منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى هديل الحمام

منتدى هيسعدك
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
من قال سبحان الله وبحمدة غرست لة نخلة فى الجنة
تذكر ان سبحان الله وبحمدة بها يرزق الخلق
من قال سبحان الله وبحمدة فى يوم 100 مرة حطت خطاياة وان كانت مثل زبد البحر
من افضال سبحان الله وبحمدة ان من قالها مئة مرة كتب لة الله 1000 حسنة ( مسلم)
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
من افضال قولك سبحان الله وبحمدة ان من قالها حط الله عنة سيئة وكتب لة حسنة ورفع لة درجة
وفى صحيح مسلم ان من قال سبحان الله وبحمدة حين يصبح وحين يمسى 100 مرة لم يات احد يوم القيامة بافضل مما جاء بة إلا رجل قال مثل ذلك او اكثر

 

 منزلة الامام الذهبى العلمية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد الزهرى
Admin
احمد الزهرى


عدد المساهمات : 227
نقاط : 19215
تاريخ التسجيل : 31/03/2014
العمر : 34

منزلة الامام الذهبى العلمية Empty
مُساهمةموضوع: منزلة الامام الذهبى العلمية   منزلة الامام الذهبى العلمية Emptyالأربعاء أبريل 09, 2014 9:42 am

لعل خير ما يصور منزلة الذهبي العلمية واتجاهاته الفكرية هو دراسة آثاره الكثيرة التي خلفها، وتبيان قيمتها مقارنة بمثيلاتها، ومدى اهتمام العلماء والدارسين بها في العصور التالية، والمساهمة الفعلية التي قدمتها للحضارة الإسلامية.
وسيرة الذهبي العلمية، استنادا إلى آثاره، ذات وجوه متعددة يستبينها الباحث الفاحص من نوعية تلك الآثار.
وأول ما يلاحظ الدارس هذا العدد الضخم من الكتب التي اختصرها والتي تربي على خمسين كتابا، معظمها من الكتب الكبيرة التي اكتسبت أهمية عظيمة عند الدارسين، والتي تعد من بين أحسن الكتب التي وضعت في عصرها وأكثرها أصالة، مما يدل على استيعاب الذهبي لمؤلفات السابقين، ومعرفته بالجيد الأصيل منها، وتمتعه بقدرة ممتازة على الانتفاء.
ومما يثير الانتباه أن مختصرات الذهبي لم تكن اختصارات عادية يغلب عليها الجمود والنقل، بل إن المطلع عليها الدارس لها بروية وإمعان يجد فيها إضافات كثيرة، وتعليقات نفيسة، واستدراكات بارعة، وتصحيحات وتصويبات لمؤلف الأصل إذا شعر بوهمه أو غلطه، ومقارنات تدل على معرفته وتبحره في فن الكتاب المختصر، فهو اختصار مع سد نقص وتحقيق ونقد وتعليق وتدقيق، وهو أمر لا يتأتى إلا للباحثين البارعين الذين أوتوا بسطة في العلم ومعرفة بفنونه.
والذهبي حين يضيف إلى الكتاب المختصر يشعر بضرورة ذلك لسد نقص يعتري ذلك الكتاب.
فحينما اختصر مثلا كتاب " أسد الغابة في



معرفة الصحابة " لعز الدين ابن الأثير المتوفى سنة 630 ه زاده من عدة تواريخ منها: " تاريخ الصحابة الذين نزلوا حمص " لأبي القاسم عبد الصمد ابن سعيد الحمصي المتوفى سنة 324 ه، و " مسند " الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 ه، و " مسند " بقي بن مخلد المتوفى سنة 276 ه، و " طبقات " ابن سعد المتوفى سنة 230 ه، و " تاريخ دمشق " لابن عساكر المتوفى سنة 571 ه، ومن كتابات ابن سيد الناس المتوفى سنة 734 (1) ه.
وقال سبط ابن حجر عند كلامه على اختصار الذهبي " للمعجم المشتمل على ذكر شيوخ الأئمة النبل " لابن عساكر المتوفى سنة 571 ه: " زاده فوائد ومحاسن " (2).
ويجد الباحث في مختصرات الذهبي تعليقات نفيسة، ومن ذلك مثلا ما عمله في كتاب " الكاشف " الذي اختصره من " تهذيب الكمال " لأبي الحجاج المزي المتوفى سنة 742 ه، فعلى الرغم من محافظة الذهبي على
روح النص الأصلي، فقد بث فيه من روحه ونشر فيه من علمه ما جعله يكاد يكون مؤلفا من تآليفه مخالفا للأصل المختصر منه في كثير من الأمور.
وآية ذلك أنه علق على آراء بعض أئمة الجرح والتعديل فيه تعديلا أو إبطالا، كما حقق كثيرا من التراجم وزاد تدقيقا لا نجده في الأصل.
فضلا عن بيان رأيه في كثير من الرواة على أسس من دراساته الواسعة، وخبرته العميقة بعلم الحديث النبوي الشريف مما حدا بتاج الدين السبكي أن يصف هذا المختصر بأنه " كتاب نفيس " (3).

وتظهر براعة الذهبي في النقد والتحقيق في كثير من هذه المختصرات، فمن ذلك مثلا ما ظهر في مختصره لكتاب " المستدرك على الصحيحين " لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 ه الذي قصد فيه مؤلفه أن يورد أحاديث على شرط البخاري ومسلم مما لم يذكراه في صحيحيهما، حيث يتبين لنا من مطالعة المختصر وتعليقات الذهبي عليه وتخريجاته ونقده أنه لم يصحح من أحاديث الكتاب سوى النصف، وبين أن نصف النصف الآخر يصح سنده وإن كان فيه علة، أما الربع الأخير فهو أحاديث مناكير وواهيات لا تصح، بل إن في بعضها أحاديث موضوعة (1).
وهذا يعني أن الذهبي قد أعاد دراسة جميع أحاديث المستدرك مجددا ونقدها، فخرج بهذه النتيجة.
وغالبا ما يقوم الذهبي بتخريج الأحاديث الواردة في الكتب التي يقوم باختصارها، فغالب التخريج في كتاب " تلخيص العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " الذي لخصه من كتاب " العلل " لابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه هو من كلام الذهبي (2).
ولما اختصر الذهبي كتاب " السنن الكبرى " للبيهقي المتوفى سنة 458 ه.
تكلم على أسانيد الكتاب بنفائس تدل على تبحره بهذا الفن، ووضع رموزا على الحديث لمن خرجه من أصحاب الصحيحين والسنن الأربع، وخرج الأحاديث التي لم ترد في هذه الكتب الستة.
وكثيرا ما كان الذهبي يخرج تراجم الكتب التي يختصرها في علم الرجال.

من ذلك مثلا ما عمله في اختصاره لتاريخ ابن الدبيثي المتوفى سنة 637 ه حيث زاد في كثير من تراجمه ولا سيما الرجال الذين أخذوا عن صاحب الترجمة، وهو ما أغفله ابن الدبيثي في " تاريخه " (1).
كما تظهر مقارنات دقيقة بالكتب والتواريخ التي من بابته " كتاريخ محب الدين ابن النجار " المتوفى سنة 643 ه الذي ذيل به على تاريخ الخطيب المتوفى سنة 463 ه (2)، و " وفيات الأعيان "، لابن خلكان المتوفى سنة 681 (3) ه، و " التكملة لوفيات النقلة " لزكي الدين المنذري المتوفى سنة 656 (4) وغيرها.
أو من كتب الشعر ككتاب " الخريدة " للعماد الأصبهاني القرشي المتوفى سنة 596 (5) ه.
أو من كتابات كبار العلماء الذين أخذوا عن المترجم له، مثل زكي الدين البرزالي المتوفى سنة 636 (6) ه، وفخر الدين ابن البخاري المتوفى سنة 690 ه صاحب " المشيخة " المشهورة (7)، وشهاب الدين أحمد بن إسحاق الأبرقوهي المتوفى سنة 701 ه (Cool، وضياء الدين المقدسي المتوفى سنة

643 ه (1) وغيرهم كثير.
أو من خطوط العلماء نحو قوله: " قرأت بخط ابن قدامة " (2).
فضلا عما أضاف هو من الأسانيد قرأها على شيوخه مما يتصل بتلك التراجم، وهي إضافة أصيلة للترجمة، فهو حينما يقول مثلا: " وروى لنا عنه بمصر أبو المعالي الأبرقوهي (3) " أو " روى لنا عنه أبو العباس ابن الظاهري وأبو الحسين اليونيني وعلي بن عبد الدائم ومحمد بن يوسف الإربلي..إلخ (4) " فمعنى ذلك أن هؤلاء الشيوخ قد أخذوا عن صاحب الترجمة (5).
ومن إضافاته إلى تلك المختصرات أيضا تواريخ وفيات المترجمين الذين لم يذكر صاحب الكتاب الأصلي وفياتهم.
فنحن نعلم مثلا أن ابن الدبيثي لم يذكر وفاة أحد ممن ذكر هم في تاريخه ممن تأخرت وفاته عن سنة 621 ه وهي السنة التي حدث ابن الدبيثي فيها بتاريخه والتي تمثل آخر إخراج له (6)، في حين أن وفيات بعضهم قد تأخرت إلى النصف الثاني من القرن السابع الهجري، فاستخرج الذهبي وفياتهم وذكرها ليكون اختصاره أكمل ولتكون معلومات الكتاب أتم (7).
يضاف إلى ذلك أنه يروي بعض الأحاديث الواردة في هذه المختصرات

بسنده إذا وجد مجالا لذلك (1).
وأعاد الذهبي تنظيم بعض الكتب التي اختصرها، فحينما اختصر كتاب " الكنى " لأبي أحمد الحاكم المتوفى سنة 378 ه أعاد ترتيبه على حروف المعجم بعد أن أضاف إليه أشياء أخرى مما ليس فيه (2).
كما رتب " المجرد من تهذيب الكمال " على عشر طبقات ورتب كل طبقة على حروف المعجم، في حين كان كتاب " تهذيب الكمال " للمزي مرتبا على حروف المعجم (3).
وقد حفظنا من سيرة الذهبي أنه عني بالقراءات ودرسها على كبار شيوخ عصره من المقرئين المشهورين حتى أصبح " الأستاذ الثقة الكبير (4) " فيها.
وذكر ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 ه أنه كان " إماما في القراءات (5) ".
لكننا نلاحظ في الوقت نفسه أنه لم يتخرج عليه في القراءات سوى عدد قليل جدا (6) ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنه عني بهذه الناحية في مطلع حياته العلمية، ثم اتجه بعد ذلك إلى الحديث والتاريخ وغيرهما.
ولم نعرف من آثاره في هذا الفن غير كتاب " التلويحات في علم القراءات (7) " وكتاب " معرفة

القراء الكبار على الطبقات والأعصار " الذي هو إلى كتاب التراجم أقرب منه إلى القراءات وإن كانت محتوياته غالبا ما تتعلق بموضوع القراءات.
وقد شهد له ابن الجزري بالإحسان فيه (1)، لذلك سلخه بأجمعه في كتابه " غاية النهاية " كما نص على ذلك في المقدمة (2)، ووصفه شمس الدين السخاوي بأنه " كتاب حافل " (3).
ومع كل ذلك فإن هذا الوجه من حياة الذهبي العلمية هو أضعف الوجوه وأقلها آثارا.
على أن مكانة الذهبي العلمية وبراعته تظهران في أحسن الوجوه إشراقا وأكثرها تألقا عند دراستنا له محدثا يعنى بهذا الفن، فقد مهر الذهبي في علم الحديث وجمع فيه الكتب الكثيرة " حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفا (4) ".
وقد رأينا إقباله العظيم عليه وشرهه لسماعه، وذلك العدد الضخم من الشيوخ الذين حوتهم معجمات شيوخه الثلاثة، والكتب، والأجزاء، والمجاميع الكثيرة التي قرأها على الشيوخ أكثر من مرة.
وقد فتحت له هذه المعرفة الواسعة آفاقا عظيمة في هذا الفن فاختصر عددا كبيرا من الكتب، وألف عددا أكبر يستبينه الباحث عند إلقائه نظرة على قائمة مؤلفاته في هذا المجال.
كما ألف في مصطلح الحديث كتبا، وخرج التخاريج الكثيرة من الأربعينات، والثلاثينات، والعوالي، والأجزاء، ومعجمات الشيوخ، والمشيخات، وغيرها مما فصلنا القول فيه عند كلامنا على آثاره (5).
ومع أن الذهبي قد عاش في عصر غلب عليه الجمود والنقل والتخليص،

فإنه قد تخلص من كثير من ذلك بفضل سعة دراساته وفطنته.
قال تلميذه صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة 764 ه: " لم أجد عنده جمود المحدثين ولا كودنة (1) النقلة بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات.
وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن في رواته، وهذا لم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما يورده (2).
إن هذه البراعة في علم الحديث، والتمكن منه ذاك التمكن، جعلت الذهبي ينطلق بعد ذلك يجرح، ويعدل، ويفرع، ويصحح، ويعلل، ويستدرك على كبار العلماء (3)، " فدخل في كل باب من أبوابه " على حد تعبير تلميذه تاج الدين السبكي (4)، حتى أطلق عليه معاصروه " محدث العصر (5) ".
وبلغ اعتراف حافظ عصره الإمام ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 ه بفضل الذهبي وبراعته إلى درجة أنه شرب ماء زمزم سائلا الله أن يصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ وفطنته (6).

ومفهوم التاريخ عند الذهبي يتصل اتصالا وثيقا بالحديث النبوي وعلومه، ويظهر ذلك من كتب الرجال التي يطلق الذهبي عليها اسم التاريخ ".
وقد أصبح واضحا أن الغاية الرئيسة من العناية بالرجال أتى لضبط الرواة أولا (1)، وهو ما يظهر في معظم مقدمات كتبه في هذا الفن، وهو مفهوم ساد عند المحدثين المؤرخين لا سيما في ذلك العصر (2).
وعلى علم الرجال، وعلى آثار الذهبي فيه، قامت شهرته الواسعة باعتباره مؤرخا، كما نرى.
وقد خلف الذهبي في هذا الفن عددا ضخما من الآثار ابتدأها باختصار أمهات الكتب المؤلفة فيه، كالتواريخ المحلية مثل " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 ه، والذيول عليه: لابن السمعاني المتوفى سنة 562 ه، وابن الدبيثي المتوفى سنة 637 ه وابن النجار المتوفى سنة 643 ه.
ومنها أيضا " تاريخ دمشق " لابن عساكر المتوفى سنة 571 ه، و " تاريخ مصر " لابن يونس المتوفى سنة 347 ه، و " تاريخ نيسابور " لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 ه، و " تاريخ خوارزم " لابن أرسلان الخوارزمي المتوفى سنة 568 ه.
ومن كتب الوفيات: " التكملة لوفيات

النقلة " لزكي الدين المنذري المتوفى سنة 656 ه وصلته للحسيني المتوفى سنة 695 ه.
ومن كتب الأنساب: كتاب " الأنساب " لأبي سعد السمعاني المتوفى سنة 562 ه.
ومن كتب الصحابة كتاب " أسد الغابة " لابن الأثير المتوفى سنة 630 ه.
ومن كتب رجال الصحاح والسنن مثل كتاب " تهذيب الكمال في معرفة الرجال " لأبي الحجاج المزي المتوفى سنة 742 ه، و " المعجم المشتمل على أسماء شيوخ الأئمة النبل " لابن عساكر المتوفى سنة 571 ه وغيرها (1).
فكانت هذه المختصرات المادة الرئيسة التي كونت شخصيته العلمية ومعرفته بالعصور السابقة.
أما تراجم المعاصرين فيعد الذهبي من بين أحسن الذين كتبوا فيهم، وقد أدرك أهمية هذا الأمر فكان كتابه " المعجم المختص بمحدثي العصر " خير دليل على ذلك.
ولا عبرة بعد ذلك بمن انتقده لتناوله التاريخ المعاصر كابن الوردي (2)، لأن هذا هو التاريخ الأكثر أهمية وخطرا، وهو الذي يعطي المؤرخ أهميته البالغة بين المؤرخين ويميزه عن غيره، وهو مما لم يدركه كثير من المعنيين بالتاريخ ومنهم ابن الوردي.
لقد أنتجت هذه المعرفة الرجالية الواسعة مؤلفات كثيرة لعل من أهمها كتابه العظيم " تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام " الذي هو إلى كتب التراجم أقرب منه إلى التاريخ بمفهومه الحديث، وكتابه النفيس " سير أعلام النبلاء " الذي لم يتضمن غير التراجم، ثم ذلك العدد الضخم من المؤلفات التي عرفناها له.

ولعل مما يميز الذهبي عن غيره من بعض مؤلفي كتب الرجال والتراجم أنه لم يقتصر في تأليفه على عصر معين، أو فئة معينة، أو تنظيم معين، بل تناولت مؤلفاته رجال الإسلام من أول ظهوره حتى عصره، بله المعاصرين له.
وهو في كتابته للترجمة فنان تراجمي ملئ بفن التراجم يجد الباحث فيها دقة متناهية في التعبير، وحبكا للترجمة تشد القارئ إليها مع تعدد الموارد وانتقاء لأفضلها وإبداء لآرائه الشخصية فيها (1).
وقد عانى الذهبي كتابة " السيرة " وهو فن خاص له مميزاته التي تجعله يختلف عن كتابة " الترجمة " المجردة، فكتب في سير الخلفاء الراشدين، وأئمة الفقه، والحديث، وغيرهم (2).
ومعرفة الذهبي الواسعة في الرجال دفعت تاج الدين السبكي الذي انتقده في بعض المواضع إلى القول: " إنه كان شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها (3) ".
وقد ازداد شأنه بعد عصره بحيث اعتبر هو والمزي مؤرخي القرن الثامن اللذين لا ينافسهما أحد (4)، وعده الإمام السيوطي المتوفى سنة 911 ه رأس طبقة ذكر فيها القطب الحلبي المتوفى سنة 735 ه وابن سيد الناس المتوفى سنة 734 ه وشمس الدين المقدسي المتوفى سنة 744 ه

وتقي الدين السبكي المتوفى سنة 756 ه وعلم الدين البرزالي المتوفى سنة 739 ه وشهاب الدين النابلسي المتوفى سنة 758 (1) ه وهم من أعلام الحفاظ المحدثين المؤرخين، وذكر أن المحدثين في عصره عيال في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة أحدهم الذهبي (2).
ومع أن براعة الذهبي التاريخية أكثر ما ظهرت في الرجال فإنه قد درس التاريخ السياسي، واختصر عددا من المؤلفات الرئيسية فيه مثل تاريخ أبي شامة
المتوفى سنة 665 ه وتاريخ أبي الفداء المتوفى سنة 732 ه وغيرهما، وأفاد من معظم التواريخ المعروفة في عصره ودرسها كسيرة ابن إسحاق المتوفى سنة 151 ه وتواريخ: الطبري المتوفى سنة 310 ه وابن الأثير المتوفى سنة 630 ه وابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه وغيرهما مما يطول تعداده (3).
وقد ظهرت هذه الكتابات في تواريخه المرتبة على الحوادث والوفيات مثل " تاريخ الإسلام " و " العبر " و " دول الإسلام " وغيرها.
ونستبين من نطاق كتاباته هذه أنه كان مؤرخا جوال الذهنية استطاع استيعاب عصور التاريخ الإسلامي من أول ظهوره حتى زمانه الذي كتب فيه مؤلفاته، وهي فترة تزيد على السبعة قرون، فألف في كل هذه العصور بعد أن درسها دراسة عميقة قامت على دعامتين رئيستين هما: الرواية الشفوية والكتب وهذا أمر لم يتأت لكثير من العلماء الذين سبقوه أو عاصروه.
وحينما كتب الذهبي كتابه " تذكرة الحفاظ " ورتبه على الطبقات تكلم في

نهاية أكثرها على الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في الوقت الذي تناولته فأجمل الأوضاع العامة بفقرات قليلة دللت على سعة أفقه التاريخي وقدرته الفائقة على تصوير حقبة كاملة من الزمن وعلى امتداد العالم الإسلامي المترامي الأطراف بعبارة وجيزة.
وهذا أمر لا يتأتى إلا لمن استوعب العصر ودرسه دراسة عميقة بحيث حصل له مثل هذا التصور والفهم العام (1).
ثم إن هذه المعرفة الرجالية الواسعة مع ما أوتي من ذكاء وإدراك واسعين جعلت منه ناقدا رجاليا ماهرا، تدل على ذلك مؤلفاته في النقد وأصوله والتي من أبرزها كتابه العظيم " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " الذي اعتبره معاصروه (2) ومن جاء بعدهم (3) من أحسن كتبه وأجلها.
وقد تناوله عدد كبير من الحفاظ والعلماء والمعنيين بالنقد استدراكا وتعقيبا وتلخيصا بحيث قال شمس الدين السخاوي: " وعول عليه من جاء بعده (4) ".
وللذهبي التفاتات بارعة في أصول النقد، فقد ألف رسالة في " ذكر من يؤتمن قوله في الجرح والتعديل " تكلم فيها على أصول النقد وطبقات النقاد وكيفية أخذ أقوالهم (5).
وأورد في مقدمة " الميزان " عبارات الجرح والتعديل من أعلى مراتبها إلى أدناها وبين مدلولاتها في النقد (6).
وهو في كتبه يشرح بعض هذه الأصول،

من ذلك مثلا ما ذكره في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي، قال: " شيعي جلد، ولكنه صدوق فلنا صدقه، وعليه بدعته. وقد وثقة أحمد بن حنبل، وابن معين ، وأبو حاتم، وأورده ابن عدي، وقال: كان غاليا في التشيع. وقال السعدي: زائغ مجاهر.
فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحد الثقة العدالة والإتقان ؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة ؟ وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.
ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة..ولم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلا، بل قد يعتقد عليا أفضل منهما (1) ".
وقال في ترجمة أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني: " أحد الأعلام صدوق، تكلم فيه بلا حجة، ولكن هذه عقوبة من الله لكلامه في ابن منده بهوى، قال الخطيب: " رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أنه يطلق في الإجازة أخبرنا ولا يبين.
وقلت (يعني الذهبي): هذا مذهب رآه أبو نعيم وغيره، وهو ضرب من التدليس.
وكلام ابن منده في أبي نعيم فظيع، لا أحب حكايته، ولا أقبل قول كل منهما في الآخر، لا أعلم لهما ذنبا أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عنها..قلت: كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرا من الأعصار سلم أهله من ذلك، سوى الأنبياء

والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم (1) ".
ولم يكن الذهبي ليصدر اتباعا لآراء الآخرين في النقد فهو يخالفهم في بعض الأحيان حين لا يجد لآرائهم من سند قوي يؤيدها، فمن ذلك - مثلا ما جاء في ترجمة زيد بن وهب الجهني، أحد التابعين، وهو الذي تكلم فيه أبو يعقوب الفسوي في " تاريخه " وذكر أن في حديثه خللا كبيرا، فقال: " ولا عبرة بكلام الفسوي (2) " وأورد في " ميزان الاعتدال " مآخذ الفسوي عليه ورد عليها ثم قال: " فهذا الذي استنكره الفسوي من حديثه ما سبق إليه، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا لرددنا كثيرا من السنن الثابتة بالوهم الفاسد (3) " والميزان ملئ بمثل هذه النقدات لا مجال لتكثير الأمثلة منها.
بل وجدناه يؤلف كتابين، يرد فيهما على جملة من علماء الجرح والتعديل هما: " رسالة في الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم "، وكتاب " من تكلم فيه وهو موثق ".
ولم يقتصر نقد الذهبي على الرجال حسب، بل تعدى ذلك إلى نقد الموارد التي يطالعها أو يختصرها أو يأخذ منها، وهو ما يعرف اليوم بنقد المصادر، من ذلك مثلا نقده لكتاب " الضعفاء " لابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه الذي اختصره وذيل عليه، فقال في ترجمة أبان بن يزيد العطار: قد أورده أيضا العلامة ابن الجوزي في " الضعفاء " ولم يذكر فيه أقوال من وثقه.
وهذا من عيوب كتابه يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق " (4). وقال في ترجمة حفص

ابن ؟ ؟ من الميزان: " قال ابن القطان: لا يعرف له حال ولا يعرف قلت: لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا، فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره مما يدل على عدالته.
وهذا شيء كثير، ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستورون، ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل (1) ".
وانتقد الذهبي كتاب " الضعفاء " لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي المتوفى سنة 322 ه لإيراده بعض الثقات ومنهم حافظ عصره علي بن المديني المتوفى سنة 234 فقال في ترجمة ابن المديني من الميزان: " ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء، فبئس ما صنع " ورد عليه حينما نقل قول عبد الله بن أحمد بن حنبل: " كان أبي حدثنا عنه، ثم أمسك عن اسمه..ثم ترك حديثه "، بقوله: " بل حديثه عنه في مسنده " وهذا رد مفحم من الذهبي بل قال بعد ذلك: " وهذا أبو عبد الله البخاري وناهيك به قد شحن صحيحه بحديث ابن المديني (2) ".
ولا يقتصر الذهبي عند نقد الكتب على إيراد مساوئها، بل كثيرا ما يذكر محاسنها ومميزاتها، فقد سبق أن قال إن كتاب العقيلي مفيد (3)، وقال عن كتاب " الكامل " لابن عدي المتوفى سنة 365 ه إنه " أكمل الكتب وأجلها في ذلك (4) "، وقال في ترجمة الدارقطني المتوفى سنة 385 ه: " وإذا شئت أن تتبين براعة هذا الإمام الفرد فطالع العلل له فإنك تندهش ويطول تعجبك (5) ".

ونحن نعلم أيضا أن الذهبي قد عانى النقد في تآليف خاصة رد بها على كتب معينة، فقد ألف كتابا في الرد على ابن القطان المتوفى سنة 628 ه (1) كما ألف كتاب " من تكلم فيه وهو موثق " رد به على جملة من كتب الضعفاء كما بينا.
وبسبب هذا الذي قدمنا ذكره من براعة الذهبي في النقد والتمكن منه، فقد أصبح " شيخ الجرح والتعديل " كما ذكر تاج الدين السبكي (2).
وقال ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 ه: " ناقد المحدثين وإمام المعدلين والمجرحين..وكان آية في نقد الرجال، عمدة في الجرح والتعديل (3) "، وقال شمس الدين السخاوي المتوفى سنة 902: " وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال (4) "، فأصبحت أقوال الذهبي فيمن يترجم لهم تعتبر عند النقاد والمؤرخين الذين جاءوا بعده أقصى حدود الاعتبار، وظهرت بصورة جلية في المؤلفات التي كتبت بعد عصره، ولا سيما في مؤلفات مؤرخ القرن التاسع وحافظه ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 ه (5).
وتطالعنا عند قراءة كتب الذهبي العديد من الأمثلة التي تدل على قوته في البحث والاستدلال، ومناقشة آراء الغير بروح علمي يعتمد الدليل والإقناع، من ذلك مثلا مناقشة لمن اتهم الحافظ أبا حاتم محمد بن حيان البستي التميمي المتوفى سنة 354 ه بالزندقة لقوله: " إن النبوة هي العلم والعمل " وما تبع ذلك من كتابة الخليفة أمرا بقتله لهذا السبب، قال الذهبي: " وهذا

أيضا له محمل حسن ولم يرد حصر المبتدأ بالخبر، ومثله: الحج عرفة.
فمعلوم أن الرجل لا يصير حاجا بمجرد الوقوف بعرفة، وإنما ذكر مهم الحج، ومهم النبوة، إذ أكمل صفات النبي العلم والعمل، ولا يكون أحد نبيا إلا أن يكون عالما عاملا.
نعم، النبوة موهبة من الله تعالى لمن اصطفاه من أولي العلم والعمل لا حيلة للبشر في اكتسابها أبدا، وبها يتولد العلم النافع الصالح، ولا ريب أن إطلاق ما نقل عن أبي حاتم لا يسوغ، وذلك نفس فلسفي (1) ".
ومن الأمثلة الطريفة أيضا مناقشة لمسألة معرفة النبي صلى الله عليه وسلم - الكتابة، فقال في ترجمة الحافظ العلامة أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي المتوفى سنة 474 ه: " ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في البخاري قال بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر ابن الصائغ وكفره بإجازة الكتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي وأنه تكذيب بالقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام حتى أطلقوا عليه الفتنة وقبحوا عند العامة ما أتى به خطباؤهم في الجمع وقال شاعرهم: برئت ممن شرى دنيا بآخرة * وقال: إن رسول الله قد كتبا وصنف أبو الوليد رسالة بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة فرجع بها جماعة.
قلت: ما كل من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أميا لأنه لا يسمى كاتبا.
وجماعة من الملوك قد أدمنوا في كتابة العلامة وهم أميون، والحكم للغلبة لا للصورة النادرة، فقد قال عليه السلام: " إنا أمة أمية " أي أكثر هم كذلك لندور الكتابة في الصحابة، وقال تعالى: [ هو الذي بعث في

الأميين رسولا منهم ] (1).
وقال في موضع آخر معقبا على هذه المسألة أيضا: " قلت: وما المانع من جواز تعلم النبي صلى الله عليه وسلم - يسير الكتابة بعد أن كان أميا لا يدري ما الكتابة، فلعله لكثرة ما أملى على كتاب الوحي وكتاب السنن والكتب إلى الملوك عرف من الخط وفهمه وكتب الكلمة والكلمتين كما كتب اسمه الشريف يوم الحديبية محمد بن عبد الله، وليست كتابته لهذا القدر اليسير ما يخرجه من كونه أميا ككثير من الملوك أميين ويكتبون العلامة " (2).
ومثل هذا كثير في كتب الذهبي.
وقد حفظنا من سيرة الذهبي أنه كان سلفي العقيدة قد أثرت فيه البيئة الدمشقية وصحبته لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ومع أن الذهبي لم يكن متحمسا للخوض في مضايق العقائد ويعتر السكوت فيها أولى وأسلم (3)، لكنه في الوقت نفسه أبدى آراءه في كثير من المواضع، وألف فيها.
وقد اعتبر " الاعتزال بدعة " (4) وهاجم الفلاسفة اليونانيين هجوما عنيفا (5).
وكان على غاية من الإعجاب بأعمال السلف وإنجازاتهم (6)، واهتم اهتماما كبيرا بذكر أخبار العلماء في المحنة التي أصيبوا بها حينما أعلن المأمون رأيه وألزم الناس القول بخلق القرآن، وبين مواقفهم الجريئة من هذا الأمر (7).

لقد اختصر الذهبي عددا من الكتب المهمة في العقائد منها مثلا كتاب " البعث والنشور " وكتاب " القدر " اللذان للبيهقي المتوفى سنة 458 ه، وكتاب " الفاروق في الصفات " لشيخ الإسلام الأنصاري المتوفى سنة 481 ه وكتاب " منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال " لرفيقه وشيخه تقي الدين ابن تيمية المتوفى سنة 728 ه.
وخلف الذهبي عددا من الآثار في هذا العلم منها كتاب " الكبائر وبيان المحارم " وكتاب " الأربعين في صفات رب العالمين " وكتاب " العرش " و " كتاب مسألة الوعيد " وغيرها.
ولعل من أشهرها كتابه المعروف " العلو للعلي الغفار " الذي يعد أوسع هذه الكتب وأكثرها شهرة (1).
بحث الذهبي العقائد على طريقة السلف من أهل الحديث، فكانت المادة الرئيسية التي تكون هذه الكتب والأدلة المستعملة فيها من الأحاديث النبوية الشريفة.
وقد انتقد الذهبي من قبل مخالفيه على تأليفه لبعض هذه الكتب واعتقاده
مثل هذه العقائد، قال الشيخ محمد زاهد الكوثري عن كتاب " العلو ": " ولو لم يؤلفه لكان أحسن له في دينه وسمعته لان فيه مآخذ كثيرة، وقد شهر عن الذهبي أنه كان شافعي الفروع حنبلي المعتقد (2) ".
ولم يشتهر الذهبي بوصفه فقيها أو عالما بالفقه مع أنه درسه على أعلام العصر آنذاك مثل الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني، وبرهان الدين الفزاري، وكمال الدين ابن قاضي شهبة، وغيرهم (3).
وقد ألف في

أصوله، وعني باختصار كتاب " المحلى " لابن حزم (1)، وهو من كبار الكتب الفقهية، وألف عددا من الكتب والأجزاء التي تناولت موضوعات فقهية، وكانت له خواطر وآراء ونقدات جاءت في ثنايا كتبه، من ذلك مثلا كلامه في مسألة الطلاق ومناقشته لابن تيمية (2).
وهو كغيره من علماء الحنابلة يعتبر القرآن والحديث هما أساس الفقه، ويظهر مفهوم الفقه عند الذهبي واضحا في بيتين من الشعر له ذكرهما غير واحد ممن ترجم له وهما:
الفقه قال الله قال رسوله ... إن صح والإجماع فاجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالة ... بين النبي وبين رأي فقيه (3)
وهذا الذي قدمناه لا يعني أن الذهبي لم يكن عارفا بالفقه، لكنه كان عزوفا عنه لانشغاله بالحديث وروايته الذي هو الأصل الثاني للفقه بعد الكتاب العزيز، قال ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 ه: " له دربة بمذاهب الأئمة
وأرباب المقالات قائما بين الخلف بنشر السنة ومذهب السلف (4) ".
ولغة الذهبي في كتبه لغة جيدة قياسا بالعصر الذي عاش فيه، ويكفي أننا قلما وجدنا له لحنا في كتبه.
وهو باعتباره محدثا كبيرا وناقدا ماهرا دقيق في تعابيره، لما لذلك من أهمية في وضع الكلمة المناسبة أو العبارة في موضعها الملائم لا سيما في تحبير التراجم، فضلا عن أسلوبه السلس الممتع لمن أدمن قراءة مثل هذه الكتب.

وقد عني الذهبي في مطلع حياته العلمية برواية الشعر وأورد طائفة من الأشعار عن شيوخه (1).
وذكرت لنا مصادر ترجمته بعضا من نظمه في المدح (2)، والرثاء (3).
وله شعر تعليمي، فقد علمنا أنه نظم أسماء المدلسين بقصيدة أوردها السبكي في طبقاته (4)، كما نظم أسماء الخلفاء بقصيدة أخرى (5).
وكان كثير الاعتناء بالشعراء تدل على ذلك تراجمهم الواسعة في كتابيه " تاريخ الإسلام " " وسير أعلام النبلاء " والنماذج الشعرية الكثيرة التي أوردها وعنايته الفائقة بتتبع دواوين الشعراء بحيث قال في ترجمة أبي الحسن محمد بن المظفر البغدادي الخرقي في وفيات سنة 455 ه " ولا يكاد يوجد ديوانه (6) ".
وكان للذهبي خط متقن قد أعجب به علم الدين البرزالي منذ أن بدأ الذهبي يطلب العلم (7).
وقد وصل إلينا الكثير من كتبه وكتب غيره مكتوبا
بخطه، وهو وإن لم يكن جميلا مراعيا لأصول الخطاطين والكتاب، لكنه يمتاز بالدقة والإتقان لا سيما للذي يدمن عليه.

وعرف الذهبي بزهده وورعه وديانته المتينة، وقد رأينا عند دراستنا لمجمل سيرته أنه كان يأنس إلى الاجتماع بمشاهير الفقراء والصوفية من ذوي الديانة والتمسك بالآثار.
قال تلميذه تقي الدين ابن رافع السلامي المتوفى سنة 774 ه: " كان خيرا صالحا متواضعا حسن الخلق حلو المحاضرة، غالب أوقاته في الجمع والاختصار
والاشتغال بالعبادة، له ورد بالليل، وعنده مروءة وعصبية وكرم (1) " وقال الزركشي المتوفى سنة 794 ه: " مع ما كان عليه من الزهد التام والإيثار العام والسبق إلى الخيرات والرغبة بما هو آت (2) " ويكفي الذهبي أنه أفنى حياته في دراسة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - وتدريسه.
لقد أصبحت كتب الذهبي متداولة في عصره والعصور التالية له، واعتبرت من أعظم الموارد التي استقى منها الكتاب الذين جاءوا بعده.
قال ابن حجر: " ورغب الناس في تواليفه ورحلوا إليه بسببها وتداولوها قراءة، ونسخا، وسماعا (3) ".
وقال تلميذه الحسيني: " وقد سار بجملة منها الركبان في أقطار البلدان (4) ".
وحسبنا أن نلقي نظرة عجلى على المستدركات والتلخيصات والذيول التي عملت على كتبه لندرك أهميتها البالغة.
وكان الذهبي مدرسة قائمة بذاتها خرجت العديد من الحفاظ والعلماء.
وقد أتاحت له معرفته العظيمة الواسعة بالحديث وعلومه والتاريخ وفنونه مكانة
مرموقة بين أساتيذ العصر، فأمه طلبة العلم من كل حدب وصوب.
ونحن نعلم أن الذهبي تولى مناصب تدريسية كثيرة، نعرف منها مشيخة الحديث في تربة أم الصالح، ودار الحديث الظاهرية، والمدرسة النفيسية، ودار الحديث التنكزية، ودار الحديث الفاضلية، ودار الحديث العروية.
وقد أتاحت له هذه المناصب أن يدرس عليه عدد كبير من الطلبة يفوق الحصر، قال تلميذه الحسيني: " وحمل عنه الكتاب والسنة خلائق (1) " وقال ابن قاضي شهبة الأسدي: " سمع منه السبكي والبرزالي والعلائي وابن كثير وابن رافع وابن رجب وخلائق من مشايخه ونظرائه..وتخرج به حفاظ (2) ".
وإن كتب القرن الثامن لتزخر بمئات من تلاميذ الذهبي النجب لم نجد في إيرادهم كثير فائدة في مثل هذا البحث.
ونرى من المفيد أن نقتطف في نهاية هذا الفصل آراء العلماء فيه لما لذلك من أهمية في تقويمه، وكنا نقلنا في أثناء هذا البحث بعضا منها، فقد وصفه رفيقه وشيخه علم الدين البرزالي المتوفى سنة 739 ه في " معجم شيوخه " والذهبي ما زال في مطلع حياته العلمية بقوله: " رجل فاضل، صحيح الذهن.
اشتغل ورحل، وكتب الكثير.
وله تصانيف واختصارات مفيدة.
وله معرفة بشيوخ القراءات (3) ".
وقال تلميذه صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة 764 ه: " الشيخ الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي.
حافظ لا يجارى ولا فظ لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأزال الإبهام في تواريخهم والإلباس.
ذهن يتوقد

ذكاؤه، ويصح إلى الذهب نسبته وانتماؤه.
جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف..اجتمعت به وأخذت عنه وقرأت عليه كثيرا من تصانيفه ولم أجد عنده جمود
المحدثين ولا كودنة النقلة " (1).
وعلى الرغم من مخالفة تاج الدين السبكي لشيخه الذهبي في بعض المسائل ورده عليه، فإنه قال في حقه: " شيخنا وأستاذنا، الإمام الحافظ..محدث العصر.
اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ، بينهم عموم وخصوص: المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الإمام الوالد، لا خامس لهؤلاء في عصرهم..وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل..وهو الذي خرجنا في هذه الصناعة، وأدخلنا في عداد الجماعة (2) "، وقال أيضا: " وسمع منه الجمع الكثير.
وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير لقبه الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليالي.
وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السؤالات من كل ناد " (3).
ووصفه تلميذه الحسيني المتوفى سنة 765 ه بأنه " الشيخ الإمام العلامة شيخ المحدثين قدوة الحفاظ والقراء محدث الشام ومؤرخه ومفيده (4) " وقال في موضع آخر: " وكان أحد
__
الأذكياء المعدودين والحفاظ المبرزين (1) ".
وقال تلميذه عماد الدين بن كثير المتوفى سنة 774 ه: " الشيخ الحافظ الكبير مؤرخ الإسلام وشيخ
المحدثين..وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه (2) ".
وحينما قدم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الكريم الموصلي الأصل الاطرابلسي (3) إلى دمشق سنة 734 ه ودرس على الذهبي في تلك السنة قال فيه: ما زلت بالسمع أهواكم وما ذكرت * أخباركم قط إلا ملت من طرب وليس من عجب أن ملت نحوكم * فالناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب (4) ووصفه الحافظ ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 ه بأنه " الحافظ الهمام مفيد الشام، ومؤرخ الإسلام (5) ".
وقال ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 ه " قرأت بخط البدر النابلسي في مشيخته: كان علامة زمانه في الرجال وأحوالهم حديد الفهم ثاقب الذهب وشهرته تغني عن الإطناب فيه (6) ".
وقال بدر الدين العيني المتوفى سنة 855 ه: " الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ المؤرخ شيخ المحدثين (7) ".
وذكره سبط ابن حجر المتوفى سنة 899 ه في " رونق الألفاظ " وبالغ في الإطناب فيه، وقال: " الشيخ الإمام العالم العلامة حافظ الوقت الذي صار هذا اللقب علما عليه..فلله دره من إمام محدث..فكم دخل في جميع الفنون وخرج وصحح، وعدل وجرح، وأتقن هذه الصناعة..فهو الإمام سيد الحفاظ إمام المحدثين قدوة الناقدين ". وقال في موضع آخر:

" وكتب بخطه كثيرا من الأجزاء والكتب وحصل الأصول وانتقى على جماعة من شيوخه..وعني بهذا الفن أعظم عناية، وبرع فيه وخدمه الليل والنهار

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7788.forumegypt.net
 
منزلة الامام الذهبى العلمية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نشأة الامام الذهبى
» وفاة الذهبى واهمية كتابة السير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى هديل الحمام :: منتدى القصص والسير-
انتقل الى: