منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى هديل الحمام

منتدى هيسعدك
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
من قال سبحان الله وبحمدة غرست لة نخلة فى الجنة
تذكر ان سبحان الله وبحمدة بها يرزق الخلق
من قال سبحان الله وبحمدة فى يوم 100 مرة حطت خطاياة وان كانت مثل زبد البحر
من افضال سبحان الله وبحمدة ان من قالها مئة مرة كتب لة الله 1000 حسنة ( مسلم)
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
من افضال قولك سبحان الله وبحمدة ان من قالها حط الله عنة سيئة وكتب لة حسنة ورفع لة درجة
وفى صحيح مسلم ان من قال سبحان الله وبحمدة حين يصبح وحين يمسى 100 مرة لم يات احد يوم القيامة بافضل مما جاء بة إلا رجل قال مثل ذلك او اكثر

 

 الإسلام والعلمانية الجزء الثانى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد الزهرى
Admin
احمد الزهرى


عدد المساهمات : 227
نقاط : 19145
تاريخ التسجيل : 31/03/2014
العمر : 34

الإسلام والعلمانية الجزء الثانى Empty
مُساهمةموضوع: الإسلام والعلمانية الجزء الثانى   الإسلام والعلمانية الجزء الثانى Emptyالجمعة أبريل 11, 2014 3:22 pm


تحديد المعايير
إن تحديد الهوية أو الموقع ثم تحديد المفاهيم ، بالصورة التي ذكرناها ، يسهل علينا "تحديد المعايير" .
وأريد بتحديد المعايير : الموازين التي يحتكم إليها الفريقان ، عند الخلاف ، فإذا لم يكن هناك معيار يرضاه الطرفان ، ظل الخلاف قائما ، ولم يحسم ، بل لم يقبل الحسم ، لأن كل طرف يدعي أن معه الحق ، الذي لا يشوبه الباطل والصواب الذي لا يتطرق إليه الخطأ .
وقد اتفق الناس في الماديات ، على معايير يقيسون بها ، ويرجعون إليها ، مثل الدرهم ، أو الرطل ، أو الكيلوجرام ، في الموزونات ، ومثل القدم ، أو الذراع ، أو المتر ، في الأطوال والمساحات .
وكذلك لابد من معيار يرجع إليه في المعنويات ، يحسم الخلاف ، ويرفع النزاع .
وقد زعم الناس في وقت من الأوقات ، أن المنطق القياسي الصوري الأرسطي ، يمكن أن يكون معيارا صادقا ، وعرفوه بأنه آلة قانونية ، تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر .
ولكن المنطق يعتمد على القضايا المسلمة عند الخصم ، وإن لم تكن حقا في ذاتها ، ولهذا ظل الناس مختلفين أشد الاختلاف في عصر سيادة المنطق ، ولم يغن عنهم منطقهم شيئا .
قد يقال : إن هناك معايير إنسانية عامة ، يرجع إليها الناس في كل زمان ومكان ، مثل : العقل ، والعلم ، والمصلحة .
ولكن مشكلة هذه المعايير ، أن كل الناس يدعونها ، وبينهم من التباين والتناقض ما بين الشرق والغرب ، أو ما بين السماء والأرض .
فالليرالي يزعم أن مذهبه يمثل قمة العقل والعلم ، ويرعى مصالح الناس ، والاشتراكي ينقض عليه دعواه ، ويزعم أنه ـ وحده ـ ممثل العقل والعلم والمصلحة الحقيقية ، وثالث لا يقر لهذا ولا لذاك .
وإذا نظرنا إلى مذاهب المفكرين والفلاسفة قديما وحديثا ، نجد منهم من شرق ، ومنهم من غرب ، منهم المثبتون ، ومنهم النافون ، ومنهم الشاكون ، الذين لا يثبتون ولا ينفون ، منهم المؤهلون ، ومنهم الملاحدة المنكرون ، منهم المثاليون ، ومنهم الماديون الواقعيون .
وكلهم يبني مذهبه وفلسفته على دعائم عقلية ، لها وجاهتها عنده ، وقد يجد من خصومه من يدحضها ويبطلها ، كما يجد من أنصاره من يدافع عنها ، ويرد على معارضيها .
ولهذا كانت هناك حاجة ماسة ، إلى نور آخر ، بجوار نور العقل ، يسدده ويرشده ، فيكون له نور على نور ، وذلك النور هو الوحي الإلهي ، كما بين ذلك الإمام محمد عبده في "رسالة التوحيد" .
الوحي الذي لا يلغي دور العقل ، ولكن يأخذ بيده في المتاهات ، ويهديه في مفارق الطرق ، ومواضع الالتباس التي يكثر فيها الخلط ، أو يحكم فيها الظن ، أو يغلب فيها الهوى والتخبط ، بحكم الضعف البشري .
من هنا يجب أن يكون وحي الله ـ أي الإسلام ـ هو المرجع عند التنازع ، كما بيناه من قبل .
ولكنا ـ مع هذا ـ نرحب بالاحتكام إلى العقل والعلم والمصلحة ، حينما يكون العقل عقلا صرفا ، لا يشوبه ظن ولا خرص ، وينطلق من مقدمات يقينية ، ليصل إلى نتائج يقينية .
وحينما يكون العلم علما محققا ثابتا ، لا مجرد افتراضات أو نظريات تخمينية ، يناقض بعضها بعضا ، كما في كثير من حصاد "العلوم الإنسانية" .
وحينما تكون المصلحة مصلحة حقيقية لا موهومة ، مصلحة ترعى الجوانب الفردية والاجتماعية ، المادية والمعنوية ، الدنيوية والأخروية .
نحن المسلمين ، لا نخشى من تحكيم العقل ، ولا من تحكيم العلم ، ولا من تحكيم المصلحة ، فهي ـ دائما ـ في جانبنا ، ونحن أسعد الناس بها .
أما العلمانية في أوطاننا ، فهي ـ بأي معيار ـ مرفوضة ، معيار الدين ، ومعيار العقل ، ومعيار العلم ، ومعيار المصلحة ، إنها ضد الدين ، وضد الدستور ، وضد حقوق الإنسان ، وضد مصلحة الأمة ، وأصالتها .
ولهذا نقول : إننا ـ مهما نختلف في تحديد المعايير ، التي يجب الاحتكام إليها ـ يمكننا أن نتفق على مجموعة منها :
فلدينا : المعيار الرباني ، وهو الوحي .
ولدينا : المعيار الإنساني ، وهو العقل .
ولدينا : المعيار الاجتماعي ، وهو المصلحة .
ولدينا : المعيار السياسي ، وهو الدستور .
ولدينا : المعيار القومي ، وهو الأصالة .
ولدينا : المعيار الدولي ، وهو وثيقة حقوق الإنسان .
ولدينا : المعيار الديمقراطي ، وهو احترام إرادة الأغلبية .
فماذا تقول هذه المعايير ، إذا احتكمنا إليها في الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين؟
المعيار الرباني ، الوحي
أول هذه المعايير ولا شك ، هو المعيار الرباني ، أعني الوحي الإلهي ، الذي أمد الله به البشر ، ليهديهم فيما تعجز العقول عن الوصول إليه ، وليرجعوا إليه ، إذا حارت أفكارهم ، وتناقضت آراؤهم ، وتفرقت بهم السبل ، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله : ( كان الناس أمة واحدة ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب بالحق ، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) ( سورة البقرة : 213 ) .
والوحي الإلهي ، يتمثل ـ الآن ـ في "الإسلام" ، الذي ختم الله به رسالات السماء ، وختم بكتابه "القرآن" كتب السماء .
ومادمنا مسلمين ، رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وبالقرآن إماما ، فمن البديهي أن نحتكم إلى الإسلام فيما نختلف فيه ، وهو خليق أن يهدينا سواء السبيل .
والاحتكام إلى الإسلام معناه الاحتكام إلى القرآن والسنة ، كما قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء ، فردوه إلى الله والرسول ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلا ) ( سورة النساء : 59 ) .
وقد أجمع المسلمون على أن الرد إلى الله تعالى معناه : الرد إلى كتابه الكريم ، والرد إلى الرسول معناه : الرد إلى سنته صلى الله عليه وسلم .
وإذا قيل : إن الناس يختلفون في فهم القرآن والسنة ، على صور شتى ، قلنا : إن "القطعيات" لا خلاف عليها ، وهي التي أجمعت عليها الأمة ، جيلا بعد جيل ، ودل عليها محكم القرآن ، وصحيح السنة .
أما "الظنيات" فيجب أن تفهم في ضوء "القطعيات" ، مهتدين بما وضعه علماء المسلمين من ضوابط للفهم ، وتفسير النصوص ، واستنباط الأحكام ، ممثلا في علم "أصول الفقه" وعلم "أصول الحديث" وعلم "أصول التفسير" .
وأحق ما يجب الرجوع فيه إلى الإسلام هو ما يتعلق بالإسلام ذاته ، فإذا قال قائل : إن الإسلام مجرد دين ، يعمل على تزكية الأنفس ، وإقامة الشعائر ، ولا علاقة له بالدولة وأصول الحكم ، وشئون السياسة ، والاقتصاد ، كان الواجب في ذلك هو الرجوع إلى الإسلام ذاته ، لنعرف من مصادره الأصلية : أهو مجرد عقيدة وعبادة ، أم هو عقيدة وشريعة ، وعبادة وقيادة ، ودين ودولة ، ومصحف وسيف .
إنها قضية شمول الإسلام ، أو عدم شموله ، ولا يفتي فيها إلا الإسلام نفسه ، قرآنه وسنة نبيه ، وهدى الراشدين من خلفائه ، وإجماع المجتهدين من أمته .
فإذا قال بعض الناس : نعم للدين ، ولا للدولة ، أو نعم للعقيدة ، ولا للشريعة ، أو نعم للمصحف ولا للسيف ، قلنا لهم : قولوا ما شئتم ، وشاءت لكم أهواؤكم وثقافاتكم ، ولكن لا تقولوا ذلك باسم الإسلام ، الذي يقول كتابه ، في بيان لا لبس فيه ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) ( سورة النحل : 98 ) ويقرر فقهاؤه بالإجماع : أن شريعته حاكمة على جميع أفعال المكلفين وتصرفاتهم الخاصة والعامة ، ولا يشذ منها فعل واحد ، دون أن تعطيه حكما من أحكامها الخمسة المعروفة .
على أننا إذا احتكمنا إلى أي معيار من المعايير ، التي أشرنا إليها لتقويم "العلمانية" ، والحكم في شأنها ، نجد أنها في أوطاننا كلها ، مرفوضة شكلا وموضوعا ، كما يقول رجال القانون ، هي مرفوضة بمعيار الدين ، ومرفوضة بكل المعايير الأخرى ، ولا بأس أن نشير إلى ذلك في الصحائف التالية .
العلمانية ضد الدين
قلنا : أن "العلمانية" بالمعنى الذي بيناه ، مرفوضة في أوطاننا عامة ، وفي مصر خاصة ، بأي معيار احتكمنا إليه ، وأول هذه المعايير هو الدين .
فإذا احتكمنا إلى الدين ، أعني الدين الذي تؤمن به الأغلبية ، وتنزل على حكمه ـ وهو الإسلام ـ نجده يرفض العلمانية رفضا حاسما ، ذلك لأنها هي لا تقبل التعايش معه ، كما أنزله الله ، كما بينا ذلك من قبل .
فهي قد تقبله عقيدة في ضمير الفرد ، ولكنها لا تقبل هذه العقيدة أساسا للولاء والانتماء ، ولا ترى أن من موجبات العقيدة الالتزام بحكم الله ورسوله .
وهي قد تقبله عبادة ونسكا ، لكن على أن تكون شأنا موكولا إلى الأفراد ، لا على أن ترعاه الدولة ، وتحاسب عليه ، وتقدم الناس ، أو تؤخرهم على أساس الالتزام بذلك أو عدمه .
وهي قد تقبله أخلاقا وآدابا ، ولكن فيما لا يمس التيار العام ، المقلد للغرب ، فالأصل لدى العلمانيين أن يبقى الطابع الغربي سائدا غالبا ، على عاداتنا وتقاليدنا في المأكل ، والملبس ، والزينة ، والمسكن ، والعلاقة بين الرجال والنساء ، ونحوها ضاربين عرض الحائط بما قيد الله به الفرد المسلم والمجتمع المسلم من أحكام الحلال والحرام .
أما الشيء الذي تقف العلمانية ضده بكل صراحة وقوة ، فهو "الشريعة" التي تنظم بأحكامها الحياة الإسلامية ، وتضع لها الضوابط الهادية ، والعاصمة من التخبط والانحراف ، سواء في ذلك ما يتعلق بشئون الأسرة "الأحوال الشخصية" أو المجتمع ، أو الدولة في علاقاتها الداخلية أو الخارجية ، السلمية أو الحربية ، وهو ما عنى به الفقه الإسلامي بشتى مدارسه ، ومختلف مذاهبه ، وخلف لنا فيه ثروة تشريعية طائلة ، تغنينا عن استيراد القوانين من غيرنا ، وهي قوانين لم تنبت في أرضنا ، ولم تنبع من عقائدنا وقيمنا وأعرافنا ، وهي بالتالي تظل غريبة عنا ، مرتبطة في أذهاننا وقلوبنا بالاستعمار الدخيل ، الذي فرضها علينا دون إرادة ولا اختيار منا .
هذا هو حال القوانين الوضعية بالنسبة لنا ، ولكن العلمانية تقبلها ، وترفض شريعة الله ، تتبنى الزنيم ، وتنفي نسب الابن الأصيل .
فهي تأخذ من الإسلام ما يوافق هواها ، وتعرض عما يخالف هواها ، تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض ، وهو ما صنعه بنو إسرائيل قديما ، فقرعهم الله أشد التقريع حين قال : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ، فما جزاء من يفعل ذلك منكم ، إلا خزي في الحياة الدنيا ، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ، وما الله بغافل عما تعملون ) ( سورة البقرة : 85 ) .
وبهذا تناصب العلمانية العداء للدين ، أعني للإسلام ، الذي أنزله الله نظاما شاملا للحياة ، كما أن الإسلام يناصبها العداء أيضا ، لأنها تنازعه سلطانه الشرعي في قيادة سفينة المجتمع ، وتوجيه دفتها ، وفقا لأمر الله ونهيه ، والحكم بما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإذا لم يحكم المجتمع بما أنزل الله ، سقط ـ لا محالة ـ في حكم الجاهلية ، وهو ما حذر الله منه رسوله والمؤمنين من بعده ، حين قال : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، فإن تولوا فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، وإن كثيرا من الناس لفاسقون ، أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ( سورة المائدة : 49 ، 50 ) .
إن العلمانية بمعيار الدين دعوة مرفوضة ، لأنها دعوة إلى حكم الجاهلية ، أي إلى الحكم بما وضع الناس ، لا بما أنزل الله .
إنها دعوة تتعالم على الله جل جلاله! وتستدرك على شرعه وحكمه! كأنها تقول لله رب العالمين : نحن أعلم بما يصلح لنا منك ، والقوانين ـ التي أدخلها الغرب إلى ديارنا في عهود استعماره ـ أهدى سبيلا من أحكام شريعتك!! فماذا عسى أن يوصف من وقف هذا الموقف من ربه وشرعه؟!!
العلمانية ضد الدستور
وأما أن العلمانية ضد الدستور ، فبيان ذلك من أوجه ثلاثة :
الأول : أن الدستور ينص في مادته الثانية بصريح العبارة : أن الإسلام دين الدولة الرسمي ، كما أن اللغة العربية لغتها الرسمية .
وهذه مادة قديمة أصيلة في الدستور المصري ، وقد كانت ثابتة في دستور 1923 م ، فهي من المواد الأساسية المميزة ، والمبينة لشخصية مصر العربية المسلمة .
فالمناداة بالعلمانية ـ إذن ـ منافاة صريحة لهذه العبارة ، التي لم يخالف فيها يمين ولا يسار .
الثاني : أن الدستور ينص في مادته تلك "الثانية" على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع .
وهذه المادة تأكيد لتلك المادة وتفسير لها ، وإعطاؤها مدلولا عمليا يتمثل في التشريع ، الذي تصوغ به المجتمعات حياتها الدنيوية في قوالب قانونية .
الثالث : أن الدستور في مادته يكفل الحرية الدينية لكل مواطن .
والمسلم إذا فرضت عليه العلمانية ، فقد فرض عليه أن يتحلل من دينه ، وما يوجبه عليه ربه ، وما تلزمه به شريعته ، فأنت بالعلمانية تلزم المسلم ـ رغم أنفه ـ أن يعطل ما فرضه الله عليه ، وأن يرتكب ما حرم الله عليه ، فلا يستطيع إذا كان حاكما ( رئيسا أو وزيرا أو عضو مجلس تشريعي أو قاضيا ) أن يحكم بما أنزل الله ، كما أمره الله . ومعنى هذا أننا بالعلمانية نفرض عليه أن يسخط ربه ويتحداه جهرة ، بتعطيل أحكامه ، فيوصم بالكفر ، أو الظلم ، أو الفسوق ، بنص القرآن .
وإذا كان محكوما لم تمكنه العلمانية أن يحتكم إلى ما أنزل الله ، وهو فرض عليه ، لا خيار له فيه شرعا .
وكذلك لا يستطيع أن يمارس إسلامه بحرية كافية ، فالمعاملات الربوية المحرمة تحيط به من كل جانب ، وراتبه نفسه مشوب بالربا ، ومواقيت الصلاة لا تراعى في عمله ، وهو إذا رأى منكرا شائعا ، لا يستطيع أن يغيره أو ينهى عنه ، إذا كانت القوانين الوضعية تحميه ، وكذلك إذا رأى فرضا مضيعا من فروض العين ، أو فروض الكفاية ، لا يستطيع أن يأمر به .
وهو لا يستطيع أن يوالي أو يعادي على أساس العقيدة ، لأن العلمانية ترفض العقيدة ، أساسا للولاء والانتماء .
ومن هنا يحرم المسلم ، الذي يريد أن يرضي ربه ، ويعمل بدينه ، من التدين المفروض عليه ، ولا يباح له إلا التدين الشعائري ، التقليدي المعروف في النصرانية وما شابهها ، بل إن هذا التدين ـ أحيانا ـ تحوطه قيود وأغلال لا تمكن المسلم من أدائه على الوجه المطلوب .
وهذا ضد الدستور نصا وروحا ، بيقين فالدستور يكفل الحريات ، وأولها الحرية الدينية ، وأدنى دلائل الحرية الدينية أن تعمل بما يفرضه عليك دينك ، بلا ضغط ولا تنازلات .
العلمانية ضد إرادة الشعب
وكما أن العلمانية ضد الدستور نصا وروحا ، فهي كذلك ضد إرادة الشعب ، ضد الدعوة إلى الديمقراطية .
والعلمانيون يباهون بأنهم ديمقراطيون ، وأنهم أنصار الديمقراطية ودعاتها ، والديمقراطية هي النزول على إرادة الشعب ، وقد قال بعضهم : إن إرادة الشعب من إرادة الله! فما بالهم هنا ـ في قضية تحكيم الشريعة ـ يخونون مبدأهم ، الذي اتخذوه شعارا لهم؟! ويحاولون أن يثنوا عنان الشعب عما يؤمن به ، ويعتقد أنه وحده حبل النجاة ، وسفينة الإنقاذ ، وهو العودة إلى شرع الله .
والحق أن العلمانية معادية لإرادة جماهير شعبنا في مصر خاصة ، وفي سائر البلاد العربية والإسلامية عامة ، وأن تحكيم شرع الله في دنيا الناس مطلب شعبي ، تنادى به الجماهير من شتى الطبقات .
وهذا ما تبين ـ بجلاء ـ في انتخابات "مجلس الشعب" الأخيرة في مصر "1984 م" ، قد تبنت الأحزاب كلها ، حزب الحكومة ، وأحزاب المعارضة ، الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، فالحزب الوطني الديمقراطي ، حزب الدولة ، أعلن ذلك في بياناته ، وعلى لسان مرشحيه .
وكذلك حزب الوفد أكبر أحزاب المعارضة ، وكثيرا ما أثير هذا الموضوع ، وهو موقف حزب الوفد من تطبيق الشريعة ، وها هي صحيفة الوفد الناطقة باسمه تعلن في عدد 17/7/1986 م : أن موقف الحزب من تطبيق الشريعة الإسلامية هو التأييد المؤكد بصراحة ، وبلا مواربة .
أما حزب العمل فإسلاميته أصرح وأوضح ، وموقفه أوثق وأوكد ، وجذوره الإسلامية معلومة مشهورة ، وغيرة مؤسسه الأول على الإسلام لا ريب فيها ، أعني المرحوم الزعيم أحمد حسين ، منذ أنشأ "مصر الفتاة" نواة حزب العمل القائم .
ولم يستطع د . فؤاد زكريا محامي العلمانية ، أن ينكر القاعدة العريضة ، التي تنادي بتحكيم الشريعة ، بل اعترف بذلك على مضض ، فقال في ختام كتابه "الحقيقة والوهم" : إن كثيرا من المعترضين على مقالاتي ، فقد تمسكوا بالحجة القائلة : إن تطبيق الشريعة هو ـ الآن ـ مطلب شعبي واسع النطاق ، ولست أملك أن أخالف رأيهم في هذه المسألة ، ولكن كل ما أستطيع أن أرد به عليهم ، هو أننا نشأنا في بلد إسلامي ، وظللنا عشرات السنين لا نعرف إلا مواطنين متدينين معتدلين ، يمارسون العبادة من خلال العمل ، والكفاح في سبيل النهوض بأنفسهم ومجتمعهم ، ولم تكن صيحة المطالبة بتطبيق الشريعة ، إلا صيحة خافتة ، لا تأثير لها على المجرى العام لحياة الناس . هذه هي صورة الدين ، كما عرفه شعبنا طوال أجيال عديدة ، أما الموجة الحالية ، فإنها برغم انتشارها الواسع ، ظاهرة جديدة ودخيلة على التدين المصري العاقل الهادئ! وكأي ظاهرة دخيلة ، ينبغي علينا أن نتعقب أسبابها إلى عوامل طارئة .
وفي ( التقديم ) الذي وضعه لكتابه ، عاد للموضوع فقال : إن الدعوة إلى تطبيق الشريعة ، التي تعلو أصواتها في الآونة الراهنة ، ترتكز ـ بلا شك ـ على قاعدة جماهيرية واسعة ، وكثير من أنصارها يتخذون من سعة الانتشار هذه حجة لصالحها ، ويستدلون على صحة اتجاههم ، من كثرة عدد أشياعهم وأنصارهم .
وأقول للدكتور : إن الدعاة إلى تطبيق الشريعة ، لا يستدلون على صحة اتجاههم ـ ولم يستدلوا يوما ـ بكثرة من يناصرهم على هذه الدعوة من أبناء شعبنا المسلم . فإن عندهم من الأدلة والبراهين العقلية ، والنقلية ، والتاريخية ، والواقعية ، ما يقطع كل ريب ، على أنهم في غير حاجة إلى التدليل على صحة اتجاههم بعد الالتزام بالإسلام ، فمن رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، ليس له إلا الانقياد إلى ما شرع الله ، والرضا بما حكم الله ، وإلا راجع إيمانه .
وإنما يتخذ دعاة الشريعة من كثرة أشياعهم حجة عليكم ، لأنهم يحاكمونهم إلى منطقكم ، الذي تؤمنون به ، ولا تختلفون فيه ، وهو منطق الديمقراطية ، الذي يحتكم إلى أصوات الأغلبية ، فما رضيته الأغلبية ، فهو المحكم ، وهو المعمول به ، فالأمة التي تمثلها الأغلبية هي مصدر السلطات .
وكان المفروض أن يذعن كاتبنا ـ وهو من دعاة الديمقراطية ـ إلى هذا المنطق البين الناصع ، ولكنه فاجأنا ـ على عادته ـ بالتنكر للديمقراطية ، في هذا الموقف خاصة ، وهذا من العجائب!
فماذا كانت حجته؟ هنا تضطرب أقواله واستدلالاته ، التي يعتسفها اعتسافا . ففي موضع نراه يقول : في كتابه عن تنامي التيار الإسلامي : إنما هو حالة شاذة ، لم تعرفها مصر ، إلا في عهود الحكم الفردي!
وفي مناسبة أخرى في رده على المنتقدين لمقالاته في "الأهرام" يقول : أما الموجة الحالية ـ موجة مطالبة بتطبيق الشريعة ـ برغم انتشارها الواسع ، فإنها ظاهرة جديدة ودخيلة على التدين المصري العاقل الهادئ! وكأي ظاهرة دخيلة ، ينبغي علينا أن نتعقب أسبابها إلى عوامل طارئة ، كالقمع ، والتسلط الفكري ، والسياسي .
كأن ما كان سائدا في عهود الاستعمار والملكية البائدة ، والعسكرية الطاغية ، هو الأصل ، الذي لا يسأل عنه ، أما ما يحدث حين يستطيع الناس أن يجدوا فرصة للتعبير عن أنفسهم ، فهو المخالف والشاذ!!
إن ذاك التدين "العاقل الهادئ" كما وصفه الدكتور ، من صنع الاستعمار الثقافي ، ولم يكن يوما تدين المسلمين ، ولا تدين المصريين ، خلال ثلاثة عشر قرنا ، أي قبل دخول الاستعمار إلى ديارنا .
ويتحدث الكاتب عن موقف ثورة 23 يوليو من الحركة الإسلامية ، فيغرب إغرابا شديدا في التفسير والتحليل ، ويبعد عن كل منطق مقبول ، سواء في العهد الناصري ، أم الساداتي .
فحين يتحدث عن الخلاف بين الحكم الناصري والتيار الإسلامي ، نراه ينكر أي نزاع أو خلاف فكري أو أيديولوجي بين الطرفين ، ويزعم أنه محض خلاف سياسي ، أي يحصره في الصراع على السلطة ، متناسيا أن أية حركة إسلامية حقيقية لابد أن تنادي بالإسلام عقيدة وشريعة وحضارة ومنهج حياة ، حينئذ لابد أن تصطدم بحملة الأفكار العلمانية ، الذين يريدون أن يحصروا الدين في أقفاص الصدور ، أو خلف جدران المساجد ، ولا يسمحون له بأن يقود مسيرة المجتمع ، ويوجه شئون الحياة ، وخصوصا إذا كانوا من الطغاة المتألهين ، الذين يريدون أن يجعلوا من عباد الله عبادا لهم ، وأن يتخذهم الناس أربابا ، لا يسألون عما يفعلون ، ولا يراجعون فيما يحكمون ، وأن يجعلوا الدين في خدمة سياستهم ، ومنابر الدين أبواق دعاية لهم ، وعلماء الدين مداحين لتصرفاتهم .
لا ريب أن الصراع بين الحكم الناصري والتيار الإسلامي ، كان صراعا حتميا ، لأنه صراع بين الإسلام الحي المتحرك القائد ، وبين حكم طاغوتي شمولي ، يريد أن يحرك كل شيء بأصابعه ، حتى الدين . وإذا سمى البعض هذا صراعا سياسيا ، فليسمه ما شاء . فليس في الإسلام فصل بين ما هو ديني وما هو سياسي ، والدين عندنا سياسة ، والسياسة دين ، ولم يعرف المسلمون هذا "الفصام النكد" .
ونعود إلى حجة د . فؤاد زكريا ، في رفضه للأكثرية ، التي تؤيد تحكيم الشريعة الإسلامية ، يقول :
وفي رأيي أن اتساع القاعدة الجماهيرية ، التي تنادي بمبدأ معين ، لا يمكن أن يكون مقياسا لنجاح هذا المبدأ ، إلا في حالة واحدة فقط ، هي التي يكون فيها وعي هذه الجماهير ناضجا كل النضج .
وأستطيع أن أقول من وجهة نظري الخاصة ، يقول الكاتب : إن الانتشار الواسع للاتجاهات الإسلامية بشكلها الراهن ، إنما هو مظهر صارخ من مظاهر نقص الوعي لدى الجماهير ، ويعلل ذلك بغلبة الطابع الشكلي على فهمها للدين ، وتركيز جهدها على الجانب الشعائري من الدين ، وعلى التحريمات الجنسية ، وشكل الملبس . . الخ ، وتتصور أن أول جوانب تطبيق الشريعة وأهمها ، هو تطبيق حدود الخمر ، والسرقة ، والزنى ، وتتجاهل ـ كلية ـ مشكلات الحياة الاقتصادية والسياسية بتعقيداتها ، التي لا تنتهي ـ هذا الانقياد لا يمكن أن يكون علامة صحة ، وإنما هو حالة شاذة طارئة ، لم تعرفها مصر ، إلا في ظل عهود الحكم الفردي المتلاحقة ، وفي العهد الذي فتح الباب ، لتسرب الفكر المتخلف الوافد من مجتمعات بترولية ، تستخدم الدين أداة للحفاظ على مصالحها في الداخل ، ونشر أيديولوجيتها الهابطة في الخارج .
هذا نص ما قاله الكاتب الفيلسوف ، في رد منطق الديمقراطية ، والنزول على حكم الأكثرية ، وفي هذا الرد أغلاط ومغالطات شتى .
من ذلك أن القاعدة الجماهيرية الإسلامية ، تمثل في الواقع أنضج شباب الأمة وعيا ، وأزكاهم خلقا ، وأقواهم إرادة ، وأنظفهم سلوكا ، وجمهورهم من شباب الجامعات والمعاهد العليا ، والمدارس الثانوية ، والخريجين ، الذين أثبتوا وجودهم في الاتحادات الجامعية ، والنقابات المهنية ، وعلى مختلف أصعدة النشاط ، برغم القيود التي تكبلهم والعقبات التي توضع في طريقهم .
ثم إن الديمقراطية في العالم كله ، تحتكم إلى عدد الأصوات ، بغض النظر عن الكيف والنوع .
ولم يقل يوما حزب المحافظين لحزب العمال في بريطانيا ، أو حزب الديمقراطيين لحزب الجمهوريين في أمريكا : إن الأغلبية ، التي معكم ، ليست في مستوى الأقلية التي معنا ثقافة ووعيا ونضجا!
فليت شعري من أين جاء الكاتب بهذا الشرط ، وهو أن يكون وعي القاعدة الجماهيرية الواسعة ، التي تنادي بمبدأ معين "ناضجا كل النضج"؟! حتى أنه لم يكتف بمجرد الوعي ، ولا بمجرد نضوج الوعي ، بل اشترط متعسفا "النضج كل النضج"!
ولو سلمنا بهذا الشرط التعسفي ، الذي انفرد به الكاتب ، فمن الذي له الحق أن يقول : هذا نضج ، وهذا ليس بنضج ، وهذا بعض النضج ، وهذا كل النضج؟!
إن اختلاف المقاييس ، سيؤدي إلى اختلاف الحكم لا محالة .
وقد رأينا الكاتب يقع في أغلاط أو مغالطات شنيعة ، في حكمه على القاعدة الجماهيرية الإسلامية ، واتهامه لها بنقص الوعي ، وتغييب العقل ، وتغليب الطابع الشكلي في فهمها للدين .
ذلك أن الصنف ، الذي يتكلم عنه الكاتب ، ويجتهد في تضخيم عيوبه ، لا يمثل إلا شريحة محدودة من شرائح الصحوة الإسلامية ، أما التيار الغالب على فصائل هذه الصحوة ، فهو تيار "الوسطية الإسلامية" وهو التيار الإيجابي الواقعي ، الذي ينظر إلى الإسلام نظرة كلية شاملة ، ولا يكتفي منه بالجانب القانوني وحده ، ولا من الجانب القانوني بالحدود والعقوبات ، بل يعمل بكل وسعه لإقامة حياة إسلامية متكاملة ، وهو لا يكتفي من الإسلام بالشكل دون الجوهر ، ولا بالفروع عن الأصول ، ولا بالجزئيات عن الكليات ، بل يعطي اهتمامه الأكبر إلى صميم الإسلام ولبابه .
إن هذا التيار يعايش هموم الناس ، ولا يجهل أو يتجاهل مشكلات الحياة ، اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية ، كيف وهو يحياها ، ويدعو إلى علاجها؟! بل يخوض معترك الحياة مشاركا في حلها ، كما نرى ذلك في تأسيس الشركات ، والبنوك ، والمؤسسات الاقتصادية الإسلامية ، وكذلك المؤسسات التعليمية والطبية والاجتماعية وغيرها .
على أن بعض ما يعتبره الكاتب ، أمرا شكليا لا وزن له ، إنما هو من صميم الدين ولبه ، مثل الجانب الشعائري ، الذي يتعلق بالتعبد لله تعالى ، وإقامة فرائضه ، التي هي أركان الإسلام ، ومبانيه العظام .
وما يسميه الكاتب "التحريمات الجنسية ، وشكل الملبس" ليس نافلة في الدين ، ولا أمرا على هامشه ، إنه يتعلق بتربية المؤمن والمؤمنات على العفاف ، والطهر والإحصان والاستعلاء على نداء الغرائز والشهوات ، والبعد عن جو الفتنة والإغراء ، وهو ما أمر به القرآن الجنسين ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ، ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ، إن الله خبيرا بما يصنعون ، وقل للمؤمنات أن يغضضن من أبصارهن ، ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن ، أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن ، أو إخوانهن أو بني إخوانهن ، أو بني أخواتهن ، أو نسائهن ، أو ما ملكت أيمانهن ، أو التابعين ، غير أولي الإربة من الرجال ، أو الطفل الذين لم يظهرون على عورات النساء ، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ، لعلكم تفلحون ) ( سورة النور : 30 ، 31 ) ( يا أيها النبي قل لأزواجك ، وبناتك ، ونساء المؤمنين ، يدنين عليهن من جلابيبهن ، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) ( الأحزاب : 59 ) .
وقد تقع من بعض فصائل الصحوة الإسلامية ، بعض التشددات والتطرفات ، في أمور هينة ، وهذا من أسبابه ، طبيعة الشباب المتحمس من جهة ، ومن تطرف اللادينيين من جهة أخرى ، وقد شرحت أسباب ما يسمونه "التطرف الديني" في كتابي عن "الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف" .
على أن هذا التيار ، الذي يوصف بالتطرف ، لم يملك كاتبنا نفسه ، إلا أن يعترف له بأنه هو الذي وقف في وجه الطغيان ، واستطاع أن يربي من شبابه من يدفع حياته فداء لدينه ، وإنقاذا لوطنه .
وهذا ما قاله الكاتب في رده على : د . حسن حنفي ، في مقالاته ، التي كتبها عن "مستقبل الأصولية الإسلامية" ، والذي أكد فيها أن هذه الأصولية بتعمقها وازدياد رصيدها الشعبي ، وقدرتها على الإنجاز ، وشرعيتها التاريخية في الماضي والحاضر ، تقدم نفسها على أنها مستقبل مصر ، الذي لا بديل له .
يقول د . فؤاد زكريا في ختام رده على د . حسن حنفي :
"وتبقى بعد هذا كله نقطة جوهرية ، ينبغي أن نلتمس فيها العذر لأي كاتب ، يتعاطف مع هذه الاتجاهات ، ذلك لأن الشباب المنتمي إلى هذه الجماعات المتطرفة هو وحده الذي استطاع أن ينجز شيئا بغض النظر عن دوافعه في هذا الإنجاز ، وهو الذي تمكن من إزالة حالة الجمود ، التي بدا وكأنها استقرت ، وسوف تستمر سنوات طويلة ، وهو الذي ألقى في البركة الآسنة حجرا ضخما ، حرك مياهها ، وأحدث فيها دوامات قد تتحول يوما ما إلى أمواج وعواصف عاتية ، وفي مقابل ذلك فإن التقدميين والديمقراطيين والعلمانيين ، لم يكن لهم دور في هذا التحريك المفاجئ للأحداث ، بل كان يبدو في الوقت الذي حدثت فيه المفاجأة ، أنهم وصلوا إلى طريق مسدود لا مخرج منه" .
وأما زعم الكاتب أن التيار الديني تيار وافد من مجتمعات بترولية ، فهو زعم غير صحيح ، ومبني على مقدمات خاطئة ، فالتدين في الشعب المصري تدين أصيل ، وإيمانه بالإسلام عقيدة وشريعة ، يجري منه مجرى الدم في العروق ، ولا يحتاج إلى استيراده من بلد آخر ، وقد كانت مصر ـ ولا تزال ـ تصدر الإسلام علما ، وحركة وجهادا إلى غيرها . .
بل إن كثيرا من المسئولين في تلك المجتمعات التي يشير إليها الكاتب ، تصف التيارات الإسلامية الجديدة ، التي أبرزت شمول الإسلام وتوازنه ، وأظهرت جوانبه الاقتصادية ، والسياسية والاجتماعية والفكرية وغيرها ، بأنها "تيارات وافدة" عليها من خارج أرضها ، لم تكن تعرفها من قبل . وأن ألوفا من الشباب باتوا يؤمنون بها ، ويدعون إليها ، ويعتقدون أن فيها وحدها الخلاص والإنقاذ ، بل قال بعضهم بصراحة : إن هذا "إسلام مصري" غير الإسلام الذي توارثناه!
إن التيار الإسلامي في مصر أصيل كل الأصالة ، بل هو التيار "الأب" أو "الأم" لكل التيارات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي ، بل في خارج العالم الإسلامي أيضا ، وهذا أمر يعلمه الخاص والعام .
إن موقف الكاتب والله عجيب حقا ، أنه ينادي بالديمقراطية ويرتضيها إذا كانت نتيجة التصويت في صالحه ، فإذا كانت النتيجة في صف الإسلاميين ، فهي مرفوضة بأي شبهة أو بغير شبهة ، فأين العلم؟! وأين الإنصاف يا معشر العلمانيين ، والتقدميين؟!؟!
العلمانية ضد مصلحة الأمة
وإذا كانت العلمانية دعوة مضادة ومناقضة للدين ، ودعوة مضادة ومناقضة للدستور ، وهي مضادة ومناقضة لإرادة الشعب ، فهي كذلك دعوة مضادة ومناقضة لمصلحة الوطن ، ومصلحة الأمة .
فلو كنا لا نقيس الأمور إلا بمقياس المنفعة وحدها ، كما هو مذهب "البراجماتيين" لكانت منفعة الوطن ، ومصلحته العليا والعامة والدائمة توجب علينا أن نفرض "العلمانية" ونتبنى "الإسلامية" .
وذلك أن الأوطان إنما تنهض وترتقي وتنتج ، بمقدار ما تملك من طاقات مادية ، ومن طاقات بشرية ، ولا قيمة للإمكانات ، والطاقات المادية والاقتصادية ، وغيرها ، ما لم تكن هناك طاقات بشرية قادرة على تسخيرها ، والاستفادة منها ، واعية بذلك مريدة له .
والشعوب ـ دائما ـ في حاجة إلى حوافز وأهداف ومحركات معنوية ، تفجر طاقاتها المكنونة ، وتستخرج قدراتها المذخورة ، وتستثير مواهبها المبدعة ، وتغرس في أنفسها حب التفوق والإتقان ، وتدفعها إلى بذل النفس والمال والوقت والراحة في سبيل ما تؤمن به ، وفي سبيل الحفاظ على مقوماتها وخصائصها الذاتية ، التي تميزها عن غيرها ، وبعبارة أخرى : في حاجة إلى "رسالة" تعبئ قواها ، وتجمع شتاتها ، وتحيي مواتها ، وتنشئها خلقا جديدا .
وإذا أخذنا الشعب المصري مثلا لذلك ، فما الذي يحركه ، ويفجر طاقاته الدفينة ، ويدفعه بقوة إلى الأمام؟ ويهون عليه بذل الأنفس والنفائس من أجل أهدافه؟
إن قراءة التاريخ ، واستقراء الواقع ، يؤكدان لنا : أن هذا المحرك المفجر هو الإيمان ، هو الإسلام .
يقص علينا القرآن في عدد من سوره "الأعراف ، طه ، الشعراء" قصة طائفة من أبناء مصر ، غرر بهم حينا من الدهر ، فساروا في ركاب الطغيان المتأله ، طغيان فرعون ، فاقدين لهويتهم ، لا هدف لهم إلا المال أو الزلفى إلى الطاغوت ، فلما أنار الله بصائرهم بالإيمان استحالوا إلى قوة هائلة ، ترفض المال والجاه ، وتستهين بالجبروت والطغيان ، وتتحدى ـ مع ضعفها المادي ـ أقوى الأقوياء .
أولئك هم سحرة فرعون من أبناء مصر ، الذين ضللوا من فرعون وملئه ، حتى إذن الله لهم أن يتحرروا من الوهم والضلال ، حين ألقى موسى عصاه ، فلقفت كل ما ألقى السحرة من عصى وحبال ( فوقع الحق ، وبطل ما كانوا يعملون ، فغلبوا هنالك ، وانقلبوا صاغرين ، وألقى السحرة ساجدين ، قالوا : آمنا برب العالمين ، رب موسى وفرعون ، قال : فرعون : آمنتم به قبل أن إذن لكم ) وهدد فرعون وتوعد هؤلاء المؤمنين الجدد بالتقتيل والتصليب ، فلم يبالوا به ، وقالوا وهم في رسوخ الجبال ( إنا إلى ربنا منقلبون ، وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ، ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ) ( سورة الأعراف : 125 ، 126 ) .
وعندنا مثل قريب واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ـ كما يقولون ـ يعبر أبلغ التعبير عن "أثر الدين" في تعبئة شعبنا ، وتحريكه وبعثه في أي حركة يخوضها .
هذا المثل هو معركة العاشر من رمضان ـ وهذا هو اسمها الذي يجب أن تذكر به دائما لا السادس من أكتوبر ، كما قالوا بعد ـ إنها معركة هبت فيها رياح الإيمان ، ونفحات رمضان ، وقام فيها الإيمان الديني ، بدور هائل شهد به المقاتلون أنفسهم ، قادة وجنودا ولمسه كل مراقب لسير المعركة ، من مصري أو عربي أو أجنبي .
ولسنا من السذاجة أو الجهالة ، بحيث ننسى دور التخطيط والتدريب والإعداد لهذه المعركة ، ولكن ما كان هذا يغني لو فرغت القلوب من الإيمان ، وقطعت صلتها برب السماء ، كما كان عليه الحال في يونيو ( حزيران ) سنة 1967 م .
إن شعار "الله أكبر" حين دوت صيحاته في الآفاق ، لمس أوتار القلوب ، وأوقد جذوة الحماس في الصدور ، وحرك كوامن النفوس ، وأيقظ معاني البطولة المستكنة بين الضلوع ، ووصل الحاضر بالماضي البعيد ، فتذكر أبناء مصر المؤمنة ، أيام قطز ، وصلاح الدين ، وتذكروا قبل ذلك غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ، وسرايا أصحابه ، ومعارك الإسلام الحاسمة في التاريخ .
وهناك كان العبور ، واقتحام خط "بارليف" ، والانتصار على القوة ، التي قيل يوما : أنها لا تقهر ، كما قيل قديما عن التتار : إذا قيل لك : إنهم انهزموا فلا تصدق!
لقد أقسم كثير من الضباط والجنود أنهم كانوا يرون مخلوقات بثياب بيض ، تقاتل إلى جوارهم ، وسواء كان هذا حقيقة أم خيالا ، كما يقول الماديون ، فعلى كل حال لا يشك أحد في قيمة الروح المعنوية عند من يحارب ، وهو يعتقد أن الملائكة تحارب معه ، وتنصره على عدوالله وعدوه!
ومهما يختلف المراقبون والمحللون في شأن الثورة الإيرانية ، ومدى صوابها ، أو خطئها في مواقفها ، ومدى قربها من الإسلام أو بعدها ، فإن الذي لا يختلف فيه اثنان : أنها استطاعت أن تعبئ قوى الشعب الإيراني تعبئة ، لا نظير لها في التاريخ القريب ، ولا في الواقع الحاضر .
لقد جعلت من الشعب كله جيشا وراءها ، يساندها في معاركها الداخلية والخارجية ، وأشعلت إيمانه وحماسه ، حتى لم يعد يبالي بالضوائق الاقتصادية ، ولا بالحصار الخارجي ، طلبا للجنة ، وسعيا إلى "الشهادة" التي نالها إمامهم الحسين "رضي الله عنه"!
أجل ، لقد جعلت الشباب الغض ، يركض إلى الموت ركضا عن حرص وحب ، وأبوه يبارك خطاه ، وأمه تدعو له بإحدى الحسنيين ، فإذا جاء نبأ شهادته ، انطلقت الزغاريد في بيته ، كأنه خبر زفافه إلى عروس ، وليس نبأ مقتله في المعركة!
ولقد نجحت الثورة نجاحا منقطع النظير في إخراج المرأة من عزلتها وأميتها الدينية والسياسية ، ومن اهتماماتها التافهة بالزينة و"المودة" إلى الاهتمام بالقضايا المصيرية للدين والوطن .
على أن المثل الأروع الذي لا يقبل الجحود ولا الشك ، هو ما يصنعه الإسلام اليوم على أرض أفغانستان الصامدة ، وما يلقنه المجاهدون البسطاء من دروس للقوة العظمى الثانية في العالم "الاتحاد السوفييتي" لقد هزم إيمان الأفغان دبابات الروس وصواريخهم ، وكذلك يصنع الإسلام دائما .
وأعتقد أن قدرة التيار الإسلامي على تعبئة الأمة ، وإلهاب حماسها ، وإحياء روحها ، واستنفار طاقاتها للعمل والبناء والجهاد ، مما لا يختلف فيه اثنان .
وقد يقول بعض العلمانيين : إننا لا نمانع في استخدام الدين لشحذ الهمم ، وبعث العزائم ، وتعبئة الطاقات لدى الشعب لمواجهة التحديات ، في معارك التحرير والتقدم والبناء .
ونقول لهؤلاء :
أولا : إن الدين أشرف وأرفع قدرا من أن يتخذ مطية تركب ، أو أداة تستخدم لغرض موقوت ، ثم يلقى به ـ بعد ذلك ـ في سلة المهملات ، إن الدين هو جوهر الوجود ، وسر الخلود ، وروح الحياة ، وهو غاية تقصد لذاتها ، وليس مطية تركب .
ثانيا : إن الدين لا يؤدي رسالته في البعث والإحياء والتعبئة ، إلا إذا كان هدفا لا وسيلة ، وكان دما يجري في عروق الحياة كلها ، لا شيئا على هامش الحياة . إنما يؤثر الدين في الشعوب ، ويغير من حياتها وسلوكها ، إذا كانت كلمته هي العليا في التشريع والتوجيه والتعليم والتثقيف ، بحيث يصبغ الحياة بصبغته ، فينطلق الناس تحت لوائه ، عاملين مخلصين ، وفي الخيرات مسارعين ومسابقين .
وثالثا : إن الشعوب بحاستها الفطرية ، لا تستجيب لمن يجندها باسم الدين ، إلا إذا لمست فيه الولاء لدين الله ، وأحست بحرارة الإخلاص له ، والحرص على تطبيق شرائعه ، وتعظيم شعائره ، والدخول فيه كافة كما أمر الله . وإلا أعرضت عنه ، وكشفت خداعه ونفاقه ، وقالت في قوة وجلاء : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ ) ( سورة البقرة : 85 ) .
العلمانية مبدأ مستورد
والعلمانية من ناحية أخرى ، ضد أصالتنا وسيادتنا ، لأنها مبدأ مستورد من خارج أرضنا ، ومن قوم غير قومنا ، لهم تاريخ غير تاريخنا ، ومفاهيم غير مفاهيمنا ، وقيم غير قيمنا ، وعقائد غير عقيدتنا ، وقوانين غير شريعتنا ، وأوضاع غير أوضاعنا .
إنهم احتاجوا إلى العلمانية لظروف خاصة بهم ، ونحن لا حاجة لنا إلى العلمانية ، لأنها كانت حلا لمشكلهم مع كنيستهم ، وهي عندنا تكون مشكلة في ذاتها .
والعلمانية لا تصادم عقيدتهم ، ولا شريعتهم ، ولا تعارض أحكاما إلهية مفروضة عليهم من ربهم ، ولكنها عندنا تصادم العقيدة ، التي من مقتضياتها النزول على حكم الله ورسوله ، وتعارض الشريعة ، التي أنزلها الله منظمة لحياة الناس ، بوضع الأصول الضابطة لها ، والأحكام الهادية لمسيرتها .
والعلمانية عندهم ، لم تمح سلطة الدين ورجاله ، وإنما فصلت بين السلطتين : الروحية والزمنية ، وتركت لكل منهما مجالها ونفوذها وحرية تحركها ، وقد بقيت هناك سلطة الكنيسة ، تمارس نشاطها بما تملك من مال ورجال وسلطان .
أما نحن ، فليس لنا سلطة دينية مستقلة مقتدرة ، فالعلمانية ـ عندنا ـ تعني تصفية الوجود الإسلامي ، بحيث لا يبقى له قدرة ولا سلطان ولا حرية ، ما لم يكن خادما للسلطة السياسية القائمة .
*2*الفصل الرابع
@تحرير موضع النزاع
بعد تحديد المواقع أو الهويات ، وتحديد المفاهيم المتنازع عليها ، وتحديد المعايير التي يحتكم إليها ، يأتي الأساس الرابع للحوار ، وهو : تحرير موضع النزاع أو الخلاف بين الفريقين : فريق الإسلاميين ، وفريق العلمانيين .
وأعتقد أن من السهل تحديد مواضع الخلاف ، بعد تحديد القضايا الثلاث ، التي أسلفنا الحديث عنها : المواقع ، والمفاهيم ، والمعايير . كما يمكننا تحديد نقاط الاتفاق أيضا ، إن صح الاتجاه ، وصدقت العزائم .
نحن متفقون على ضرورة النهوض بأوطاننا ، والعمل بأقصى طاقاتنا لتنميتها تنمية شاملة ، واستخدام أحدث ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا في العالم المعاصر ، والاستفادة من كل جديد نافع ، وكل قديم صالح ، والوقوف في وجه الجمود والتحجر في العلم ، والفكر ، والأدب ، والصناعة ، وتجديد الحياة ، مادية ومعنوية ، بكل ما يرقى بها وينميها ويطورها .
ومتفقون على ضرورة الإيمان بالله واليوم الآخر ، وأن حاجة الأمة إلى زكاة الأنفس ، وصلاح الضمائر ، واستقامة الأخلاق حاجة أساسية ، كحاجتها إلى الغذاء اليومي .
ومتفقون على الاعتزاز بالإسلام ، باعتباره دين الأغلبية ، واحترام الأديان السماوية لغير المسلمين ، وأن الإسلام للمواطنين منهم ثقافة وحضارة ، وإن لم يكن دينا وعقيدة .
ومتفقون على إقامة نظام سياسي يحقق الشورى ، التي أقام عليها الإسلام قاعدة الحكومة الإسلامية ، وعلى إقرار كل الضمانات ، التي هيأتها الديمقراطية الحديثة للمحافظة على حق الشعوب في اختبار حكامها ومراقبتهم ومحاسبتهم ، وتغييرهم إن ساءوا ، من دساتير مكتوبة مفصلة ، وانتخابات حرة نزيهة ، وصحافة لا تستطيع الحكومة إغلاقها ، ومعارضة قادرة على أن تنصح وتنقد ، بلا خوف من الحاكم وأعوانه .
ومتفقون على إقامة نظام اقتصادي يحقق زيادة الإنتاج ، وعدالة التوزيع ، وترشيد الاستهلاك ، وسلامة التداول ، يعنى بحماية الضعفاء من الأقوياء ، وحقوق الفقراء لدى الأغنياء ، ويقيم تكافلا اجتماعيا ، يجعل الأمة كالبنيان المرصوص .
ومتفقون على ضرورة توفير الأمن لكل إنسان في وطننا ، بحيث لا يخاف على نفسه أو أهله وماله ، أو أي حرمة من حرماته ، وتوفير الحرية له ، دينية أو سياسية أو فكرية أو مدنية ، بما لا يهدم القيم السائدة ، والأصول العامة المتفق عليها في مجتمعنا .
ومتفقون على ضرورة تحرير أوطاننا من كل تبعية أجنبية ، غربية كانت أم شرقية ، عسكرية ، أو اقتصادية ، أو سياسية ، أو ثقافية .
ومتفقون على رفض "الدولة الدينية" بالمفهوم ، الذي عرفه الغرب في العصور الوسطى ، الدولة التي تعادي العلم باسم الدين ، وتقف مع الطغيان ضد الحرية ، ومع الملوك ضد الشعوب ، وتزعم أنها تمثل في الأرض سلطان الله في السماء! ولكننا مع هذا كله نختلف في أمور أساسية ، وقضايا جوهرية يجب أن نجليها ، وخصوصا فيما يحدد العلاقة بين العلمانية والإسلام .
العلمانية والإسلام
العلمانية ـ بالمفهوم الذي شرحناه ـ لا تقف من الإسلام موقفا محايداً .
ولا يمكن أن تكون "محايدة" كما زعم بعض العلمانيين العرب . فهذا بالنسبة للإسلام مستحيل .
إن الإسلام يواجهها بشموله لكل جوانب الحياة الإنسانية : مادية ومعنوية ، فردية واجتماعية ، وهي لا تسلم له بهذا الشمول ، فلا مفر من الصدام بينهما .
إن النصرانية قد تقبل قسمة الحياة والإنسان شطرين : شطر للدين ، وشطر للدولة ، أو بتعبير الإنجيل : شطر لله وشطر لقيصر ، فتعطي ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله! أما الإسلام فيرى الحياة وحدة لا تتجزأ ، ويرى الإنسان كيانا واحدا لا ينفصم ، ويرى أن الله هو رب الحياة كلها ، ورب الإنسان كله ، فلا يقبل قيصر شريكا لله ، فلله ما في السماوات وما في الأرض ، ومن في السماوات ومن في الأرض ، وقيصر وما لقيصر ، كله لله! فلا يجوز أن يستولي على جزء من الحياة ، ويوجهها بعيدا عن هدى الله .
إن الإسلام يأبى إلا أن يوجه الحياة كلها بأحكامه ووصاياه ، وأن يصبغها بصبغته ، وهي صبغة الله ( ومن أحسن من الله صبغة ) ( سورة البقرة : 138 ) ، ويضفي عليها من روحه الصافية ، وهي روح ربانية الغاية ، أخلاقية المنزع ، إنسانية المضمون .
ولا يقبل الإسلام إلا أن يصحب الإنسان ـ بتوجيهه وتشريعه ـ في رحلة الحياة منذ أن يولد ، وإلى أن يموت ، بل قبل أن يولد ، وبعد أن يموت .
ولا يرضى الإسلام أن يكون في الحياة فضلة لا عمدة ، وأن يكون له منها الهامش لا الصلب ، وأن يكون لغيره القيادة ، وعليه الطاعة والاتباع!
إن طبيعة الإسلام أن يكون قائدا لا مقودا ، وسيدا لا مسودا ، لأنه كلمة الله ، "وكلمة الله هي العليا" ولهذا فهو "يعلو ولا يعلى" .
والعلمانية تريد من الإسلام أن يكون تابعا لها ، يأتمر بأمرها ، وينتهي بنهيها ، لا أن يأخذ موقعه الطبيعي والمنطقي والتاريخي ، آمرا ناهيا ، حاكما هاديا .
إنها تباركه وترضى عنه ، إذا بقي محصورا في الموالد والمآتم ، في دنيا الدراويش والمجاذيب ، في عالم الخرافة والأساطير ، أما أن يتحرك ويحرك ، ويوجه الشباب ، ويقود الجماهير ، ويفجر الطاقات ، ويضيء العقول ، ويلهب المشاعر ، ويصنع الأبطال ، ويربي الرجال ، ويضبط مسيرة المجتمع بالحق ، ويقيم بين الناس الموازين القسط ، ويوجه التشريع والثقافة والتربية والإعلام ، ويعلم الناس أن يدعوا إلى الخير ، ويأمروا بالمعروف ، وينهوا عن المنكر ، ويقاوموا الانحراف والفساد ، فهذا ما لا ترضى عنه العلمانية بحال .
تريد العلمانية من الإسلام أن يقنع بركن أو زاوية له في بعض جوانب الحياة ، لا يتجاوزها ولا يتعداها ، وهذا تفضل منها عليه ، لأن الأصل أن تكون الحياة كلها لها ، بلا مزاحم أو شريك!
فعلى الإسلام أن يقنع "بالحديث الديني" في الإذاعة أو في التلفاز!
وأن يقنع "بالصفحة الدينية" في الصحيفة يوم الجمعة .
وأن يقنع "بحصة التربية الدينية" في برامج التعليم العام .
وأن يقنع "بقانون الأحوال الشخصية" في قوانين الدولة .
وأن يقنع "بالمسجد" في مؤسسات المجتمع .
وأن يقنع "بوزارة الأوقاف" في أجهزة الحكومة .
عليه أن يقنع بذلك ، ولا يمد عينيه إلى ما هو أكثر من ذلك ، بل عليه أن يزجى من الشكر أجزله للعلمانية ، التي أتاحت له أن يطل برأسه من هذه النوافذ ، أو تلك الزوايا!
والإسلام ـ بطبيعته ـ يرفض أن يكون له مجرد ركن في الحياة ، وهو موجه الحياة وصانعها . يرفض أن يكون مجرد ضيف على العلمانية ، وهو صاحب الدار!
من هنا يصطدم الإسلام بالعلمانية ، ولابد في أكثر من مجال ، يصطدم بها في كل شعبة من شعب تعاليمه الأربع الرئيسية : العقائد ، والعبادات ، والأخلاق ، والتشريع .
العلمانية والعقيدة
العلمانية لا تجحد الجانب العقدي في الإسلام ، ولا تنكر على الناس أن يؤمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر ، انطلاقا من مبدأ مسلم به عندها ، وهو تقرير الحرية الدينية لكل إنسان ، فه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7788.forumegypt.net
 
الإسلام والعلمانية الجزء الثانى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإسلام والعلمانية الجزء الثالث
» الإسلام والعلمانية الجزء الرابع
» الإسلام والعلمانية الجزء الخامس
» الإسلام والعلمانية الجزء الاول
» الاسلام ظلم المرأة الجزء الثانى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى هديل الحمام :: المنتدى الاسلامى العام-
انتقل الى: