منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى هديل الحمام

منتدى هيسعدك
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
من قال سبحان الله وبحمدة غرست لة نخلة فى الجنة
تذكر ان سبحان الله وبحمدة بها يرزق الخلق
من قال سبحان الله وبحمدة فى يوم 100 مرة حطت خطاياة وان كانت مثل زبد البحر
من افضال سبحان الله وبحمدة ان من قالها مئة مرة كتب لة الله 1000 حسنة ( مسلم)
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
من افضال قولك سبحان الله وبحمدة ان من قالها حط الله عنة سيئة وكتب لة حسنة ورفع لة درجة
وفى صحيح مسلم ان من قال سبحان الله وبحمدة حين يصبح وحين يمسى 100 مرة لم يات احد يوم القيامة بافضل مما جاء بة إلا رجل قال مثل ذلك او اكثر

 

 سيرة ابن الجوزى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد الزهرى
Admin
احمد الزهرى


عدد المساهمات : 227
نقاط : 19130
تاريخ التسجيل : 31/03/2014
العمر : 34

سيرة ابن الجوزى Empty
مُساهمةموضوع: سيرة ابن الجوزى   سيرة ابن الجوزى Emptyالأربعاء مايو 07, 2014 5:04 pm

اسمه ونسبه، وكنيته ولقبه:
هو جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي.
كان والده علي صفارًا2 قد أنجب ثلاثة أبناء، وهم: عبد الله، وعبد الرحمن، وعبد الرازق، وقد توفي والده في أول سنة "514هـ" وقد أتم ولده عبد الرحمن الثالثة من عمره. ولقب جده جعفر بالجوزي نسبة إلى فرضة يقال لها: فرضة الجوز على شاطئ دجلة بالقرب من بغداد على الأرجح.
2- مكان ولادته وتاريخها:
ولد عبد الرحمن بن الجوزي في أواخر عام "510هـ" في درب حبيب من نهر المعلى في الجانب الشرقي من بغداد المسمى الرصافة، كما أن الجانب الغربي يسمى الكوخ، يصل بينهما جسران على نهر دجلة.
ـــــــ
1 مصادر ترجمته: صيد الخاطر، ولفتة الكبد، والمنتظم للمؤلف، وابن نقطة في التقييد، الورقة "141"، وابن الأثير في الكامل "12/ 71"، وابن الدبيثي في الذليل على تاريخ بغداد، الورقة "122"، وابن أبي الدم في التاريخ المظفري، الورقة "229"، وسبط ابن الجوزي في المرآة "8/ 481"، والمنذري في التكملة، الترجمة "608"، والنعال في المشيخة "140"، أبو شامة في ذيل الروضتين "21"، وابن الساعي في الجامع "9/ 65"، وابن خلكان في الوفيات "3/ 140"، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة "98"، وسير أعلام النبلاء "21/ 365"، وابن كثير في البداية "3/ 28"، والدمياطي في المستفاد، الورقة "6"، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة "1/ 399"، والغساني في العسجد، الورقة "106"، وابن الجزري في غاية النهاية "1/ 375"، والعيني في عقد الجمان "17"، الورقة "261" وكثير غيرهم.
2 نحَّاسًا.

(1/9)


--------------------------------------------------------------------------------

3- عصره وبيئته:
كان العراق تحت سلطان السلاجقة منذ منتصف القرن الخامس الهجري، وقد شهد القرن السادس صراعًا وانقسامًا في البيت السلجوقي، مما أتاح للخلفاء العباسيين في بغداد استراداد شيء من سلطانهم.
وعاصر ابن الجوزي ستة من الخلفاء العباسيين، وهم على الترتيب: المسترشد "512-529هـ"، والراشد "529-530هـ"، والمقتفي "530-555هـ"، والمستنجد "555-566هـ"، والمستضئ "566-572هـ"، والناصر "572-622هـ".
أما بغداد فقد فقدت في عهده شيئًا من محاسنها، وخيم الخراب على بعض أجزائها، بسبب الفتن والحروب والكوارث التي كانت تتعرض لها بين الفينة والأخرى؛ فقد حدث في حياة ابن الجوزي حريق كبير عام "510هـ"، وزلزال عام "511هـ"، وحريق في دار السلطة عام 515هـ، وفتنة وحروب عام 517هـ، وزلزال عام 538هـ، وزلزال آخر عام 544هـ، وطوفان عظيم عام 554هـ غرقت فيها دار ابن الجوزي وتلفت كتبه، ثم جاء الوباء والمجاعة عام 574هـ؛ لكنها بقيت محافظة على مكانتها العلمية والأدبية، يقصدها العلماء من كل ناحية ليزدادوا علمًا. وحسبنا أن نعلم أن شيوخ ابن الجوزي قد بلغو تسعة وثمانين شيخًا، وهو لم يرحل من بغداد إلا مرتين إلى الحج: الأولى سنة "541هـ"، والثانية سنة "553هـ".
4- نشأته وطلبه للعلم:
توفي والده وهو طفل صغير أتم السنة الثالثة من عمره، فكفلته عمته، وقامت بأعباء تربيته، والعناية به، فحملته إلى مسجد الشيخ أبي الفضل ابن ناصر الذي اعتنى به، وعلمه. يقول -رحمه الله- في لفتة الكبد، الفصل "3": ولقد وفق لي شيخنا أبو الفضل ابن ناصر رحمه الله، وهو الذي تولى تسميعي الحديث من زمن الصغر، وهو الذي جعله الله تعالى سببًا لإرشادي إلى العلم؛ فإنه كان يجتهد معي، وكان يحملني إلى الشيوخ العوالي، وأنا لا أعلم ما يراه مني، ولا أدري ما العلم من الصغر، وضبط لي مسموعاتي إلى أن بلغت، وأثبت لي ما أسمعت بخطه، وأخذ لي إجازات، وعنه فنلت منه معرفة الحديث والنقل، ولم أستفد من أحد كاستفادتي منه.
وهكذا نشأ ابن الجوزي شغوفًا بالعلم على اختلاف فنونه، يقول في صيد

(1/10)


--------------------------------------------------------------------------------

الخاطر، الفصل "167": "إنني رجل حُبِّبَ إلي العلم من زمن الطفولة، فتشاغلت به، ثم لم يحبب إلي فن واحد بل فنون، ثم لم تقتصر همتي في فن على بعضه بل أروم استقصاءه".
وقد سخر للعلم كل وقته وماله، قال: "فلما بلغت دفعوا لي عشرين دينارًا ودارين، وقالوا لي: هذه التركة كلها، فأخذت الدنانير، واشتريت بها كتب العلم، وبعت الدارين، وأنفقت ثمنها في طلب العلم، ولم يبق لي شيء من المال".
لم تكن مسيرة ابن الجوزي العلمية سهلة، بل لاقى فيها الشدائد، لكن حلاوة العلم كانت تذلل له كل صعب، قال رحمه الله: ولقد كنت في حلاوة طلبي للعلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو. كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج إلى طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء؛ فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي لحديث وسير الرسول صلى الله عليه وسلم وأحواله وآدابه، وأحوال الصحابة وتابعيهم؛ فصرت في معرفة طريقة كابن أجود.
5- شيوخه وحرصه على العلم:
تردد ابن الجوزي على علماء عصره ينهل من علمهم، حتى بلغ عدد شيوخه تسعة وثمانين شيخًا كسر كتابًا لذكرهم هو "مشيخة ابن الجوزي"1؛ إلا أن أبرز شيوخه الذين تركوا أثرًا في شخصيته أربعة هم:
أ- محمد بن ناصر السلامي: أبو الفضل "467-550هـ"، الإمام المتحدث الحافظ، ربي يتيمًا في كفالة جده لأمه أبي حكيم الخبري، الذي لقنه القرآن، وسمعه الحديث، وقرأ ما لا يوصف كثرة، وحصل الأصول، وجمع وألف، وبعد صيته، وكان فصيحًا، مليح القراءة، قوي العربية، بارعًا في اللغة، جم الفضائل، ثقةً، ثبتًا، حسن الطريقة، متدينًا، فقيرًا متعففًا، نظيفًا نزهًا، وقف كتبه، ولم يعقب2.
ـــــــ
1 طبع في الشركة التونسية عام "1977م"، بتحقيق الاستاذ محفوظ.
2 لم يعقب: ليس له أولاد.

(1/11)


--------------------------------------------------------------------------------

ب- علي بن عبيد بن نصر بن السري الزاغوني، أبو الحسن "455-527هـ"، العلامة الإمام شيخ الحنابلة، ذو الفنون، صاحب التصانيف، كان بحرًا من بحور العلم، يرجع إلى دين وتقوى، وزهد وعبادة، قال ابن الجوزي: صحبته زمانًا، وسمعت منه، وعلقت عنه الفقه والوعظ.
جـ- عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي أبو البركات "462-538هـ"، الشيخ الإمام ، الحافظ، المفيد، الثقة المسند، بقية السلف، قال السمعاني: هو حافظ ثقة متقن واسع الرواية، دائم البشر، سريع الدمعة، حسن المعاشرة، خرج التخاريج، وجمع ما لا يوصف، ولعلعه ما بقي جزء إلا قرأه، وحصل نسخته، وقال أبو موسى المديني: هو حافظ عصره ببغداد، وقال ابن الجوزي: كنت أقرأ عليه وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره.
د- موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي، أبو منصور "465-540هـ"، إمام في النحو واللغة من مفاخر بغداد، قرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي، ولازمه وبرع، وهو ثقة، ورع، غزير الفضل، وافر العقل، مليح الخط، كثير الضبط، صنف التصانيف، وشاع ذكره. وقال ابن الجوزي: قرأ الأدب سبع عشرة سنة على التبريزي، وانتهى إليه علم اللغة، ودرس العربية بالنظامية، وكان الخليفة المقتفي يقرأ عليه شيئًا من الكتب، وكان متواضعًا، كثير الصمت، متثبتًا، يقول كثيرًا: لا أدري.
وقال ابن النجار: هو إمام عصره في اللغة، كتب الكثير بخطه المليح المتقن مع متانة الدين، وصلاح الطريقة، وكان ثقةً حجةً نبيلًا.
وقال الكمال ابن الأنباري: وكان منتفعًا به لديانته، وحسن سيرته، وقال ابن شافع: كان من المحامين عن السنة.
ولم يكتف ابن الجوزي بما قرأ واستفاد على شيوخة الأماثل؛ بل عكف يقرأ كل ما تطاله يده من كتب قال في صيد الخاطر، الفصل "137": "وإني أخبر عن حالي، وما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أره فكأني وقعت على كنز، ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية؛ فإذا به يحتوي على ستة آلاف مجلد، وفي ثبت كتب أبي حنيفة، وكتب الحميدي، وكتب شيخنا عبد الوهاب، وابن ناصر، وأبي محمد الشخاب، وكانت أحمالًا، وغير ذلك من كل كتاب أقدر عليه، ولو قلت: إني طالعت عشرين ألف مجلد، كان أكثر، وأنا بعد

(1/12)


--------------------------------------------------------------------------------

في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر همهم، وحفظهم، وعباداتهم، وغرائب علومهم، ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب ولله الحمد.
ومن جملة ما قرأ أجزاء كثيرة من "كتاب الفنون" لابن عقيل، وهو كتاب كبير جدًّا، فيه فوائد كثيرة جليلة، في الوعظ، والتفسير، والفقه، والأصلين والنحو واللغة والشعر، والتاريخ والحكايات، وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له، وخواطره ونتائج فكره قيدها فيه، فاستفاد منه فوائد جمة، ولعله هو الذي نبهه إلى تقييد خواطره، فكان منها كتابه "صيد الخاطر"، وفي الجملة ترك كتاب الفنون آثارًا بارزة في علم ومصنفات ابن الجوزي، قال رحمه الله عن كتاب الفنون: "وهذا الكتاب مئتا مجلد، وقع لي منه نحو مئة وخمسين مجلدًا" وقال سبطه في "مرآة الزمان": "واختصر منه جدي عشر مجلدات فرقها في تصانيفه".
لقد كان حرصه على أوقات عمره شديدًا، فلا يضيع وقته من غير فائدة، حتى السويعات التي يضطر فيها لاستقبال زائريه، كان يشغلها بأمور تتعلق بعلومه، يقول في صيد الخاطر الفصل "164": "ثم أعددت أعمالًا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمان فارغًا، فجعلت من الاستعداد للقائهم قطع الكاغد1 وبري الأقلام، وحزم الدفاتر؛ فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر، وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم، لئلا يضيع شيء من وقتي".
ثم حبب إليه في بداية الطلب طريق الزهاد، فاستمع إليه يصف حاله قائلًا: "كنت في بداية الصبوة قد ألهمت سلوك طريق الزهاد بإدامة الصوم والصلاة، وحببت إلي الخلوة فكنت أجد قلبًا طيبًا، وكانت عين بصيرتي قوية الحدة، تتأسف على لحظة تمضي في غير طاعة، وتبادر الوقت في اغتنام الطاعات، ولي نوع أنس وحلاوة مناجاة".
6- تصدره للوعظ والإرشاد:
إلا أن الفن الذي أحبه ابن الجوزي هو الوعظ والإرشاد، فأعد له العدة من علوم الشريعة واللغة والأدب والتاريخ، فحفظ الكثير من الأحاديث والرقائق والأخبار والحكايات والأشعار، مع إحاطة تامة بأحوال عصره وشؤون مجتمعه،
ـــــــ
1 الكاغد: الورق.

(1/13)


--------------------------------------------------------------------------------

وأحوال الناس خاصتهم وعامتهم، وعندما استوت له أدواته -وهو بعد في مقتبل العمر- أقبل يعقد مجالس الوعظ، وكان أولها في جامع المنصور سنة "527هـ".
وبدأت مجالسه تستقطب الناس، فازدحم عليه أهل بغداد، ينهلون من علمه ووعظه وتذكيره خاصتهم وعامتهم، حتى صار علمًا من أعلام بغداد، ومفخرة تفاخر بها غيرها من المدن، فكان زوار بغداد يحرصون على حضور مجالسه التي لم يكن لها نظير في العالم الإسلامي.
وها هو الرحالة الأندلسي الشهير "محمد بن أحمد بن جبير" يحضر أحد هذه المجالس ويصفها في بيان رائع في رحلته المشهورة، فيقول: "ثم شاهدنا صبيحة يوم السبت بعده مجلس الشيخ الفقيه الإمام الأوحد، جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي بإزاء داره على الشط بالجانب الشرقي وفي آخره، على اتصال من قصور الخليفة، وبمقربة من باب البصلية آخر أبواب الجانب الشرقي، وهو يجلس به كل سبت، فشاهدنا مجلس رجل ليس من عمرو ولا زيد، وفي جوف الفرا كل الصيد، آية الزمان، وقرة عين الإيمان، رئيس الحنبلية، والمخصوص في العلوم بالرتب العلية، إمام الجماعة، وفارس حلبة هذه الصناعة، والمشهود له بالسبق الكريم في البلاغة والبراعة، مالك أزمة الكلام في النظم والنشر، والغائص في بحر فكره على نفائس الدر، فأما نظمه فـ "رضي" الطباع "مهياري" الانطباع، وأما نثره فيصدع بسحر البيان، ويعطل المثل بـ "قس" و "سحبان".
ومن أبهر آياته، وأكبر معجزاته: أنه يصعد المنبر، ويبتدئ القراء بالقراءة، وعددهم نيف على العشرين قارئًا، فينتزع الاثنان منهم أو الثلاثة آية من القراءة، يتملونها على نسق بتطريب وتشويق؛ فإذا فرغوا تلت طائفة أخرى على عددهم آية ثانية، ولا يزالون يتناوبون آيات من سور مختلفات إلى أن يتكاملوا قراءة، وقد أتوا بآيات متشابهات، لا يكاد المتقد الخاطر يحلها عدة، أو يسميها نسقًا، فإذا فرغوا أخذ هذا الإمام الغريب الشأن في إيراد خطبته عجلًا مبتدرًا، وأفرغ في أصداف الأسماع من ألفاظه دررًا، وانتظم أوائل الآيات المقروءات في أثناء خطبته فقرًا، وأتى بها على نسق القراءة لها لا مقدمًا ولا مؤخرًا، ثم أكمل الخطبة على قافية آخر آية منها، فلو أن أبرع من في المجلس تكلف تسمية ما قرأ القراء آية آية على الترتيب لعجز عن ذلك، فكيف بمن ينتظمها مرتجلًا، ويورد الخطبة الغراء بها عجلًا: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور: 15]، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16]، فحدث عن البحر ولا حرج وهيهات، ليس الخبر عنه كالخُبَر.

(1/14)


--------------------------------------------------------------------------------

ثم إنه أتى بعد أن فرغ من خطبته برقائق من الوعظ، وآيات بينات من الذكر، طارت لها القلوب اشتياقًا، وذابت بها الأنفس احتراقًا، إلى أن علا الضجيج، وتردد بشهقاته النشيج، وأعلن التائبون بالصياح، وتساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح، كل يلقي ناصيته بيده فيجزها، ويمسح على رأسه داعيًا له، ومنهم من يغشى عليه، فيرفع في الأذرع إليه، فشاهدنا هولًا يملأ الأنفس إنابة وندامة، ويذكر بأهوال يوم القيامة؛ فلو لم نركب ثبج البحر، ونعتسف مفازة القفر إلا لمشاهدة مجلس من مجالسه لكانت صفقة رابحة، والوجهة المفلجة الناجحة، والحمد لله على أن من بلقاء من تشهد الجمادات بفضله، ويضيق الوجود عن مثله، وفي أثناء مجلسه ذلك تبتدره المسائل، وتطير إليه الرقاع؛ فيجاوب أسرع من طرفة العين وربما كان أكثر مجلسه الرائق من نتائج تلك المسائل، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، لا إله سواه"1.
7- تصانيفه:
ثم رأى ابن الجوزي أن التصنيف في فن الوعظ يكمل مجالسه؛ بل يعمم نفعها، فالكتاب يبلغ ما لا يبلغه الخطاب، وهو باق وصاحبه موسد تحت التراب.
ويقول رحمه الله: رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة؛ لأني أشافه في عمري عددًا من المتعلمين، وأشافه بتصنيفي خلقًا لا يحصون ما خلقوا بعد، ودليل هذا أن انتفاع الناس بتصانيف المتقدمين أكثر من انتفاعهم بما يستفيدونه من مشايخهم؛ فينبغي للعالم أن يتوفر على التصانيف إن وفق للتصنيف المفيد..."2.
لقد ابتدأ ابن الجوزي في التصنيف وله من العمر سبع عشرة سنة؛ فلا غرابة أن يكون من أكثر المصنفين في الإسلام، وقد تجاوز عدد مؤلفاته أربعمائة3 كتاب، أفراد لها الأستاذ عبد الحميد العلوجي كتابًا سماه مؤلفات ابن الجوزي كما أن الإمام الذهبي سرد أسماء الكثير منها في سيره "21/ 370" وأكتفى هنا بذكر أشهرها: "التبصرة" و "تلبيس إبليس" و "ذم الهوى" و "زاد المسير في علم التفسير" و "صفة
ـــــــ
1 رحلة ابن جبير، ص "271 -273"، تحقيق د. حسين نصار.
2 صيد الخاطر، الفصل "165".
3 طبع ببغداد سنة 1965م، وذكر نسخها والمطبوع منها مرتبة على حروف المعجم.

(1/15)


--------------------------------------------------------------------------------

الصفوة" و "المدهش" و "مناقب الإمام أحمد بن حنبل" و "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" و "الموضوعات في الأحاديث المرفوعات" و "الوفا بأحوال المصطفى" كما ذكر هو رحمه الله تعالى عددًا منها في كتابه هذا.
8- صفاته وأخبار أسرته:
كان ابن الجوزي أنيقًا في مظهره نزهًا نظيفًا، متنعمًا في معيشته، كما كان -رحمه الله- متحدثًا بارعًا، إن أراد أن يضحك أضحك الثكلى بما يسرد من أخبار البخلاء والحمقى والمغفلين والمتماجنين والظراف. وإذا أراد أن يبكي أبكى الصخر الأصم بما يقص من وصف الآخرة وأهوال يوم القيامة وسير الصالحين الزاهدين، وخوفهم من الله تعالى، فكان يمزج بين هذا وذاك ليجذب القلوب، ويروح عن النفوس لتستعد لسماع مواعظه، فهو خبير بما يصلح النفوس ويتألفها.
كما تميز ابن الجوزي -رحمه الله تعالى- إضافة إلى فصاحته وغزارة محفوظه بسرعة البديهة والجواب الحاضر، وقد ذكروا عنه قصصًا طريفة، منها: أن رجلًا سأله من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأجواء بين الشيعة والسنة مشحونة، فقال على البديهة: أفضل الناس من كانت بنته تحته، فقال أهل السنة: يقصد أبا بكر؛ لأن ابنته عائشة كانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الشيعة: بل يقصد عليًّا؛ لأن بنته فاطمة رضي الله عنها كانت تحته.
تزوج -رحمه الله- مرتين فأنجب من زوجته الأولى عشرة أولاد، خمسة ذكور وخمس إناث، مات من الذكور أربعة، منهم ابنه عبد العزيز الذي مات مسمومًا بالموصل سنة "554هـ"، وبقي علي أبو القاسم، وقد كتب له رسالة لفتة الكبد إلى نصيحة الولد إلا أنه لم ينتفع بنصيحة الوالدة، وكان عاقًّا سيئ الطباع، فاستغل محنة أبيه، فأخذ كتبه، وباعها بأبخس الأثمان، توفي علي هذا سنة "630هـ".
وأما الإناث فهنّ:
1- رابعة: تزوجت من ابن رشيد الطبري سنة "571هـ"، فاشتغل هذا بكتب الفلاسفة، فساءت عقيدته، فهجره ابن الجوزي، فلما مات، زوجها من مملوك تركي للوزير ابن هبيرة اسمه قزغلي فأنجبت يوسف المعروف بسبط ابن الجوزي صاحب مرآة الزمان وغيرها من المصنفات.
2- زينب، و 3- شرف النساء، و 4- ست النساء الصغرى، و 5- جوهرة.

(1/16)


--------------------------------------------------------------------------------

وأنجب من زوجته الثانية ابنه يوسف، وهو أصغر أولاده وأنجبهم، ولد سنة "580هـ"، وعظ بعد أبيه، وكتب وأتقن حتى ساد أقرانه، وتولى التدريس بالمدرسة المستنظرية، وبنى المدرسة الجوزية بدمشق، وأوقف عليها، ثم صار أستاذ دار الخليفة المستعصم سنة "640 هـ"، حتى قتل مع الخليفة هو وأولاده تاج الدين، وجمال الدين، وشرف الدين على يد التتار سنة "656هـ".
9- محنته:
تعرض ابن الجوزي في شيخوخته لمحنة قاسية كان سببها الرافضة، وقد لخصها الشيخ علي الطنطاوي في مقدمة طبعته لصيد الخاطر فقال رحمه الله:
كان الوزير ابن يونس الحنبلي قد عقد مجلسًا للركن عبد السلام ابن عبد القادر الجيلي1، وأحرقت كتبه، وكان فيها من الزندقة وعبادة النجوم ورأي الأوائل شيء كثير، وذلك بمحضر من ابن الجوزي وغيره من العلماء، وانتزع الوزير مدرسة جده وسلمها إلى ابن الجوزي، فلما ولي الوزارة ابن القصاب -وكان رافضيًّا خبيثًا- سعى في القبض على ابن يونس، وتتبع أصحابه؛ فقال له الركن: أين أنت من ابن الجوزي؟ فإنه ناصبي، ومن أولاد أبي بكر الصديق، فهو من أكبر أصحاب ابن يونس، وأعطاه مدرسة جدي، وأحرقت كتبي بمشورته. فكتب ابن القصاب إلى الخليفة الناصر، وكان الناصر له ميل إلى الشيعة، ولم يكن له ميل آخر أيامه إلى الشيخ أبي الفرج، فأمر بتسليمه إلى الركن عبد السلام، فجاء هذا إلى دار الشيخ، وشتمه وأغلظ عليه، وختم على كتبه وداره، وشتت عياله.
فلما كان في أول الليل، حمل في سفينةٍ، وليس معه إلا عدوه الركن، وعلى الشيخ غلالة بلا سراويل، وعلى رأسه تخفيفة، فأحدر إلى واسط، وكان ناظرها شيعيًّا، فقال له الركن: مَكِّنِّي من عدوي لأرميه في المطمورة2، فزبره3، فقال: يا زنديق! أرميه بقولك؟ هات خط الخليفة، والله لو كان من أهل مذهبي لبذلت روحي ومالي في خدمته.
قال ابن القادسي: لما حضر إلى واسط جمع الناس، وادعى ابن عبد القادر
ـــــــ
1 عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلاني.
2 سرداب تحت الأرض.
3 زبره: زجره ومنعه.

(1/17)


--------------------------------------------------------------------------------

على الشيخ أنه تصرف في وقف المدرسة، و [أنه] اقتطع من مالها كذا وكذا، وكذب فيما ادَّعاه، وأنكر الشيخ وصدق وبر، وأفردت للشيخ دار بدرب الديوان، وعلى بابها بواب، وأفرد له من يخدمه، وكان بعض الناس يدخلون عليه، ويستمعون منه، ويملي عليهم، وكان يرسل أشعارًا كثيرة إلى بغداد.
وأقام بواسط خمس سنين يخدم نفسه بنفسه، ويغسل ثوبه، ويطبخ، ويستقي الماء من البئر، ولا يتمكن من خروج إلى حمام ولا غيره، وقد قارب الثمانين.
وبقي على ذلك من سنة تسعين إلى سنة خمس وتسعين، فأفرج عنه، وقدم إلى بغداد، وخرج خلق كثير يوم دخوله لتلقيه، وفرح به أهل بغداد فرحًا زائدًا، ونودي له بالجلوس يوم السبت، فصلى الناس الجمعة، وعبروا يأخذون مكانات موضع المجلس عند تربة أم الخليفة، فوقع تلك الليلة مطر كثير ملأ الطرقات، فأحضر في الليل فراشون وروزجارية1، فنظفوا موضع الجلوس، وفرشوا فيه دقاق الحصى والبواري2، ومضى الناس وقت المطر إلى قبر معروفٍ [الكرخي] تحت الساباط3 حتى سكن المطر، ثم جلس الشيخ بكرة السبت، وعبر الخلق، وحضر أرباب المدارس والصوفية ومشايخ الربط، وامتلأت البرية حتى ما كان يصل صوت الشيخ إلى آخرهم.
وأعاد الخليفة الشيخ إلى بغداد وخلع عليه، وجلس عند تربة أم الخليفة للوعظ، وأنشد:
شقينا بالنوى زمنًا فلما ... تلاقينا كأنا ما شقينا
سخطنا عندما جنت4 الليالي ... فما زالت بنا حتى رضينا
سعدنا بالوصول وكم شقينا ... بكاسات الصدود وكم فنينا
فمن لم يحي بعد الموت يومًا ... فإنا بعد ما متنا حيينا
ولم يزل الشيخ على عادته الأولى في الوعظ ونشر العلم وكتابته إلى أن مات.
ـــــــ
1 قال النووي: الروزجار هو براء مضمومة، ثم واو ساكنة، ثم زاي، ثم جيم، ثم ألف، ثم راء: وهو الذي يعمل الطين بالمجرفة ونحوها.
2 جمع "بوريّة" وهي: الحصير.
3 الساباط: ممر مسقوف.
4 جنت من الجناية.

(1/18)


--------------------------------------------------------------------------------

10- وفاته:
توفي ابن الجوزي بعد مرض دام خمسة أيام، ليلة الجمعة بين المغرب والعشاء في الثالث عشر من رمضان المبارك سنة "597هـ" في دار له قريبة من قبر معروف الكرخي بمحافظة قطفتا، في الجانب الغربي من مدينة السلام بغداد.
أجمعت المصادر على أن يوم وفاته كان يومًا مشهودًا ببغداد، إذ ارتجت قلوب الناس لنبأ وفاته، وغلقت الأسواق، ونودي للصلاة عليه في جانبي بغداد، وحملت جنازته على رؤوس الناس، ثم ذهبوا به إلى جامع المنصور للصلاة عليه، فصلى عليه ابنه أبو القاسم علي، وضاق الجامع على سعته بالناس، فصلى عليه مرتان، ثم حمل إلى مقبرة باب حرب، فدفن هناك بالقرب من الإمام أحمد -رحمهم الله.
قال سِبْطُه أبو المظفر: أوصى جدّي أن يكتب على قبره:
يا كثير العفو عمَّنْ ... كثر الذنب لديهِ
جاءك المذنب يرجُوالـ ... ـصفح عن جرم يديْهِ
أنا ضيف وجزاء الـ ... ـضيف إحسان إليْهِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7788.forumegypt.net
 
سيرة ابن الجوزى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سيرة عبد الرحمن بن عوف
» سيرة ابن كثير
» سيرة أمين الأمة
» سيرة حوارى الرسول
» سيرة طلحة بن عبيد الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى هديل الحمام :: منتدى القصص والسير-
انتقل الى: