منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى هديل الحمام

منتدى هيسعدك
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
من قال سبحان الله وبحمدة غرست لة نخلة فى الجنة
تذكر ان سبحان الله وبحمدة بها يرزق الخلق
من قال سبحان الله وبحمدة فى يوم 100 مرة حطت خطاياة وان كانت مثل زبد البحر
من افضال سبحان الله وبحمدة ان من قالها مئة مرة كتب لة الله 1000 حسنة ( مسلم)
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
من افضال قولك سبحان الله وبحمدة ان من قالها حط الله عنة سيئة وكتب لة حسنة ورفع لة درجة
وفى صحيح مسلم ان من قال سبحان الله وبحمدة حين يصبح وحين يمسى 100 مرة لم يات احد يوم القيامة بافضل مما جاء بة إلا رجل قال مثل ذلك او اكثر

 

 الإسلام والعلمانية الجزء الاول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد الزهرى
Admin
احمد الزهرى


عدد المساهمات : 227
نقاط : 19220
تاريخ التسجيل : 31/03/2014
العمر : 34

الإسلام والعلمانية الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: الإسلام والعلمانية الجزء الاول   الإسلام والعلمانية الجزء الاول Emptyالجمعة أبريل 11, 2014 3:14 pm


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
في صيف سنة 1985 م ، كنت في مدينة "بون" في ألمانيا الغربية للعلاج من ألم أصاب العمود الفقري ، وكانت تأتيني ما بين حين وآخر ، بعض الصحف العربية ، ومنها صحيفة الأهرام القاهرية ، وفي أحد الأيام ، قرأت فيها مقالا للدكتور فؤاد زكريا ، يذكر فيها ضرورة الحوار مع الدعاة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية ، نظرا لخطورة الموضوع ، واتساع القاعدة ، التي تنادى به ، وعدم قيام حوار من هذا النوع ، رغم أهميته لحاضر الأمة ومستقبلها .
وكان أول ما لفت نظري ، أنه جعل عنوان هذا الموضوع الكبير العميق ، "المسألة الدينية في مصر المعاصرة"! والكتاب ـ كما يقولون ـ يقرأ من عنوانه ، ففهمت أن هذه مكانة الدين في نفس الكاتب . الدين الذي هو روح الحياة ، وحياة الروح ، وجوهر الوجود الإنساني كله ، لا يعدو أن يكون في تفكير كاتبنا غير مسألة من مسائل الحياة ، التي تشغل الناس فترة من الزمن ، مثل : تداخل خطوط التليفونات ، أو انقطاع المياه عن الأدوار العليا في النهار ، أو ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء ، ونحو ذلك . .
ثم لاحظت أنه يسميها "الدينية" ، وليست "الإسلامية" . فالكتاب العلمانيون حريصون كل الحرص على إبعاد كلمة "الإسلام" من قاموسهم ، ما استطاعوا ، واستخدام كلمة "الدين" ، وذلك لتثبيت المعنى الدخيل المستورد ، وهو التفريق الحازم بين ما هو دين ، وما ليس بدين ، من شئون الحياة المختلفة ، وهو معنى غريب على الفكر الإسلامي ، والحياة الإسلامية .
ومع هذا ، غضضت الطرف عن العنوان ، وبدأت أقرأ المقال الأول ، وأنا أقول في نفسي : هذه بداية طيبة ، فما أحوج أبناء مصر ، وأبناء العروبة ، وأبناء الإسلام ، إلى أن يتحاوروا بالفكر ، بدل أن يتقاذفوا بالتهم ، أو يتقاتلوا بالسلاح .
ولكن ما انتهى د . فؤاد زكريا من مقالاته ، ومن التعقيب ـ بعد ذلك ـ على منتقديه ، حتى شعرت بأن ظني قد خاب في جدية دعوة الدكتور للحوار ، مع التيار الإسلامي ، وذلك لجملة أسباب :
1 . أن الكاتب لم يكن يحمل قلما للحوار ، بل سيفا للهجوم ، واستغل المساحة الكبيرة ، المعطاة له في الصحيفة ، للتشكيك في المسلمات الأولية عند الأمة الإسلامية ، طوال أربعة عشر قرنا من الزمان ، حتى اجترأ على التشكيك في أن الشريعة من عند الله! وزعم أن كل ما هو إلهي ، ينقلب بشريا صرفا ، بمجرد تفسيره وتطبيقه ، ومعنى هذا أنه لا فائدة ، ولا مبرر أن ينزل الله للناس كتابا ، أو يلزمهم بشريعة ، يبعث بها رسولا .
2 . أنه لم يحاول أ ، يتنازل عن شيء من أفكاره ، ليقترب من دعاة الإسلام ، بل كان أكبر همه أن يتنازلوا هم عن أفكارهم ، بل عن عقيدتهم وشريعتهم ومنطلقاتهم الأساسية ليقتربوا منه ، وليت شعري كيف يتم حوار على هذه الصورة .
إن القرآن ذكر في جدال أهل الكتاب أدبين رئيسيين :
الأول : أن يكون بالتي هي أحسن ، فلو كان هناك أسلوبان ، أحدهما : حسن ، والآخر : أحسن منه ، لوجب أن نستعمل الذي هو أحسن .
الثاني : التذكير بنقاط الاتفاق ، التي من شأنها أن تجمع ، ولا تفرق .
وفي هذا يقول الله تعالى : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن . . ) ( وقولوا : آمنا بالذي أنزل إلينا ، وأنزل إليكم ، وإلهنا وإلهكم واحد ، ونحن له مسلمون ) ( سورة العنكبوت : 46 ) .
هذه هي طريقة القرآن في الحوار ، أما طريقة د . زكريا ، فإنها تهدم ولا تبني ، وتفرق ولا تجمع ، وتباعد ولا تقرب .
1 . أن الكاتب كان يلوي أعناق الحقائق ليا ، ويتعسف في التفسير والتعليل ، ولو كانت الحقائق ـ أمامه ـ في وضوح الشمس في ضحى صيف القاهرة ، وكلامه عن الشريعة الإسلامية ، وعن الصحوة الإسلامية ينطق بذلك بجلاء .
2 . أنه حين رد عليه بعض المعلقين ، قطع أوصال تعليقاتهم ، وانتقى منها ما حلا له ، فأبقاه ، وحذف ما شاء ، وقطع كلمات ناقديه عن سباقها وسياقها ، ومنهم علماء ومستشارون وأساتذة جامعات .
كما أن صحيفة الأهرام ، لم تكن منصفة في الحكم بين طرفي الحوار ، فأعطت كل الحرية للدكتور فؤاد زكريا ، ولم تعط لناقديه مثل ما أعطت له ، بل حولت ردودهم وانتقاداتهم إلى الكاتب نفسه ، يأخذ منها ويدع ، على طريقة ( لا تقربوا الصلاة ) حتى أن الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي بعث بمقالتين إلى "الأهرام" حول الموضوع ، فلم تنشر أيا منهما ، ولم تشر إليه ، وغطت ذلك بأن دعته إلى المشاركة في ندوة أدارتها الأهرام داخلها ، يتكلم فيها الشيخ نصف ساعة ، ثم يلخص ما قاله في سطرين أو ثلاثة!
وهذا ما جعلني أعلق على دعوة الحوار ، التي أعلنها د . زكريا ، أنها أشبه بسباق ، يعدو فيه حصان واحد!
وقد تبين لي ـ فيما بعد ـ أن هذه المقالات ، التي جمعها صاحبها وأودعها ضمن كتاب له ، خطط لها العلمانيون ضد الشريعة الإسلامية ودعاتها ، فقد صدرت لهم عدة كتب ، تهاجم الشريعة وفقهاءها قديما ، والداعين إليها حديثا .
كما فسحت لهم صحف معروفة صدورها ، ليكتبوا في هذا الاتجاه ما شاءت لهم أهواؤهم ، فضلا عن مجلاتهم الخاصة ، التي تعبر عن اتجاههم بصراحة ، حيث لم يسمح التيار الإسلامي ، الذي يعبر عن القاعدة العريضة للأمة ، أن تكون له مجلة تتحدث باسمه .
وقد أشار إلى هذه المؤامرة المدبرة الكاتب المسلم اليقظ الأستاذ فهمي هويدي في مقالاته ، التي تنشر في "الأهرام" ، وفي عدد من الصحف العربية في الأردن والخليج ، ونبه إلى أن هناك "تنظيمات متطرفة" للعلمانيين ، ينبغي أن تدان ، كما دينت تنظيمات دينية متطرفة ، مثل التكفير والهجرة ، وقال : إن الفرق بين الاثنين هو : أن الأولين "الدينيين" شباب مندفع ، سلك طريقه على سبيل الخطأ ، وأن الآخرين شيوخ مجربون ـ بعضهم محترفون ـ اتخذوا مواقعهم عمدا ، ومع سبق الإصرار والترصد .
قال : وليس في الأمر مبالغة ، فنحن نستطيع أن نرصد ـ خلال العاملين الأخيرين ، على سبيل المثال ـ فريقا من هؤلاء ، فرغ جهده ، ونذر نفسه ، للنيل من الشريعة ، وتسفيه التجربة الإسلامية ، وتحقير التاريخ الإسلامي ورموزه "أهرام 2/9/1986 م" .
ولما دعت اللجنة الثقافية في نقابة الأطباء بالقاهرة إلى عقد ندوة ، يتحاور فيها الإسلاميون والعلمانيون ، دعتني مع فضيلة أستاذنا الشيخ الغزالي لتمثيل الجانب الإسلامي ، كما دعت عددا من دعاة العلمانية منهم : د . فرج فودة ، ود . وحيد رأفت ، ود . فؤاد زكريا ، واعتذر أكثرهم ، ولم يحضر منهم إلا الأخير ، وقد رحبت بهذا الحوار ، وهذه الندوة ، حيث يلتقي الطرفان وجها لوجه ، لمناقشة قضية ، هي أخطر قضايا الساعة .
وفي اليوم المحدد للندوة ، شهدت قاعة "دار الحكمة" جمهورا ، قل أن يتوافر لمحاضرة أو ندوة ، ضاقت به الدار وما حولها ، وجلس الناس على الأرض ، وصعدوا إلى السطوح ، ووقفوا في الشارع ، وانصرف الكثيرون ، حيث لم يجدوا لهم شبرا من الأرض .
كانت الندوة أشبه باستفتاء شعبي على "الإسلام والعلمانية" ، أيهما يختاره الشعب ، وقال د . فؤاد زكريا ، في بداية حديثه : إن العنوان يوحي بأن الإسلام في مواجهة العلمانية ، وهذا يعني أن المعركة محسومة من أول الأمر لصالح الإسلام ، وهو اعتراف صريح منه ، بأنه عند المفاضلة بين الإسلام وغيره ، فإن الكفة الراجحة ـ دائما ـ تكون هي كفة الإسلام .
تكلم شيخنا الغزالي ، ثم تكلم د . فؤاد زكريا ، ثم تكلمت ، ثم طلب الدكتور أن يعقب على كلامي ، فأعطيت له الفرصة كاملة ، فتكلم وأطال ، وهو الوحيد الذي تكلم مرتين ، برغم أن أكثر من في القاعة كانوا متضجرين من كلامه . وكان المفترض أن أرد على تعقيبه ، لأنه يتعلق بكلامي ، ولكن الوقت كان قد طال ، فتركنا الحكم للجمهور ، وهو قد حكم ـ فعلا ـ بما لم يرض د . فؤاد وجماعته .
ثم تكلم الكاتب المسلم الغيور ، الأستاذ عادل حسين ، رئيس تحرير جريدة الشعب ، حيث صحح بعض ما ذكره عنه د . زكريا ، وألقى الضوء على بعض النقاط المهمة ، وتكلمت إحدى الحاضرات من مؤيدات العلمانية ، كلاما ، فيه كثير من التجني والإسفاف والخروج عن أدب الحوار ، وثار عليها الجمهور ، ولكن المشرفين على الندوة : د . عصام العريان ، ومن معه ، كانوا في غاية الحزم والحكمة ، وحسن التنظيم ، فاستطاعوا أن يلزموا الجمهور باحترام النظام .
وفي الختام عقب على الندوة ، بكلمة معبرة جامعة ، المستشار الجليل الأستاذ طارق البشري ، وعقبها انصرف الحضور ، بسلام .
كانت هذه الندوة ندوة تاريخية مشهودة ، تحدثت عنها جميع الصحف : القومية ، والحزبية ، والإسلامية . . اليومية ، والأسبوعية ، والشهرية ، كل من وجهة نظره ، ولخصها البعض تلخيصا حسنا ، وتعمد بعضها أن يشوهها تشويها ، مثل صحيفة "الأهالي" و"الوفد" ، مما اضطر جريدة "الشعب" أن ترد عليهما ، واضعة للأمور في نصابها .
ولكن أعجب تعقيب على الندوة ، كان هو الذي صدر عن أحد أطرافها ، وهو د . فؤاد زكريا ، الذي كتب في مجلة "المصور" عن الندوة ، كلاما خلا من العلمية والإنصاف . اتهم فيه الجمهور ، الذي شهد الندوة ، وجلهم ـ إن لم يكن كلهم ـ من الشباب الجامعي المستنير ، وفيهم كثير من الصفوة المثقفين ، بل اتهم شيخنا الغزالي ، واتهمني ، بأننا كنا نخاطب العواطف ، أكثر مما نخاطب العقول ، وهو كلام باطل مخالف لواقع الندوة تماما ، كما يشهد كل من حضرها ، وفيهم كثير من رجال العلم والتربية وأساتذة الجامعات والقانون والقضاء .
وقد لاحظ الكثيرون ، ممن قرأ كلام الدكتور زكريا ، أنه صب جام سخطه وغيظه علي أنا خاصة .
وما كان لي من ذنب لدى د . فؤاد زكريا ، إلا أني تكلمت بعده ، فأتيت على شبهاته من القواعد ، وأن الجماهير قابلت كلامه بالامتعاض ، والاستهجان ، وقابلت كلامي بالتجاوب والاستحسان .
والحق أن هذا لم يكن لضعفه ولا لقوتي ، بل لضعف الباطل الذي نصب نفسه للمحاماة عنه ، ولقوة الحق الذي كرمني الله بالدفاع عنه .
إن من سوء حظه أنه يدافع عن قضية خاسرة ، يدافع عن "العلمانية" في مجتمع يؤمن بالإسلام .
وقد اتهم الدكتور الإسلاميين بأنهم بكروا وملئوا مقاعد قاعة دار الحكمة . وهو يتوهم ـ أو يوهم ـ أن هذا كان بتخطيط وترتيب واتفاق! ويعلم الله أن شيئا من هذا لم يحدث ، كل ما في الأمر أن الناس دعوا إلى ندوة في قضية تشغلهم فأجابوا .
وهب أن الندوة كانت في قاعة المحاضرات الكبرى بجامعة القاهرة ، بل هبها كانت في "استاد" القاهرة الدولي ، وفتح الباب على مصراعيه للحضور ، فأي الفريقين سيكون أكثر عددا ، وأعز نفرا؟!
إن أنصار الإسلام ـ ولا ريب ـ سيكونون هم الأكثرية العظمى . وستكون قلوب الجماهير الحاضرة وعقولها وآذانها مع التيار الإسلامي ودعاته . وهذا ما لا يجهله د . فؤاد زكريا ، بل هو ما اعترف به بصريح العبارة ، وتمحل أن يجد له تبريرا ، فلم يوفق . أما ما قاله عني : أني استطعت أن أستحوذ على الجماهير بالتأثير العاطفي ، فإن الذين شهدوا الندوة يعلمون علم اليقين أني كنت في المقام الأول عقلانيا وموضوعيا ومنطقيا إلى أبعد حد . ومن شاء فليحتكم إلى شريط الندوة المسجل بالصوت والصورة .
كما زعم أني كنت أرفع صوتي وأخفضه ، للتأثير على عواطف الجمهور . وأنا ـ بحمد الله ـ أرفع صوتي دائما ولا أخفضه . وأسأله تعالى أن يجعل صوتي دائما عاليا ، وأن يجعل علوه بالحق وللحق .
إن الدكتور الفيلسوف مغيظ محنق ، لعدم تجاوب الجمهور معه ، لأنه يؤذن في "مالطة" ـ كما يقولون .
وأؤكد للدكتور أنه سيظل يؤذن في مالطة ، إن جاز لنا أن نعبر عما يقوله بالأذان ، لأنه ضد الأذان على خط مستقيم ، ولكنهم يقولون : "الأمثال لا تغير" .
أجل ، سيظل الدكتور بعيدا عن عقول الجماهير ، وقلوبهم معا ، لأنه يحدثهم بمفاهيم مستجلبة من ديار أخرى ، ومن قوم آخرين ، فهم لها رافضون وعنها معرضون ، لأنها مناقضة لدينهم وشريعتهم ، وقيمهم وتاريخهم ، وواقعهم .
ومن هنا اتجه تفكيري إلى أن أرد على دعاوى د . فؤاد زكريا خاصة ، وعلى العلمانيين عامة ، في كتاب يقرأ ، لا في محاضرة تسمع ، بعيدا عن تأثير قوة الصوت ، وتشجيع الجمهور ، وسيعلم الدكتور أننا ـ دائما ـ أصحاب الحجة الأقوى ، والمنطق الأسد ، سواء حاضرنا أم كتبنا ، لأننا نعبر عن الحق ، الذي قامت به السماوات والأرض ، والحق أحق أن يتبع ، وأولى أن يستمع ، والباطل مهما انتفش واستطال ، فهو لابد زائل ( وقل جاء الحق ، وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا ) .
وإنما اخترت د . فؤاد زكريا ، للرد عليه من بين دعاة العلمانية في مصر ، لأنه نشر مقالاته ، في أوسع الصحف انتشارا ، ولأنه الوحيد الذي اشترك ممثلا للجانب العلماني في الندوة التاريخية في دار الحكمة ، ولأنه أكثر العلمانيين إبانة في فكرته ، وأقدرهم على إيراد الشبهات ، وسوقها في صورة البراهين ، وأجرؤهم على مناقشة القضايا من جذورها ، وإن كانت مجافية لأوضح المسلمات الدينية . فإذا هدمنا كل ما استند إليه ، وما نمقه وزوقه من مقولات ، فقد سقط كل العلمانيين ، وسقطت مقولاتهم ، وذهب زبدهم جفاء ، وبقي ما ينفع الناس .
وقد أدرت الحوار في هذا الكتاب ، حول جملة أمور أساسية :
1 . تحديد المواقع أو الهويات لكل من الطرفين المتحاورين ، من أول الأمر ، وأين يقف كل منهما؟
2 . تحديد المفاهيم الرئيسة في الحوار ، وخصوصا المفهومين الكبيرين : الإسلام والعلمانية .
3 . تحديد المعايير التي يجب أن يرجع إليها عند الخلاف ، ويرتضيها الطرفان حكما بينهما .
4 . تحرير موضع النزاع بين الفريقين ، بحيث يعرف المتفق عليه ، والمختلف فيه .
5 . تتبع الشبهات المهمة ، التي أثارها د . فؤاد زكريا خاصة ، والعلمانيون عامة ، لتفنيدها ، والرد عليها ، وخصوصا فيما يتعلق بمعركة التحرر الحقيقي للعالم الإسلامي اليوم ، وهو التحرر من كل ألوان الاستعمار ، وفي مقدمته الاستعمار الثقافي والتشريعي ، لهذا خصصنا معركة تطبيق الشريعة بمزيد من الحديث .
كذلك أفردنا حديثنا عن "الصحوة الإسلامية" وموقف الاستعمار والصهيونية منها ، ورد مزاعم الدكتور حولها ، وتركت أشياء أخرى مهمة في الرد على العلمانيين ، سيتضمنها ـ إن شاء الله ـ الجزء الثالث من سلسلة "حتمية الحل الإسلامي" وهو قريب الصدور ، بتوفيق الله .
أسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب ، مؤلفه ، وقارئه ، وناشره ، وموزعه ، وطابعه ، وكل من أسهم فيه ، وأن يكون شعاعا على الطريق ، يهدي ويضيء ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
يوسف القرضاوي
الدوحة غرة رجب 1407 هـ
لكي يثمر الحوار
هناك أشياء أساسية ، نحتاج ـ لكي يثمر الحوار ـ إلى تحديدها ، بدقة ووضوح ، حتى لا تلتبس الأمور ، ولا تختلط الأوراق ، ولا يكون الحوار جدلا بيزنطيا ، لا يكشف عن غاية ، ولا يهدي إلى طريق .
من هذه الأمور :
1 . تحديد المواقع ، أو الهويات .
2 . تحديد المفاهيم .
3 . تحديد المعايير .
4 . تحديد موضع النزاع .
وسنفرد لكل منها حديثا خاصا به ، ثم نرد على الشبهات الأساسية التي تعلق بها دعاة العلمانية .
*2*الفصل الأول
@تحديد المواقع أو الهويات
أعني بتحديد المواقع ، وبعبارة أخرى تحديد الهويات : أن يحدد كل من الطرفين المتحاورين أين هو ، وما هو؟ فلا يسوغ في منطق ، أن تجادل في الفروع ، من لا يؤمن بالأصول ، أو تقنع بالشريعة ، ومن ينكر العقيدة .
فالمادي الملحد ، الذي ينكر "الغيبيات" كلها ، ولا يؤمن بشيء وراء المادة ، التي يدركها الحس ، ويعتقد أن "الله" خرافة ، وأن الأديان ـ كل الأديان ـ أفيون الشعوب ، ولا يؤمن بأن هناك رسلا ، أوحى الله إليهم ، وأنزل معهم الكتاب والميزان ، ليقوم الناس بالقسط ، ولا أن وراء هذه الحياة الفانية القصيرة ، حياة أخرى خالدة باقية ، يجزى فيها الناس بأعمالهم ، خيرا أو شرا ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) ( سورة الزلزلة : 7 ، 8 ) .
أقول : من لم يؤمن بهذا كله ، كيف تجادله في فرض الزكاة ، أو تحريم الربا ، أو الخمر ، أو الميسر ، أو الزنا ، أو إقامة الحدود ، أو إيجاب الاحتشام على المرأة ، وتحريم التبرج ، بله النهى عن بيع الغرر ، أو صنع التماثيل ، وما دون ذلك؟!
إن الذي لا يؤمن بأن محمدا رسول من الله ، لا ينطق عن الهوى ، وأن القرآن كلام الله ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، لا يجوز الجدال معه في تطبيق الشريعة ، لأنه لا يؤمن بالشريعة ، ولا بصاحب الشريعة ، ولا بكتاب الشريعة .
إنما يكون الجدال معه أولا ، في إثبات نبوة محمد ، وإلهية القرآن ، كما نفعل مع اليهود والنصارى .
فإذا أثبتنا هاتين القضيتين ، كان الحوار حول الشريعة وتطبيقها ، إذ لا يتصور قيام بناء بغير أساس .
وأما الذي لا يؤمن بالألوهية نفسها ، ولا يثبت "الغيبيات" أصلا ، ويتبنى ما قاله "فوير باخ" بكل تبجح وغرور : "ليس صحيحا أن الله خلق الإنسان ، بل الصحيح أن الإنسان هو الذي خلق الله"!!! أي أن القول بالألوهية وهم اخترعه الإنسان ، أما هذا فمن العبث بالعقول ، ومن إضاعة الأوقات والجهود : الحديث معه حول الشريعة وأحكامها ، والحدود وتطبيقها ، والدخول في متاهات التفصيلات ، التي لا تتناهى ، وهو يجحد أصل الدين جملة!!
ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن ، قاضيا ومعلما ، كان من وصيته له :
"إنك تأتي قوما أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أجابوك لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ، فإن هم أطاعوك لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة ، تؤخذ من أغنيائهم ، لترد على فقرائهم . . " الحديث .
وهكذا علمه أن يبدأ الدعوة إلى العقيدة ، قبل أن يدعو إلى تكاليف الشريعة .
من أجل هذا ، أقول لإخواننا ، الذين نصبوا أنفسهم محامين عن "العلمانية" ، ومعادين للشريعة وللحل الإسلامي : حددوا مواقعكم ، لنعرف أين تقفون من القضايا الكبرى : الله ، والوحي ، والآخرة ، وبالتالي : من صحة نبوة محمد ، وصدق ما جاء به من عند الله ، وأن القرآن كتاب الله؟ وبعبارة واحدة : هل أنتم مسلمون ، فنخاطبكم بما يخاطب به المسلم أخاه؟
أم ترون الدين والإيمان به مرحلة انتهت ، كما قال "أوجست كونت" يوما ، وأننا في عصر العلم لا عصر الدين! وأننا في عصر الذرة وغزو الفضاء ، لا يجوز أن تحكمنا شريعة ، جاءت في عصر الجمل سفينة الصحراء! وأن أبناء القرن العشرين والحادي والعشرين ، لا يجوز أن تحكمهم قيم ومفاهيم وشرائع ، عمرها أربعة عشر قرنا؟!!
حددوا لنا موقعكم بصراحة أيها الأخوة المحاورون ، وقولوا لنا : من أنتم وما أنتم؟ حتى يكون حوارنا على بصيرة ، ولا نتناقش في الجزئيات ، ونحن لم نتفق على الكليات ، أو نجادل في "الحواشي" ، ونحن مختلفون في "المتن" ، أو نثير معارك حول فروع الفروع ، ونحن لم نقم أصل الأصول .
أما نحن ، فموقعنا ـ بحمد الله ـ محدد من جهاته الأربع ، وهويتنا واضحة بينة كالشمس في رابعة النهار ، لا نتنكر لها ، ولا نلبس أقنعة تخفي حقيقتها ، ولا نخفض أصواتنا بالإعلان عنها ، بل نعلنها صريحة مدوية : إننا "مسلمون" ، رضينا بالله تعالى ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وبالقرآن منهاجا ، ولسنا مستعدين أن نتنازل عن ديننا لأي سبب ، ولا بأي بدل ، ولا لأي أحد ، بعد أن ارتضيناه لأنفسنا وارتضاه الله لنا ، وأتم به النعمة علينا ( اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا ) ( سورة المائدة : 3 ) .
وكوننا مسلمين ، يحدد موقعنا العقائدي ، وهويتنا الحضارية والأيديولوجية ، ولكنه لا يلغي موقعنا الجغرافي ، ولا موقعنا التاريخي .
موقعنا الجغرافي : أننا عرب ، نعيش في وطن تجمع أهله لغة واحدة ، وتاريخ واحد ، ولهم آمال وآلام مشتركة ، وأننا مصريون نعيش في بلد واحد ، له تاريخ ، وبين أهله صلات توجب حقوقا والتزامات ، تقتضيها المواطنة والجوار ، ولنا مشكلات تخصنا ، يجب أن نتعاون على حلها .
ولا تنافي بين الانتماء إلى الإسلام ، والانتماء إلى شعب خاص ، أو وطن خاص ، لأنه لا تنافي بين العموم والخصوص ، كما سنوضح ذلك بعد .
وموقعنا التاريخي : أننا نعيش في أوائل القرن الخامس عشر الهجري ، وأواخر القرن العشرين الميلادي ، في عصر حطم الذرة ووصل إلى القمر ، ويرنو إلى كواكب أخرى أبعد من القمر ، وصنع بعقله عقلا ، يصنع العجائب هو "الكمبيوتر" .
كما لا ننسى أننا لسنا وحدنا فوق هذه الكرة ، بل نعيش في عالم تتعدد فيه الديانات والمذاهب ، والفلسفات ، تعدد الأجناس والألوان واللغات ، ونحن ـ وإن كنا نحو خمس العالم عددا "ألف مليون أن نزيد" ـ لسنا الأقوى عدة ، ولا الأكثر علما ، بل لازلنا عالة على غيرنا ، وكلنا ـ نحن المسلمين ـ في دائرة ما سموه "العالم الثالث" ، أو "البلاد النامية" ، والنمو تعبير مؤدب للتخلف ، الذي نرزح تحت نيره .
ومادمنا مسلمين ، فلا يسعنا إلا التسليم لحكم الإسلام في شئون حياتنا ، فحقيقة الإسلام : أن تسلم قيادة لله ، ولا تجعل لك مع أمره أمرا ، فإذا أخبر الله قلت : آمنا ، وصدقنا ، وإذا أمر الله قلت : سمعنا وأطعنا . وإذا نهى الله قلت : انتهينا ، وحرمنا . ولا يتحقق إيمان بغير هذا ، ولا خيار لمؤمن أمام أمر الله وحكمه ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ، إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) ( الأحزاب : 36 ) .
هذه قضية مسلمة ، لمن ارتضى الإسلام دينا ، وعرف ما هو الإسلام ، ومعنى الربوبية والعبودية ، ومعنى الخالقية والمخلوقية ، وأن من حق الرب ، الخالق المنعم ، أن يأمر وينهى ، ومن واجب عباده المخلوقين له ، المغمورين بنعمه ، أن يسمعوا ويطيعوا .
وتسليمنا للنص الإلهي ، ليس تسليما اعتباطيا ولا جزافيا ، ولا شيئا خارجا عن نطاق العقل . بل هو ما اقتضته الفطرة ، وفرضه العقل ذاته ، فالعقل هو الذي هدانا إلى الله سبحانه وتعالى ، استدلالا بالصنعة على الصانع ، وبالنظام البديع ، في هذا الكون ، على منظمه ومبدعه .
وهو نفسه الذي دلنا على أن محمدا صادق ، فيما بلغه عن ربه ، وأن القرآن ليس من صنعه وتأليفه ، بل هو كلام الله ( أحكمت آياته ، ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) ( هود : 1 ) .
وبعد أن أثبت العقل المستقل أعظم حقيقتين في الوجود ، وهما : وجود الله الواحد ، وصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، عزل العقل نفسه ـ على حد تعبير الإمام الغزالي ـ ليتلقى عن الوحي ، ما يعجز عن الوصول بأدواته إليه من شئون الغيب ، وما تضطرب فيه العقول ، وتحتاج معه إلى مصباح ، يضيء الطريق ، ودليل يهدي السبيل .
وليس معنى هذا ، أن العقل لم يعد له عمل ولا دور مع وجود النص ، فالواقع أن العقل هو المخاطب بالنص ، وهو الذي يفهمه ويفسره ، وبخاصة أن الأكثرية العظمى من النصوص ، تحتمل أكثر من فهم ، وأكثر من تفسير ، حكمة من الله ، الذي جعل من النصوص ما هو قطعي الدلالة ، وما هو متشابه محتمل ، لتجتهد العقول ، وتبحث عن الحق والصواب ، ويرجح هذا رأيا ، وذاك آخر ، وثالث غيره ، وكلهم مأجورون ، ماداموا أهلا للاجتهاد ، وهدفهم الوصول إلى الحق ، بحسب طاقتهم البشرية .
وللعقل دور أكبر ، فيما لا نص فيه ، وهو كثير وكثير ، فلم تشأ إرادة الله الحكيم البر الرحيم ، أن يقيد عباده بالنصوص في كل شيء ، بل ترك لهم مساحات رحبة ، يعملون فيها عقولهم ، وفق مصالحهم المادية والمعنوية ، الفردية والجماعية ، الدنيوية والأخروية ، مهتدين بالنصوص المعصومة ، وما وضعته من قواعد ، وما سنته من أحكام ، وما أقامته من موازين .
هذه هي القضية الأولى بيننا وبين خصوم "الحل الإسلامي" من دعاة "العلمانية" ، والمعارضين لتطبيق الشريعة الإسلامية ، قضية تحديد الهوية ، تحديد الموقع : هل هم مسلمون أم لا؟ هل هم مع الإسلام أم ضده؟ هل هم مع الشريعة أم عليها؟
أكبر الظن أنهم سيقولون : نحن مسلمون ، عريقون في الإسلام ، أبا عن جد!
ولا يتوقع من أناس في حنكتهم السياسية ، أن يخسروا الجماهير العريضة من الشعب ـ وخصوصا في بلد كمصر ـ ويعلنوا أنهم لا يؤمنون بدين ، وأن عهد الدين قد ولى .
إنما الذي يتوقع منهم ، أن يقولوا : نحن مسلمون مثلكم ، ولكننا نختلف معكم فيما هو الإسلام ، فإسلامنا إسلام تجديدي ، وإسلامكم إسلام تقليدي ، إسلامنا إسلام عصري ، وإسلامكم إسلام قديم ، إسلامنا متطور متحرك ، وإسلامكم ثابت جامد .
وقد نرد عليهم بأن ما ندعو إليه هو الإسلام الصحيح ، وما تزعمونه إنما هو أفكار مستوردة ، تلبي لبوس الإسلام ، وأننا ننطلق من الإسلام ، عقيدة ومنهاجا ، وأنتم تنطلقون من مسلمات أخر ، نحن نرى الإسلام روح وجودنا ، وجوهر حياتنا ، وأنتم تسمون ذلك "المسألة الدينية"!!
ما الحكم عند الاختلاف بيننا وبينهم؟
وهنا نصل إلى مفترق طريق بيننا وبين دعاة العلمانية ، الذين يزعمون أن من حقهم أن يفسروا الإسلام من منظورهم الخاص ، وأن يقدموا فيه ويؤخروا ، كما يحلو لهم .
وهنا نرد عليهم دعواهم بحجج ثلاث :
أولا : ليس الإسلام دعوة غامضة ، ولا مادة هلامية ، يفسرها كل من شاء ، بما شاء ، فالإسلام له أصوله البينة الثابتة ، ومصادره الواضحة المحكمة ، وليس هو كالأديان الأخرى ، التي يملك رجالها أو المجامع المقدسة لديها ، أن تضيف إليه ، أو تحذف منه ، أو تعدل فيه . فهو هو منذ قال الله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا ) ( المائدة : 3 ) . ، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم : "تركتكم على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" .
فما أجمله القرآن من أمور الإسلام ، بينته السنة النبوية ، وهي قول النبي وفعله وتقريره ، وأكدته سنة الراشدين المهديين ، الذين اعتبرت مواقفهم في فهم الإسلام وتطبيقه من السنن الواجب اتباعها ، لأنهم أقرب الناس إلى مدرسة النبوة ، وأحرصهم على تطبيق الإسلام ، وأقدرهم على فهمه ، لما أتيح لهم من مشاهدة أسباب تنزيل القرآن وقول الأحاديث ، ولما لهم من نور البصيرة ، وسلامة الفطرة ، والتمكن من اللغة بالسليقة .
ثانيا : عندما يختلف العلماء والباحثون في أمر من الأمور : أهو من الإسلام أم لا ، سواء كان من العقائد أم من العبادات أم من الأخلاق أم من المعاملات ، ألا يوجد معيار يحتكم إليه؟!
بلى ، قد وضع القرآن الكريم لنا المعيار ، الذي نرجع إليه عند الاختلاف والتنازع ، وهو ما ذكره بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا ، أطيعوا الله ، وأطيعوا الرسول ، وأولى الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) ( سورة النساء : 59 ) .
وقد أجمع المسلمون في جميع العصور ، على أن الرد إلى الله تعالى ، يعني الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول ـ بعد وفاته ـ يعني الرد إلى سنته . وقد قال عليه الصلاة والسلام : "تركت فيكم ما إن اعتصتم به ، لن تضلوا بعدي أبد : كتاب الله وسنة نبيه" .
فما كان محكما بينا في كتاب الله ، والصحيح الثابت من سنة رسول الله ، فهو القول الفصل ، والحكم العدل .
وما لم يوجد فيه نص بين محكم ، إما لعدم نص أصلا ، أو لوجود ظني الدلالة أو الثبوت ، أو هما معا ، فهنا يلزم الرجوع إلى القوانين ، التي وضعها علماؤنا المحققون ، وأئمتنا الراسخون ، لضبط الاستدلال ، ولا سيما عند تعارض الأدلة في الظاهر ، وقد وضعوا لذلك علم أصول الفقه ، وعلم أصول الحديث ، فضلا عما أصلوه من قواعد في علوم أخرى ، مثل : علوم القرآن ، وأصول التفسير ، وقواعد الفقه ، وغيرها .
ثالثا : إذا اختلف علماء الإسلام المتخصصون في دراسته وفقهه ، والذين عاشوا حياتهم له ، يتعلمونه ويعلمونه ، ويدرسون معه كل ما يعين على حسن فهمه من "العلوم الآلية" التي هي آلة الفهم ، ووسيلة الاستنباط ، وهي علوم اللغة ، والنحو ، والصرف ، والمعاني ، والبيان ، إذا اختلف هؤلاء مع دعاة العلمانية الذين لم يعرفوا من الإسلام إلا قشورا ، ربما أخذوها عن "المستشرقين" ، الذين يحسنون بهم الظن ، أو "المستغربين" الذين تتلمذوا عليهم ، ولعلهم لم يقرأوا كتابا معتبرا في أصول الفقه ، أو في مصطلح الحديث ، بله الفقه أو الحديث نفسه ، فمن يكون أحق بالصواب من الفريقين : الإسلاميون أم العلمانيون؟ ومع من يسير المسلم ، وهو مطمئن القلب؟
إن الله أمرنا أن نرجع في كل أمر إلى أهله ، أي إلى أهل الاختصاص به والخبرة فيه ، وفي هذا يقول تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر ، إن كنتم لا تعلمون ) ( سورة النحل : 43 ) .
ويقول : ( فاسأل به خبيرا ) ( سورة الفرقان : 59 ) .
ويقول : ( ولا ينبئك مثل خبير ) ( سورة فاطر : 14 ) .
ويقول : ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ، لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) ( سورة النساء : 83 ) .
فهل يدعي العلمانيون أنهم أهل الذكر ، وأهل العلم والخبرة بالإسلام ، وأهل الفتوى ، فيما يختلف فيه من أحكامه؟! لا أحسبهم يجرؤون على ذلك ، برغم ما لهم من اجتراءات!
ولو توافر العلم عند الطرفين المختلفين ، وكانت كفتا الميزان عندهما سواء ، لوجب الترجيح بالورع والتقوى ، فالعالم ، الذي يخشى الله ، ويستحضر رقابته ، وأنه مسئول أمامه عن علمه ، ماذا عمل فيه؟ ولا يبيع دينه بدنياه ، فضلا عن أن يبيعها بدنيا غيره ، هذا ـ ولا ريب ـ أولى أن تكون كفته هي الراجحة ، وحجته هي اللائحة ، وقوله هو الأدنى إلى السداد ، أولا : لأنه مأمون على دين الله ، لا يخاف منه التزييف اتباعا للهوى ، أو التحريف طلبا لدنيا ، وثانيا : لأن مثله جدير أن يوفق للصواب ، وأن يسدد للحق ، فالتقوى هدى ونور وبصيرة ، وقد قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ، إن تتقوا الله ، يجعل لكم فرقانا ) ( سورة الأنفال : 29 ) أي نورا تفرقون به بين الحق والباطل ، وبين الهدى والضلال .
فما يكون الموقف ، إذا جاءنا العلمانيون بآراء اخترعتها أهواؤهم ، أو نقلوها عن أساتذتهم الغربيين ، وهي آراء لم عليها برهان ، ولا أنزل الله بها من سلطان ، وهي آراء لا يخالفهم فيها علماء العصر وحدهم ، بل هي آراء مخالفة لما أجمع عليه علماء الأمة في القديم والحديث ، هل يكون لآرائهم هذه اعتبار في ميزان الإسلام ، ومنطق الإسلام؟!
يقولون : هذا "عندنا" غير جائز فمن أنتمو ، حتى يكون لكم "عند"؟!
*2*الفصل الثاني
@تمهيد
من أهم ما يطلب في الحوار بين طرفين مختلفين : تحديد "المفاهيم" ، التي يتنازعون حولها ، تحديدا دقيقا ، يكشف عن ماهيتها ومدلولها ، فلا تظل مائعة رجراجة ، يفسرها كل طرف بما يحلو له ، ولا يسلم له الطرف الآخر .
ومن فوائد هذا التحديد :
وضع الأشياء في موضعها ، وعدم إضاعة الجهد والوقت والفكر في إبطال شيء ، لا يقول به الخصم أساسا ، وإنما هو من تفسيره الخاص لمفاهيمه ومصطلحاته . وقد تنفض المعركة نهائيا ، إذا اتضح للفريقين أنهما غير متباينين .
وقد تكون المعركة أخف حرارة وحدة ، إذا اتضح أنهما غير متباينين تباينا شديدا شاسعا .
وقد يعرف من أول الأمر أن التناقض بين الطرفين جوهري وأساسي ، وأن التقارب بينهما مستحيل ، لاختلاف المنطلقات والأهداف والمناهج والمسلمات عند كل منهما . فلا فائدة من الحوار بين اثنين بينهما ما بين المشرق والمغرب ، وبقدر ما تقرب من أحدهما تبتعد عن الآخر .
وأول المفاهيم التي جب توضيحها وتحديدها بدقة هنا : المفهومان الأساسيان في الحوار : الإسلام ، العلمانية .
ويأتي بعد ذلك مفاهيم ترد كثيرا في الحوار مثل : الشريعة ، التطور .
مفهوم "الإسلام"
أما مفهوم "الإسلام" ، الذي نؤمن به وندعو إليه ، ونرى أنه سبيل النجاة في الدنيا والآخرة ، فهو الدين ، الذي أنزل الله به آخر كتبه "القرآن" ، وبعث به خاتم رسله محمد عليه الصلاة والسلام من عقائد ، وعبادات ، وأخلاق ، وآداب ، ومعاملات ، إذا أحسن الناس فهمها والعمل بها ، زكا الفرد ، واستقرت الأسرة ، وتماسك المجتمع ، وصلحت الدولة ، واستقام أمر الحياة ، بقدر استقامتهم على أمر الله ، وإذا أساءوا فهمه أو العمل به ، اختلت حياتهم الفردية والاجتماعية ، بقدر بعدهم عنه .
مصدر هذا الدين هو القرآن الكريم ، الذي تكفل الله بحفظه ، فتبقى كما أنزله الله منذ أربعة عشر قرنا ، لم تتغير فيه كلمة أو حرف ، وما يبين هذا القرآن ، ويشرحه من صحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي كلفه الله ببيان القرآن ، بالقول والفعل والتقرير ( وأنزلنا إليك الذكر ، لتبين للناس ما نزل إليهم ) ( سورة النحل : 44 ) .
أما آراء البشر وتصرفاتهم ، فلا تحسب على الإسلام ، لأنهم غير معصومين عن الخطأ أو الانحراف ، ولأن الإسلام دين الله وشرعه وهداه ، وليس هو قول فلان ، ولا تصرف علان من الناس .
وقد أجمع المسلمون على أن كل واحد يؤخذ منه ويرد عليه ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يستثنى من ذلك ، إلا ما أجمعت عليه الأمة ، ممثلة في علمائها ومجتهديها ، لا يشذ منهم أحد ، لما ثبت أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة .
وكذلك سنة الخلفاء الراشدين ، أي منهجهم في فهم الإسلام وتطبيقه ، لما لهم من خصوصية القرب من العهد النبوي ، ووجود كبار الصحابة ، الذين لا يبخلون بنصيحة ، ولا يسكتون على باطل ، ولا يقرون منكرا ، وقد جاء في ذلك الحديث الصحيح : "عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ" .
أما أخطاء المسلمين أن انحرافاتهم على مدار التاريخ ، فإثمها على أصحابها ، لا يتحمل الإسلام وزر شيء منها ، وهي حجة للإسلام عليهم ، وليس حجة لهم على الإسلام .
هذا هو الإسلام ، الذي ندعو إليه ، ونربي الناس عليه ، وننادي بضرورة العودة إليه ، عقيدة ، وعبادة ، وتربية ، وأخلاقا ، وتشريعا ، وتنفيذا .
ندعو إليه : صافيا بلا شوائب ، مستقيما بلا انحراف ، كاملا بلا تجزئة ، خالصا بلا شركة ، سالما من تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين .
ولكن دعاة العلمانية لا يستطيعون ـ علانية على الأقل ـ أن يعترضوا على هذا الإسلام المصفى ، فاخترعوا "إسلاما" من عندهم ، يريدون أن يلزمونا به قسرا وكرها .
أجل ، يريدون "إسلاما" غير الذي جاء به كتاب الله ، ودعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطبقه الخلفاء الراشدون ، وشرحه الأئمة ، والفقهاء ، والمفسرون ، والمحدثون .
يريدون "إسلاما" يحملونه أوزار التاريخ ، كما يصورونه هم ، أو تصوره لهم مصادر إلهامهم من المبشرين والمستشرقين .
استمع إلى متحدثهم الفيلسوف فؤاد زكريا يقول :
"إن دعاة تطبيق الشريعة ، يرتكبون خطأ فادحا ، حين يركزون جهودهم على الإسلام ، كما ورد في الكتاب والسنة ، ويتجاهلون الإسلام ، كما تجسد في التاريخ . أعني : حين يكتفون بالإسلام كنصوص ، ويغفلون الإسلام كواقع"!!
هذه ـ والله ـ عبارته بحروفها من تقديم كتبه ص 10 . وإني لفي غاية الدهشة أمام هذا الكلام العجيب!
هل يريدنا الكاتب الفيلسوف ، إذا دعونا الناس إلى الإسلام ، أن ندعوهم إلى طغيان الحجاج ، أو خمريات أبي نواس ، أو مجون بعض الملوك والسلاطين أو استبدادهم ، ونقول لهم : هذا هو الإسلام؟!
إن الإسلام منهج الله لهداية البشر ، ألزمهم الله به ، ليعملوا بتعاليمه متعبدين ، ومتقربين إليه ، ليظفروا بسعادة الدارين . فكيف نلزم الناس بما لم يلزمهم الله به؟! وكيف ندعوهم إلى الإسلام في صور الانحراف عن الإسلام؟!
وكيف يوضع منهج إبليس في الغواية ، موضح منهج الله في الهداية؟!
هذا وضع مقلوب يا أستاذ الفلسفة .
سيقول العلمانيون : إنكم بهذا تدعون إلى الإسلام المثالي ، الذي يصعب تحقيقه .
ونقول :
أولا : إن هذا هو الإسلام ، الذي شرعه الله للناس ، ولا خيار لنا فيه .
وثانيا : إن كل من يدعو إلى مذهب أو نظام أو أيديولوجية ، يدعو إليه في صورته المثالية ، وعلى الناس أن يبذلوا جهدهم ليقتربوا من هذه الصورة المثالية ، ما استطاعوا ، وعلى أجهزة التشريع والتوجيه أن تساعدهم على هذا الاقتراب والترقي . وسينجح في ذلك قوم ، ويرسب آخرون ، ولا حرج ، فمن سار على الدرب وصل .
وليس من العقل ولا الحكمة ولا المصلحة ، أن يعرض على الناس الصور الرديئة ، والمظلمة في التطبيق ، من أول الأمر ، فهذه تصيبهم بالإحباط واليأس ، وهذا ما يفعله عادة الديمقراطية ، والاشتراكية ، وغيرهما . يدعون إليها في صورتها المثالية ، بعيدا عن أخطاء التطبيق ، وانحرافات المطبقين ، وسيأتي مزيد بيان لهذا في مناسبته ، فيما بعد ، وسننقل من كلام د . زكريا ، ما يرد على د . زكريا .
ويقول علمانيون آخرون :
سلمنا معكم بأن الإسلام ليس هو التاريخ ولا الواقع التطبيقي ، بل هو الإسلام المثالي ، كما تصوره النصوص .
ولكن هذا الإسلام نفسه ، غير متفق على صورة له ، فصورته عند التقليديين المحافظين ، غير صورته عند المجددين المجتهدين ، غير صورته عند فصائل الصحوة الإسلامية المعاصرة ، وفصائل الصحوة الإسلامية ، ليست تيارا واحدا ، بل هي تيارات مختلفة أشد الاختلاف من الإخوان المسلمين إلى جماعة التكفير والهجرة .
هناك تيارات تتبنى أضيق صور الجمود والتقليد المذهبي ، وأخرى حرفية لفظية ، تهمل مقاصد الشريعة ، وتقف عند ظواهرها ، وهم الذين سمتهم "الظاهرية الجدد" .
وهناك تيارات ، لا تتخذ غير العنف أسلوبا ، والقوة وسيلة ، وتعلن الحرب على السلطة ، وإن أراقت ما أراقت من الدماء ، وهناك تيارات تكفر المجتمع كله ، لا تكتفي بالحكام ، بل تشرك الشعوب أيضا ، لأنها رضيت بهم ، والرضا بالكفر كفر!
وهناك اجتهادات غريبة لأفراد أو جماعات ، كأنها لا تعيش هذا العصر ، ولا تعاني مشكلاته ، ولا تتخاطب مع أهله .
فأي صورة من صور الإسلام ، نعتبرها هي التي تمثل الإسلام الصحيح؟ وما يدرينا : أي موقف يتخذه إسلام اليوم من المرأة ، أو من الشورى ، أو من الحرية ، أو من غير المسلمين مثلا؟؟
وأبادر فأقول : إن هذا الكلام في جملته صحيح ، ولابد لهذا السؤال من جواب :
والجواب أننا نقصد بالإسلام الذي ندعو إليه : الإسلام الذي يمثله التيار المستنير المعتدل الملتزم ، وهذا التيار هو الذي يمثل الجمهور الأكبر للصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية ، وهو التيار المستمر والباقي ، برغم ما يعترضه من عقبات ، وما تعرض له من محن ، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "تيار الوسطية الإسلامية" .
وأما التيارات الأخرى ، فتمثلها فصائل قليلة العدد ، قصيرة العمر ، وهي ـ في العادة ـ لا تستمر طويلا ، فإن الغلو لا يطول عمره .
وهذا التيار الملتزم المعتدل المستنير ، يمكن أن يتمثل في أصول أو مبادئ محددة ، تكون ملامحه ، وتحدد وجهته ، وتعرض مفاهيمه الأساسية في أبرز القضايا وأهمها .
وها هي المعالم الرئيسية لهذا الإسلام ، كما نفهمه وندعو إليه ، وبعبارة أدق : كما يدعو إليه تيار "الوسطية الإسلامية" .
معالم أساسية للإسلام الذي ندعو إليه
1 . إسلام يخاطب العقول ، ويعتمد عليه في فهم الدين ، وعمارة الدنيا ، وهو يدعو إلى العلم والتفوق فيه ، والأخذ بأحدث أساليبه ، والنزول على حكمه في كل المجالات ، ويعتبر التفكير عبادة ، وطلب كل علم ، تحتاج إليه الأمة فريضة ، والتخلف عن ركب العلم المعاصر منكرا وجريمة ، وأن التفوق في ميادينه النظرية والتطبيقية ، المدنية والحربية ، واجب ديني ، وكل وسيلة ، تؤدي إلى هذا الواجب ، فاتباعها واجب . وهو لا يرى أي تعارض بين العقل الصريح والنقل الصحيح ، فالعقل ـ كما قرر علماؤنا ـ هو أساس النقل ، إذ به ثبت وجود الله تعالى ، وثبتت النبوة ، كما لا يرى أي تعارض بين حقائق العلم ، وقواطع الإسلام ، فلا مجال للصراع بينهما ، كما حدث في ظل أديان أخرى ، فالدين عندنا علم ، والعلم عندنا دين .
وهو يعتز بالتراث الإسلامي ، ويستهدي به ، ويفرق فيه بين المستوى الإلهي المعصوم الثابت ، وهو القليل ، فيلتمس فيه الهدى والنور ، والمستوى البشري المتجدد ـ وهو الأكثر ـ فيستهدي به ويتخير منه ، فهو منارة تهدي ، وليس قيدا يعوق ، وهو ينفتح على تراث العلم والفكر في العالم كله ، ويلتمس الحكمة من أي وعاء خرجت ، وينتفع بتجارب الأمم قديما وحديثا ، فيأخذ منها أفضل ما فيها دون تعصب لرأي قديم ، ولا عبودية لفكر جديد ، لا ينقطع عن الماضي ، ولا ينعزل عن الحاضر ، ولا يغفل عن المستقبل ، يأخذ من الديمقراطية أحسن ما انتهت إليه من الصيغ والضمانات ، لحماية حقوق الشعوب في مواجهة الحاكمين ، ويأخذ من الاشتراكية أمثل ما انتهت إليه من الصيغ والضمانات ، لحماية حقوق الفئات المطحونة في مواجهة المالكين والقادرين ، ويستفيد من كل الآراء والنظريات ، وإن كانت فلسفتها الأساسية مرفوضة عنده ، كفلسفة فرويد ، وماركس ، ودوركايم . والحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها ، فهو أحق الناس بها .
2 . إسلام يدعو إلى الاجتهاد والتجديد ، ويقاوم الجمود والتقليد ، ويؤمن بمواكبة التطور ، ومواصلة التقدم ، وأن الشريعة لا تضيق بجديد ، ولا تعجز عن إيجاد حل لأي مشكلة ، وإنما العجز في عقول المسلمين ، أو في إرادتهم ، وأن الاجتهاد أصبح في عصرنا فريضة وضرورة ، فريضة يوجبها الدين ، وضرورة يحتمها الواقع ، وأن بابه مفتوح لأهله بشرطه ، سواء كان اجتهادا ترجيحيا انتقائيا ، أم كان اجتهادا إبداعيا إنشائيا ، فرديا أم جماعيا ، جزئيا أم كليا .
ولا يملك أحد إغلاقه ، وقد فتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن المجتهد مأجور على اجتهاده ، وإن أخطأ فيه ، وأن علينا أن نهيئ المناخ العلمي لظهور المجتهدين المرجوين ، على مستوى الإسلام ، وعل مستوى العصر ، جامعين بين القديم النافع والحديث الصالح ، مقدرين في اجتهادنا ظروف الناس ، وضرورات الواقع ، وتغيرات العصر ، وما عمت به البلوى ، مستفيدين من الثروة الفقهية الهائلة ، التي خلفها أئمتنا وفقهاؤنا على تعدد مدارسهم ومشاربهم ، منذ عهد الصحابة والتابعين ، فمن بعدهم من أئمة المذاهب ، ومن تلاهم ، ممن اتسم بالتجديد ، أو التزم بالتقليد ، نتخير من كل ذلك ، ما هو أصح دليلا وأهدى سبيلا ، وأليق بتحقيق مقاصد الشرع ، ومصالح الخلق ، واضعين نصب أعيننا ما قرره علماؤنا المحققون : أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال ، وأن الشريعة إنما شرعت لمصالح العباد في المعاش والمعاد ، وأنها قامت على حفظ الأديان والأنفس والعقول والأعراض والأنساب والأموال .
3 . إسلام يتسم بالوسطية في كل شيء ، ويجعلها من خصائص أمته الأساسية : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ( سورة البقرة : 143 ) .
فهو يمثل التوازن الإيجابي في كل المجالات ، اعتقادية وعملية ، مادية ومعنوية ، فهو يعمل ـ في حياة الفرد ـ على الموازنة بين الروح والمادة ، وبين العقل والقلب ، وبين الدنيا والآخرة ، وبين الحقوق والواجبات ، ومن ناحية أخرى ، يقيم الموازين القسط بين الفرد والمجتمع ، فلا يعطى الفرد من الحقوق والحريات ، حتى يتضخم ، على حساب مصلحة المجموع ، كما فعلت الرأسمالية ، ولا يعطى المجتمع من الصلاحيات والسلطات ، ما يجعله يطغى ويضغط على الفرد ، حتى يضمر وينكمش ، وتذبل حوافزه ومواهبه ، كما فعلت الشيوعية والاشتراكيات المتطرفة ، فلا يقر نظرية الرأسمالية في تضخيم الحريات الفردية ، على حساب العدل في المجتمع ، وبخاصة الفئات الضعيفة فيه ، ولا يقر نظرية الماركسية وربائبها ، في خنق الديمقراطية السياسية ، باسم الديمقراطية الاجتماعية ، وتحت الشعار الخادع : لا حرية لأعداء الحرية!
بل يعطى الفرد حقه ، والمجتمع حقه ، بلا طغيان ولا إخسار ، كما نظمت ذلك أحكام الشريعة وتوجيهاتها .
وبهذا يرعى حرية المواطن ، كما يحافظ على حرية الوطن ، وهي حرية الفكر ، لا حرية الكفر ، وحرية الضمير ، لا حرية الشهوة ، وحرية الرأي ، لا حرية التشهير ، وحرية الحقوق ، لا حرية الفسوق .
ونؤمن هنا بأن الناس قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ، فلا يجوز لأحد أن يستذل أحد ، ولا أن يتخذ بعض الناس بعضا أربابا من دون الله . فالحرية الحقيقية ثمرة التوحيد الحقيقي ، ونتيجة لازمة لمعنى : "لا إله إلا الله" .
4 . إسلام يتميز بالواقعية ، التي هي إحدى خصائصه العامة ، فهو لا يحلق في أجواء المثالية المجنحة ، ولا يعامل الناس على أنهم ملائكة أولو أجنحة ، بل بشر يصيبون ويخطئون ، ويستقيمون وينحرفون ، وهو يعترف بضعف البشر ، ووجود الخطأ والشر ، ولهذا رغب ورهب ، وأوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وشرع العقوبات ، وفتح باب التوبة ، ووضع للضرورات أحكامها ، وقدر لأصحاب الأعذار أعذارهم ، فشرع الرخص والتخفيفات والاستثناءات في أحوال شتى ، منها الخطأ ، والنسيان ، والإكراه ، وأجاز النزول إلى الواقع الأدنى ، عند تعذر المثل الأعلى .
ومن واقعيته : أنه يكرم الإنسان ، ويسمو به ، ويعترف بفطرته وكرامته ، لا يهبط به إلى درك الحيوان ، ولا يعلو به إلى درجة التأليه ، يعترف بأشواقه الصاعدة وغرائزه الهابطة ، يعترف به روحا وجسما ، وعقلا وعاطفة ، ذكرا أو أنثى ، وفردا ومجتمعا . ويهيئ له فرصا للهو المباح ، والترفيه البريء ، كما يهيئ له المناخ الإيجابي ليحيا حياة إسلامية ، بلا ضغط ولا تنازلات .
وهو لهذا ، يحافظ على الصحة الجسمية والنفسية والعقلية ، ويخاطب كل إنسان : إن لبدنك عليك حقا ، ويقاوم المسكرات والمخدرات ، وسائر السموم المضرة بالأجسام والنفوس والعقول ، ويرحب بالتربية البدنية ، ويتخذها وسيلة لا غاية .
ويفرض الرع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7788.forumegypt.net
 
الإسلام والعلمانية الجزء الاول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإسلام والعلمانية الجزء الثالث
» الإسلام والعلمانية الجزء الرابع
» الإسلام والعلمانية الجزء الخامس
» الإسلام والعلمانية الجزء الثانى
» نكت محششين الجزء الاول

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى هديل الحمام :: المنتدى الاسلامى العام-
انتقل الى: