطب والأدوية والعلاج ولا يمكن لأحد أن يذهب إلى طبيب قاصر مع وجود من هو أحذق منه إلا عند الضرورة، كذلك في التقليد اختر من تراه أقرب إلى الحق لكونه
أعلم، وأتقى لله عز وجل، وفي هذه الحال تكون قد امتثلت قول الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (1) .
__________
(1) سورة النحل، الآية: 43.

(26/404)


--------------------------------------------------------------------------------

س 183: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: هل هناك شروط للاجتهاد؟
فأجاب بقوله: العلماء ذكروا للاجتهاد شروطًا أهمها أن يكون عند الإنسان علم وملكة، علم بأدلة الشرع، وملكة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها؛ لأن من ليس عنده علم من الشرع
كيف يكون مجتهدًا في شيء لا علم له فيه، ومن عنده علم لكن ليس عنده ملكة يتمكن بها من استنباط الأحكام صار كمن بيده سيف لا يعرف أن يقتل به، فلابد من أن يكون عند الإنسان علم وملكة، فإذا كان عند الإنسان علم وملكه صار من أهل الاجتهاد، ولا فرق بين أن يكون مجتهدًا اجتهادًا عامًا، أو اجتهادًا خاصًا.
فإن بعض الناس قد يكون مجتهدًا في مسألة معينة يعلم أدلتها ويتمكن من التطبيق على هذه الأدلة، ولكنه في مسائل أخرى جاهل بمنزلة الأميِّ، فيوجد من طلبة العلم من يكون عنده علم في مسائل
العبادات يمكن أن يجتهد به، ولكن في المعاملات ليس عنده علم، أو يكون عنده علم في المعاملات العَقْدِية كالبيوع والإجارة والرهن والوقف وما أشبه ذلك، وليس عنده علم في مسائل المواريث
والفرائض، فعلى كل حال قد يتجزأ الاجتهاد فيكون الإنسان مجتهدًا في مسألة أو باب من أبواب العلم دون المسائل الأخرى.

(26/405)


--------------------------------------------------------------------------------

س 184: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: عن امرأة سألت أخرى عن حكم مسألة شرعية فقالت: لا أدري، وكان إلى جانبهما امرأة تعرف الحكم الشرعي، فهل تخبر هذه السائلة مع أنها لم تسألها؟
فأجاب بقوله: تخبرها لأنها محتاجة كما لو أن المرأة سألت أخرى درهمًا لتشتري به خبزًا لها؛ فقالت: ليس معي شيء، والأخرى معها فتعطيها، بل هذا أبلغ؛ لأنه علم شرعي فتقول: مثلاً المرأة الثالثة إني
سمعت أن هذه المسالة حكمها كذا وكذا وحينئذٍ تنتفع السائلة والمسئولة.
س 185: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: إذا سئل المسلم عن شيء يعرفه في أمور الدين، وهو ليس متفقهًا في أمور الدين، فهل يجب عليه أن يخبره بهذا الشيء؟
فأجاب بقوله: إذا سئل المسلم عن شيء يعرفه من أمور الدين فإن عليه أن يجيب لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "بلغوا عني ولو آية" (1) ولكن إذا قال له السائل مثلاً: من أين علمت أن هذا حكمه كذا وكذا؟
فليسنده إلى من سمعه منه من العلماء حتى يكون السائل مطمئنًا، أما
__________
(1) رواه البخاري/كتاب أحاديث الأنبياء/باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3461) .

(26/406)


--------------------------------------------------------------------------------

إذا كان لا يعلم فإنه لا يجوز له أن يخبره، ولا عبرة لما يشتهر بين العامة، فإن العامة قد يشتهر عندهم أن هذا الشيء جائز وليس بجائز، وقد يشتهر عندهم أن هذا ليس بجائز وهو جائز، ولكن إذا
كان يعلم الحكم عن عالم من العلماء الموثوق بعلمهم فعليه أن يخبر به، وإلا فإنه يجب عليه أن يتوقف لقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) ) (1) .
ولقولة تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) ) (2) .
س 186: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: إذا أفتى أحد العلماء بفتوى وبعد فترة تبيَّن لهذا العالم أن ما أفتى به خطأ فماذا يلزمه؟
فأجاب بقوله: إذا كانت الفتوى الأولى عن اجتهاد، وكان هو جديرًا بأن يجتهد ثم بعد البحث والمناقشة تبين له خطأ اجتهاده الأول فإنه لا شيء عليه، وقد كان الأئمة الكبار يفعلون مثل هذا
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 33.
(2) سورة الإسراء، الآية: 36.

(26/407)


--------------------------------------------------------------------------------

فتجد للواحد منهم في المسألة الواحدة عدة أقوال، أما إذا كانت فتواه الأولى عن غير علم وعن غير اجتهاد ولكنه يظن ظنًا وبعض الظن إثم، فإنه يحرم عليه أصلاً أن يفتي بمجرد الظن أو الخرص؛
لأنه إذا فعل ذلك فقد قال على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم من أكبر الذنوب لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) ) (1) .
وعليه أن يبحث عن الذي استفتاه حتى يخبره بأن فتواه خطأ وغلط فإذا فعل هذا فأرجو أن يتوب الله عليه، ومسألة الفتيا بغير علم مسألة خطيرة؛ لأنه لا يضل بها المستفتي وحده بل ربما ينشرها
المستفتي بين الناس ويضل بها فئات من الناس، وهي خطأ وظلم.
س 187: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: عن الشروط التي يجب أن تتوفر في المفتي.
فأجاب بقوله: الشروط يمكن أن يكون مطلعًا على غالب أقوال أهل العلم، ومطلعًا على الأدلة الشرعية في هذا الحكم الذي أفتى به، وأما مجرد الظن والتقليد فإنه لا يفتي به، لكن التقليد إذا لم يكن هناك
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 33.

(26/408)


--------------------------------------------------------------------------------

مجتهد، وليس بإمكان الإنسان أن يجتهد وهو من طلبة العلم الذين يعرفون ما كتبه العلماء فلا حرج عليه أن يفتي به للضرورة.
س 188: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما حكم الإفتاء إذا علمت فتوى السؤال من شيخ من كبار العلماء؟
فأجاب بقوله: الإفتاء بقول بعض العلماء الذين تثق بهم لا بأس به، ولكن لتكن صيغة الإفتاء بقولك قال: فلان كذا وكذا، إذا كنت متيقنًا من قوله، ومن أن هذه الصورة التي سئلت عنها هي التي
يقصدها هذا العالم، وأما أن تفتي به جزمًا فهذا لا ينبغي؛ لأنك إذا أفتيت به جزمًا نسبت الفتوى إليك، وأما إذا نقلتها عن غيرك فأنت راوٍ تسلم من تبعة هذه الفتوى، وتسلم من أن ينسب إليك ما لست أهلاً له. فالإنسان المقلد ينبغي له أن ينسب القول إلى من قلده لا إلى نفسه، بخلاف الذي يستدل على حكم المسألة من الكتاب والسنة وهو من أهل الاستدلال فلا بأس أن يفتي ناسبًا الشيء إلى نفسه.
س 189: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: عن رجل يفتي زملاءه في كل صغيرة وكبيرة.
فأجاب بقوله: المفتي في أمور شرعية معبر عن الله عز وجل

(26/409)


--------------------------------------------------------------------------------

ومعبر عن دين الله فلا يحل لأحد أن يفتي بغير علم فإن ذلك من كبائر الذنوب قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) (1) .
وقال الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْؤُولاً) (2) .
وقال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (3) .
ومن أفتى بغير علم فقد وضع نفسه شريكًا مع الله عز وجل في تشريع الأحكام.
فنصيحتي لهذا الذي نصب نفسه مفتيًا في كل صغير وكبير أن يتوب إلى الله عز وجل وألا يفتي إلا بما علم أنه من شرع الله عز وجل، أو غلب على ظنه أنه من شرع الله بعد الاجتهاد التام، وقد
اتخذ بعض الناس الفتوى حرفة يترفع بها على من أفتاه، ويري الناس
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 33.
(2) سورة الإسراء، الآية: 36.
(3) سورة النحل، الآية: 11.

(26/410)


--------------------------------------------------------------------------------

أنه ذو علم، وهذا خطأ وسفه في العقل وضلال في الدين، إن الله تعالى قال في كتابه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (1) ولم يقل: الذين يفتون فعلى المرء أن يعرف قدر نفسه، وأن يكل الأمر إلى أهله، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويذكر الوعيد فيمن قال على الله ما لا يعلم.
س 190: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: بعض الناس يتصدون للفتوى وليس عندهم علم شرعي يؤهلهم لذلك، فما نصيحتكم لمثل هؤلاء جزاكم الله خيرًا؟
فأجاب بقوله: نصيحتي لهؤلاء الناس أن يقرؤوا قول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) ) (2) .
وقوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (3) .
__________
(1) سورة المجادلة، الآية: 11.
(2) سورة الأعراف، الآية: 33.
(3) سورة الإسراء، الآية: 36.

(26/411)


--------------------------------------------------------------------------------

وقوله تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) ) (1) .
فكل إنسان يفتي بغير علم فإنه ظالم لنفسه، وظالم لإخوانه فلا يوفق للصواب لأن الله قال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (2) . فعلى هؤلاء أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يتقوا الله في إخوانهم وألا
يتعجلوا إن كان الله أراد بهم خيرًا ألهمهم رشدًا وعلمًا، وصاروا أئمة يُهتدى بهم في الفتوى فلينتظروا وليصبروا.
أما بالنسبة للمُستفتين فإنا نحذرهم من الاستفتاء من أمثال هؤلاء، ونقول: العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم والحمد لله موجودون إما في البلاد نفسها، وإما في بلد آخر يمكن الاتصال عليهم بالهاتف، ويحصل المقصود إن شاء الله.
س 191: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: إذا سئلت عن أمر من أمور الشرع، فهل أجيبه بما أعرف مما قرأته من الكتب الشرعية أو ما سمعته من الأشرطة الدينية أو ما سمعته من برنامج نور على الدرب أو أقول له لا أعلم؟
__________
(1) سورة الأنعام، الآية: 144.
(2) سورة البقرة، الآية: 258.

(26/412)


--------------------------------------------------------------------------------

فأجاب بقوله: الواجب إذا سألك أحد عن مسألة وأنت تعلم حكمها من الكتب الموثوق من مؤلفيها، أو الأشرطة الموثوق بقائلها، أو من برنامج نور على الدرب أن تخبره بالحكم الشرعي؛
لأنك الآن تعلم هذا الحكم، وإلا كنت داخلاً في الذين يكتمون العلم، ولكن يحسن في تقديري أن تقول: قال فلان في نور على الدرب: كذا. قال فلان: في كذا الفلاني في الكتاب الفلاني كذا حتى
تخرج من العدة.
س 192: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: هل يجوز للعالم في العقيدة أن يفتي في الفقه؟
فأجاب بقوله: لا يجوز لأحد أن يفتي بشيء لا يعلمه سواء كان عالمًا في شيء آخر أو لا؛ لقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) ) (1) .
ولقوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) ) (2) .
وإذا كان له اختصاص في العقيدة لكن عنده علم من الفقه فأفتى
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 33.
(2) سورة الإسراء، الآية: 36.

(26/413)


--------------------------------------------------------------------------------

في الفقه بما يعلم فلا بأس، وكذلك العكس لو كان عنده اختصاص في علم الفقه وأفتى في العقيدة فلا بأس، فالممنوع هو أن يفتي الإنسان بغير علم سواء كان في أمر تخصصه أو في أمر خارج عن
تخصصه.
س 193: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: هناك ممن ينتسبون إلى العلم من يفتي بدون دليل، فن طولب بالدليل غضب وثار وقال: هل أفني عمري في البحث عن الأدلة، ومن العجب أنه
علّم تلاميذه عبارة غريبة فحواها بأن العالم لا يسال عن الدليل، ما الحكم في مقولة هذا الذي ينتسب إلى العلم؟ وما الحكم في فتواه؟ وما الحكم في مقولة تلاميذه ومريديه من أن العالم لا يسأل
عن الدليل؟ وما الحكم في استفتاء من هذه حاله؟ أفيدونا في هذا الأمر الخطير جزاكم الله خيرًا على أن تكون الإجابة مشفوعة بالأدلة؟
فأجاب بقوله: الحقيقة أن ما ذكره السائل قد يوجد من بعض الناس ولاسيما من كان أكبر همه أن يكون ذا جاه بين العامة؛ فإن من الناس من يفتي سواء كانت فتواه مستندة إلى دليل، أم كانت فتواه
مجرد تقليد لمن يعظمه من العلماء السابقين أو اللاحقين، وقد ذكر ابن

(26/414)


--------------------------------------------------------------------------------

عبد البر رحمه الله إجماع العلماء على أن المقلد لا يعد من العلماء؛ لأن المقلد ليس إلا نسخة كتاب من مذهب من يقلده، وليس من العلماء في شيء. ولهذا أرى أن التقليد لا يجوز إلا عند الضرورة، وقد شبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله التقليد بكل الميتة يجوز عند الضرورة، وأما مع القدرة على الدليل فإن التقليد لا يجوز وهذا مفهوم من قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (1) .
أما حال هذا الرجل الذي إذا طلب منه الدليل غضب، وقال: كيف أفني عمري في طلب الدليل؟! فإن هذا يدل على جهله وعلى جهالته أيضاً؛ لأن الإنسان العالم ينبغي له أن يفرح إذا طلب منه
السائل الدليل؛ لأن طلب السائل للدليل إذا لم يكن المقصود به الإعنات والإشقاق يدل على محبة هذا السائل لكونه يبني عقيدته، أو قوله، أو عمله على أساس من كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليعبد الله على بصيرة، فإن الحقيقة أن العلم معرفة الهدى بدليل، والإنسان
سوف يسأل يوم القيامة ماذا أجاب المرسلين كلما قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (2) وليس يقال له: ماذا أجبت فلانًا أو فلانًا من الناس سوى الرسل عليهم الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة النحل، الآية: 43.
(2) سورة القصص، الآية: 65.

(26/415)


--------------------------------------------------------------------------------

ونصيحتي لهذا العالم أن يتقي الله تعالى في نفسه، وألا يفتي إلا بدليل من الكتاب والسنة، اللهم إلا عند الضرورة، وأن يحرص تلاميذه على طلب الدليل من كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ويمرنهم عليه وعلى استنباط الأحكام من أدلتها حتى ينفع الله به، ونحن جربنا بأنفسنا فأحيانًا تمر بنا المسألة نطلبها فيما عندنا من كتب أهل العلم فلا نجد لها حكمًا ثم إذا رجعنا إلى كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وجدناها قريبة يتناولها اللفظ بعمومه، أو بمفهومه، أو بإشارته، أو بلازمه أو غير ذلك من أنواع الدلالة المعروفة.
وهذا يدل على قصور بني آدم وأنه مهما بلغوا من الذكاء وتنزيل الأحكام على دلائلها فإنهم لم يحيطوا بما تتطلبه أحوال الخلق، وما يجب عليهم لكن كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هما اللذان يحتويان ذلك كله، ولكن هذا أيضًا يعتمد على قوة الفهم لكتاب الله، وسنة
رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وقوة الفهم تكون هبة من الله عز وجل على العبد إما تفضلاً منه، وإما بهداية الله له بمدارسة الكتاب والسنة والتأمل فيهما والنظر في دلالاتهما.
ولهذا فإن أحث إخواني ولاسيما طلبة العلم أن يكون مرجعهم دائمًا إلى كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن يستعينوا على فهمهما واستنباط الأحكام منها بما كتبه أهل العلم الراسخون فيه من

(26/416)


--------------------------------------------------------------------------------

القواعد والضوابط التي تعين طالب العلم على استنباط الأحكام من أدلتها، فإنه في الحقيقة لا غنى لطالب العلم عما كتبه السلف في كيفية استخراج الأحكام من أدلتها.
وأما قول هذا الشيخ: (إن العالم لا يطلب منه الدليل) فهذا خطأ، بل العالم حقًا هو الذي يعرض الدليل أولاً بقدر ما يستطيع وبحسب فهم السائل، فإن لم يفعل وطلب منه الدليل فليكن منشرح الصدر في طلب الدليل، وليأتِ بالدليل، وكما أسلفت آنفًا أن تمرين الطلبة على استخراج الأحكام من أدلتها من كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو في الحقيقة من أكبر الوسائل التي تعين على انتشار الأحكام، واستخراج أحكام المسائل الجديدة التي لم تكن معروفة في سلفنا الصالح.
س 194: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: لقد شاع في هذا الزمان التسرع بالفتوى من غير علم ولا بصيرة، فما حكم الشرع في نظركم في مثل هذا الموضوع؟
فأجاب بقوله: حكم الشرع فيما نراه ويراه غيرنا من أهل العلم أنه لا يجوز التسرع في الفتوى بغير علم، بل إن الفتوى بغير علم من أعظم الذنوب قرنها الله تعالى بالشرك في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا

(26/417)


--------------------------------------------------------------------------------

بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) ) (1) .
فالفتي معبر عن الله عز وجل؛ لأنه يتكلم عن أحكام الله في عباد الله، والمفتي معبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء؛ فإذا كان الأمر كذلك فيا ويله إن افترى على الله كذبًا وعلى رسوله؛ فليتحرز الإنسان من التسرع في الفتوى، وليقتدِ بالسلف الصالح
حيث كانوا يتدافعونها، كل منهم يدفعها إلى الآخر ليسلم من مسئوليتها، وليعلم إن الإمامة في الدين لا تكون بمثل هذا، بل إن الناس إذا رأوا متسرعاً في الفتوى وعرفوا كثرة خطئه فإنهم سوف
ينصرفون عنه ولا يثقوا بفتواه، وأما إذا كان رصينًا متأنيًا لا يفتي إلا عن علم، أو عن غلبة ظن فيما يكفي فيه غلبة ظن، فنه حينئذ يكون وقورًا محترمًا بين الناس ويكون لكلامه اعتبار وقبول.
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 33.

(26/418)


--------------------------------------------------------------------------------

رسالة حوله خطر الفتوى
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم صاحب الفضيلة
الشيخ..... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد: فإن كتابكم الكريم وصل وكان وقت وصوله زمن امتحان الطلبة وانشغالي بتصحيح أوراق إجابة الطلبة في دروسي.
وقد فهمت ما فيه من انشغالكم حين وفاة والدتي في التجول في بلدة...... على المدارس والتوعية أرجو الله تعالى أن يعينكم وينفع بكم.
هذا وأشكركم على مجيئكم للتعزية بها جزاكم الله عني خيرًا وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين.
ثم ما ذكرتم من خطر الفتوى وأن المفتي معبر عن شرع الله تعالى أمام المستفتين، فالأمر كما ذكرتم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصالحين مصلحين، ونعوذ بالله أن نَزلّ أو نُزلّ، أو نَضلّ أو نُضل، أو نَجهل أو يُجهل علينا، أو نَظلم أن نُظلم.
ولولا معرة كتم العلم وخوف عقاب الله تعالى ما أفتيت أحدًا، ولكني أفتي أرجو أن أسلم من ذلك.

(26/419)


--------------------------------------------------------------------------------

ولولا وجوب اتباع ما ظهر للإنسان أنه الحق ما أفتيت بما تفضلتم به في كتابكم الآنف الذكر.
ولا ريب أن سلوك الاحتياط أسلم للمرء، وأبرأ لذمته، ولكن الاحتياط ليس في لزوم الأشد، إنما الاحتياط في سلوك ما ظهر للمرء أنه الحق سواء كان الأشد أو الأسهل.
ولا يخفى على فضيلتكم أن الله تعالى ساوى بين تحليل الحرام وتحريم الحلال فيما خالف شرع الله فقال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) (1) .
وفي كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) (2) ، فقلت له إنا لسنا نعبدهم قال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون
ما حرم الله فتحلونه " فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم " (3) . ففي هذا الحديث أن تحريم الحلال كتحليل الحرام.
__________
(1) سورة النحل، الآية: 116.
(2) سورة التوبة، الآية: 31.
(3) انظر: جامع الترمذي/كتاب تفسير القرآن/باب ومن سورة التوبة، برقم (3095) .

(26/420)


--------------------------------------------------------------------------------

وعلى الإنسان أن يتثبت كل التثبت فيما يخالف الجمهور من أهل العلم من أهل مذهبه وغيرهم، لكن إذا تبين له الحق في قول الأخرين لم يكن له بد من القول به؛ لأن المسألة إذا لم يكن عليها
إجماع صارت من مسائل النزاع، ولا يخفى على فضيلتكم مرد النزاع، وكم من قول ظن الإنسان أنه ضعيف بادي الأمر، أو أنه قوي، وبعد التأمل والتثبت تبين له في خلاف ذلك.
وما الروايات المختلفة عن الإمام أحمد رحمه الله، وغيره من الأئمة في حكم المسألة الواحدة إلا من هذا الباب، ومن هذا يعرف الإنسان قصوره واضطراره إلى ربه في تثبته وتوفيقه للصواب.
هذا وقد كتبت لكم برفقة هذا الكتاب تعليقًا مختصرًا على كل مسألة ذكرتموها في كتابكم المشار له ليتبين مأخذ كل مسألة من الكتاب والسنة وكلام أهل العلم، وأنه ما من مسألة منها إلا ولي فيها
سلف من أهل العلم، ودليل من الكتاب والسنة أو قواعد الشرع، فإن كنت مصيبًا في. ذلك فمن منّة الله وفضله والحمد لله على توفيقه، صان كنت مخطئًا فمن عند نفسي، وأسال الله أن يعفو عني ويلهمني الصواب.
وما ذكر فضيلتكم من أنكم لا تحبون التشهير بين طلبة العلم براد ومردود عليه وأنك نصحت من ردوا عليّ في مسألة المعية، فلا ريب

(26/421)


--------------------------------------------------------------------------------

أن هذا من محاسن خلقك، وتمام نصيحتك لإخوانك وأمتك، فإن انشغال الإخوان بتتبع بعضهم بعضًا فيما يظنونه خطأ، ونشر الردود بينهم فيما هو من مسائل النزاع ومواقع الاجتهاد يحصل به ضرر كبير خاص وعام، وإضعاف لجبهة العلماء الراد والمردود عليه، حتى إنه قد يحصل التندر من بعض السفهاء في هذه الأمور والنزاعات.
أما ما ذكرت من مسألة المعية فقد حصل من جراء ذلك خير كثير خاص بيّ وعام ولله الحمد. وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا.
وختامًا أسأل الله لي ولكم التوفيق لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل في مساعيكم الخير والبركة. وبلغوا سلامي الأبناء ومن سأل عني. والله يحفظكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه محمد الصالح العثيمين
في 12/6/1408 هـ

(26/422)


--------------------------------------------------------------------------------

س 195: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: يعلم فضيلتكم أن للإمام الشافعي- رحمه الله- فقهًا في العراق، فلما انتقل إلى مصر كان له فقه آخر اختلفت فيه بعض الأحكام الشرعية، ونحن
بطبيعة الحال نجزم بأن العقائد من الثوابت التي لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان. السؤال المطروح هو: إذا اختلف فقه الإمام الشافعي في بعض المسائل حين انتقل من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي آخر تحتضنهما دولة واحدة، فكيف تكون مسائل الفقه لمن انتقل إلي بلاد يعتبر الإسلام فيها غريبًا؟ ألا ترون أنه من الضروري معالجة كثير من الأمور التي تواجه المسلمين ولا تزال الآراء مختلفة بل متضاربة حولها؟
فأجاب بقوله: إن دين الله تعالى لا يتغير لكن الذي يتغير هو علم الإنسان أو فقهه؛ فأما علمه فربما يحصل على علم أكثر مما كان عليه من قبل فيزداد بذلك علمًا، وأما فقهه فربما يظهر له من معاني الكتاب والسنة ما لم يكن قد ظهر له من قبل، وهذا أمر مشاهد حتى في البلد الواحد، فإن الإنسان يظهر له بعض الأحيان أكثر مما سبق وذلك بالمناقشة وإبداء الآراء يتغير الإنسان عن رأيه الأول. وكذلك أيضًا من العلم فكلما ازداد علمًا ازداد معرفة بالأحكام الشرعية.

(26/423)


--------------------------------------------------------------------------------

س 196: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: عندما يطرح سؤال شرعي يتسابق عامة الناس إذا كانوا في مجلس مثلاً بالفتيا في تلك المسألة وبغير علم غالبًا، فما تعليقكم على هذه الظاهرة؟
وهل يعتبر هذا الأمر من التقدم بين يدي الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟
فأجاب بقوله: من المعلوم أنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم في دين الله بغير علم، لأن الله تعالى يقول: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) ) (1) .
والواجب على الإنسان أن يكون ورعًا خائفًا من أن يقول على الله بغير علم، وليس هذا من الأمور الدنيوية التي للعقل فيها مجال، فإن الإنسان ينبغي له أن يتأنى وأن يتروَّى، وربما يكون الجواب الذي في نفسه يجيب به غيره فيكون هو كالحكم بين المجيبين وتكون كلمته هي الأخيرة الفاصلة، وما أكثر ما يتكلم الناس بآرائهم، أعني غير المسائل الشرعية، فإذا تأنى الإنسان وتأخر ظهر له من الصواب من أجل تعدد الآراء ما لم يكن على باله.
ولهذا فإني أنصح كل إنسان أن يتأنى وأن يكون هو الأخير في التكلم ليكون كالحاكم بين هذه الآراء، ومن أجل أن تظهر له في
__________
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7788.forumegypt.net
 
اسئلةحول الفتوى للعلامة ابن عثيمين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى هديل الحمام :: منتدى الفتاوى-
انتقل الى: