منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى هديل الحمام

منتدى هيسعدك
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
من قال سبحان الله وبحمدة غرست لة نخلة فى الجنة
تذكر ان سبحان الله وبحمدة بها يرزق الخلق
من قال سبحان الله وبحمدة فى يوم 100 مرة حطت خطاياة وان كانت مثل زبد البحر
من افضال سبحان الله وبحمدة ان من قالها مئة مرة كتب لة الله 1000 حسنة ( مسلم)
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
من افضال قولك سبحان الله وبحمدة ان من قالها حط الله عنة سيئة وكتب لة حسنة ورفع لة درجة
وفى صحيح مسلم ان من قال سبحان الله وبحمدة حين يصبح وحين يمسى 100 مرة لم يات احد يوم القيامة بافضل مما جاء بة إلا رجل قال مثل ذلك او اكثر

 

 الإسلام والعلمانية الجزء الثالث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد الزهرى
Admin
احمد الزهرى


عدد المساهمات : 227
نقاط : 19220
تاريخ التسجيل : 31/03/2014
العمر : 34

الإسلام والعلمانية الجزء الثالث Empty
مُساهمةموضوع: الإسلام والعلمانية الجزء الثالث   الإسلام والعلمانية الجزء الثالث Emptyالجمعة أبريل 11, 2014 3:26 pm


وسيجد أن الإسلام لم يعالج القضية الاجتماعية بطريق "الإحسان" ، كما توهم ، وكما فعلت ذلك أديان وفلسفات أخرى .
وقد حلل الأستاذ المرحوم الدكتور إبراهيم اللبان في بحث قيم له ، قدمه لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر : لماذا رفض الإسلام فكرة الإحسان ، ولم يعتمد عليها في رعاية حقوق الفقراء؟
والزكاة ليست ـ بالضرورة ـ علاقة مباشرة بين الغني والفقير ، كما تخيل الكاتب ، بل هي في الأصل تنظيم اجتماعي ، تشرف عليه الدولة ، فتأخذ هذا الحق المالي من الأغنياء لترده على الفقراء ، وهي تنظم ذلك بواسطة جهاز إداري ومالي سماه القرآن "العاملين عليها" ، وجعل أجرهم من ميزانية الزكاة نفسها ، حتى لا تتعطل الفريضة .
ومن هنا تفترق الزكاة في الإسلام ، عن الصدقات في الأديان الأخرى ، افتراقا بينا ، يتمثل في عشرة فروق أساسية ، أقتبسها من كتابي "فقه الزكاة" :
أولا : أن الزكاة الإسلامية لم تكن مجرد عمل طيب من أعمال البر ، وخلة حسنة من خلال الخير ، بل هي ركن أساسي من أركان الإسلام ، وشعيرة من شعائره الكبرى ، وعبادة من عباداته الأربع ، يوصم بالفسق من منعها ، ويحكم بالكفر على من أنكر وجوبها ، فليست إحسانا اختياريا ، ولا صدقة تطوعية ، وإنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام ، الخلقي والشرعي .
ثانيا : أنها ـ في نظر الإسلام ـ حق للفقراء في أموال الأغنياء ، وهو حق قرره مالك المال الحقيقي ، وهوالله تعالى ، وفرضه على من استخلفهم من عباده فيه ، وجعلهم خزانا له ، فليس فيها معنى من معاني التفضل والامتنان من الغني على الفقير ، إذ لا منة لأمين الصندوق ، إذا أمره صاحب المال بصرف جزء من ماله على عياله .
ثالثا : أنها حق معلوم ، قدر الشرع الإسلامي نصبه ، ومقاديره ، وحدوده ، وشروطه ، ووقت أدائه ، وطريقة أدائه ، حتى يكون المسلم على بينة من أمره ، ومعرفة بما يجب عليه ، وكم يجب ، ومتى تجب؟
رابعا : هذا الحق لم يوكل لضمائر الأفراد وحدها ، وإنما حملت الدولة المسلمة مسئولية جبأيتها بالعدل وتوزيعها بالحق ، وذلك بواسطة "العاملين عليها" فهي ضريبة "تؤخذ" وليست تبرعا يمنح . ولهذا كان تعبير القرآن الكريم ( خذ من أموالهم صدقة ) ( سورة التوبة : 103 ) وتعبير السنة أنها "تؤخذ من أغنيائهم" .
خامسا : أن من حق الدولة أن تؤدب ـ بما تراه من العقوبات المناسبة ـ كل من يمتنع من أداء هذه الفريضة . وقد يصل هذا إلى حد مصادرة نصف المال ، كما في حديث "إنا آخذوها وشطر ماله" .
سادسا : أن أي فئة ذات شوكة ، تتمرد على أداء هذه الفريضة ، فإن من حق إمام المسلمين ـ بل من واجبه ـ أن يقاتلهم ، ويعلن عليهم الحرب ، حتى يؤدوا حق الله ، وحق الفقراء في أموالهم . وهذا ما صرحت به الأحاديث الصحيحة ، وما طبقه الخليفة الأول أبو بكر ومن معه من الصحابة الكرام ( رضي الله عنهم ) .
سابعا : أن الفرد المسلم مطالب بأداء هذه الفريضة العظيمة وإقامة هذا الركن الأساسي في الإسلام ، وإن فرطت الدولة في المطالبة بها ، أو تقاعس المجتمع عن رعأيتها ، فإنها ـ قبل كل شيء ـ عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه ، ويزكي بها نفسه وماله ، فإن لم يطالبه بها السلطان ، طالبه بها الإيمان والقرآن . وعليه ـ ديانة ـ أن يعرف من أحكام الزكاة ما يمكنه من أدائها على الوجه المشروع المطلوب .
ثامنا : أن حصيلة الزكاة لم تترك لأهواء الحكام ، ولا لتسلط رجال الكهنوت ـ كما كان الحال في اليهودية ـ ولا لمطامع الطامعين من غير المستحقين ، تنفقها كيف تشاء . بل حدد الإسلام مصارفها ومستحقيها كما في آية ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) ( سورة التوبة : 60 ) وكما فصلت ذلك السنة بدقة ووضوح . فقد عرف البشر من تجاربهم أن المهم ليس هو جباية المال ، إنما المهم هو أين يصرف؟ ولذلك أعلن صلى الله عليه وسلم أن لا يحل له ، ولا لآله منها شيء ، وإنما تؤخذ من أغنياء كل إقليم ، لترد على فقرائه ، فهي منهم وإليهم .
تاسعا : أن هذه الزكاة لم تكن مجرد معونة وقتية ، لسد حاجة عاجلة للفقير ، وتخفيف شيء من بؤسه ، ثم تركه ـ بعد ذلك ـ لأنياب الفقر والفاقة ، بل كان هدفها القضاء على الفقر ، وإغناء الفقراء إغناء دائما ، يستأصل شأفة العوز من حياتهم ، ويقدرهم على أن ينهضوا ـ وحدهم ـ بعبء المعيشة ، وذلك لأنها فريضة دورية منتظمة دائمة المورد ، ومهمتها أن تيسر للفقير قواما من عيش ، لا لقيمات أو دريهمات ، كما فصلنا ذلك في مصارف الزكاة ، من كتابنا "فقه الزكاة" .
عاشرا : أن الزكاة ـ بالنظر إلى مصارفها ، التي حددها القرآن ، وفصلتها السنة ، قد عملت لتحقيق عدة أهداف روحية وأخلاقية واجتماعية وسياسية .
ولهذا تصرف على المؤلفة قلوبهم ، وفي الرقاب ، والغارمين ، وفي سبيل الله ، فهي أوسع مدى ، وأبعد أهدافا من الزكاة في الأديان الأخرى .
وبهذه المميزات يتضح لنا : أن الزكاة في الإسلام نظام جديد متميز ، يغاير ما جاءت به الديانات السابقة ، من وصايا ومواعظ ، ترغب في البر والإحسان ، وتحذر من البخل والإمساك . كما أنها شيء آخر ، يخالف الضرائب والمكوس ، التي كان يجيبها الملوك والأباطرة ، وكانت كثيرا ما تؤخذ من الفقراء ، لترد على الأغنياء ، وتنفق على أبهة الحاكمين وترفهم ، وإرضاء أقاربهم وأنصارهم ، وحماية سلطانهم من الزوال .
على أن الزكاة ليس هي الحق المالي الوحيد في أموال الأغنياء ، بل هو الحق الدوري الثابت ، ولكن في المال حقوقا سوى الزكاة ، تضيق وتتسع بحسب حاجة الفقراء ، وقدرة الأغنياء .
وفي موارد الدولة كلها تتسع لتحقيق الكفاية التامة للفقراء ، حتى يستغنوا وتتهيأ لهم ولأسرهم حياة إنسانية كريمة .
مبدأ الشورى
وأما المبدأ الثاني ، الذي ضربه الدكتور مثلا على شدة عمومية الشريعة ، فهو مبدأ الشورى .
ولا ريب أن الإسلام لم يضع صورا مفصلة للشورى ، ولكنه في القرآن المكي ، الذي يرسي القواعد والأسس للفرد والمجتمع ، جعلها عنصرا أساسيا من عناصر الحياة الإسلامية ، وصفة ثابتة من صفات المجتمع المسلم ، إلى جوار إقامة الصلاة والإنفاق مما رزق الله ( والذين استجابوا لربهم ، وأقاموا الصلاة ، وأمرهم شورى بينهم ، ومما رزقناهم ينفقون ) ( سورة الشورى : 38 ) .
وفي القرآن المدني ، أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( وشاورهم في الأمر ) ( سورة آل عمران : 159 ) . وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمورا بها ، وهو مؤيد بالوحي . فغيره أولى أن يؤمر بها .
يقول الإمام ابن عطية في تفسيره : "الشورى من قواعد الشريعة ، وعزائم الأحكام ، ومن لا يستشير أهل العلم والدين ، فعزله واجب ، ذاك ما لا خلاف فيه" .
وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشاورة لأصحابه ، وكان ينزل عن رأيه إلى رأيهم ، فما لم ينزل عليه فيه وحي ، كما تدل على ذلك وقائع كثيرة ، في غزوة أحد ، وغزوة الخندق وغيرها .
وإذا كان هناك من الفقهاء من قال بأن الشورى معلمة للحاكم ، وليست ملزمة له ، وإنما عليه أن يستمع إلى الآراء ، ثم يتبنى ما يراه أقرب إلى الصواب منها ، وينفذه على مسئوليته ، فإن "تيار الوسطية الإسلامية" ، الذي نتحدث باسمه ، يرى الالتزام بالرأي الآخر ، وهو أن على الحاكم أن يستشير وجوبا ، ثم ينفذ ما تراه الأكثرية ، إن لم يكن الإجماع .
وقد وضع عمر ( رضي الله عنه ) مبدأ الأخذ بالأكثرية في قضية الستة أصحاب الشورى ، حتى في حالة التساوي ـ ثلاثة إلى ثلاثة ـ اقترح عليهم مرجحا من الخارج هو "عبد الله بن عمر" ، فإن لم يرتضوه ، رجح الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف .
وفي كتابي "الحل الإسلامي فريضة وضرورة" رددت على الذين يقولون بأن الشورى غير ملزمة لأولي الأمر ، مرجحا الإلزام بأدلة واعتبارات ، أظهرها :
1 . أن هذا يتفق مع ما قرره فقهاء الأمة من تسمية أعضاء شورى المسلمين "أهل الحل والعقد" فإذا كان رأيهم غير ملزم ، ويمكن أن يضرب به عرض الحائط ، فماذا يحلون ويعقدون؟! وقد فسر "أولو الأمر" في قوله تعالى : ( وأولى الأمر منكم ) بهؤلاء ، فهم الذين يختارون الحاكم أو الأمير ، وهم الذين يراقبونه وهم الذين يعزلونه .
2 . ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد من الخروج إلى المشركين ، نزولا على رأي الأغلبية المتحمسة ، وما فعله عمر في قضية الستة أصحاب الشورى ، من التزام رأي الأكثرية العددية ، واعتبار عبد الله بن عمر مرجحا إذا افترقوا إلى ثلاثة وثلاثة . . الخ ، وإقرار الصحابة لذلك ، كل ذلك دليل على أن الشورى ملزمة ، وأن رأي الأغلبية معتبر .
3 . ما ذكره ابن كثير في تفسيره ، نقلا عن ابن مردويه ، عن علي مرفوعا ، في تفسير العزم في قوله تعالى ( وشاورهم في الأمر ، فإذا عزمت فتوكل على الله ) ( آل عمران : 159 ) قال : العزم مشاورة أهل الرأي ، ثم اتباعهم" .
4 . إن الاستشارة من غير التزام برأي المشيرين ، ولو كانوا جمهور الأمة ، أو أهل الحل والعقد فيها ، يجعل الشورى شبه "مسرحية" يضحك الحاكم المتسلط بها على الناس ، ثم ينفذ ما في رأسه هو!
5 . أن تاريخ الإسلام في الماضي البعيد والحاضر القريب ، ينطق بأن الاستبداد بالرأي هو الذي قوض دعائم القوة والخير ، في حياة المسلمين ، وجرأ الطغاة على أن يبعثوا بمقدرات الأمة ، كما يشاءون ، دون أن يخشوا شيئا ، أو توجه إليهم كلمة ، لأنهم غير ملزمين بمشورة أحد أو رأيه!
6 . أن الإنسان ـ بطبيعته ـ ظلوم جهول ، ورأي الفرد لا يؤمن انحرافه ، لغلبة الهوى ، فيظلم ، أو غلبة الجهل فيضل ، ولهذا كان رأي الاثنين أقرب إلى الصواب ، وإلى العدل والعلم ، من رأي واحد ، وإن كان الخطأ من الجميع محتملا .
7 . أن الأغلبية التي تشير بالرأي ، تتحمل مسئوليته ، وتتقبل نتائجه أيا كانت ، وهذا ما يجعل الأمة شريكة الحاكم ، في الصواب والخطأ ، والخير والشر ، ويغرس فيها معاني القوة والكرامة ، والإحساس بالذات ، ويدربها على أن تقول : "لا" بملء فيها ، وتلزم بها .
8 . أن الالتزام بشورى الأغلبية ، وإن كان فيه خلاف ، ينبغي أن يكون موضع اتفاق اليوم ، إذا تراضت عليه جماعة ما ، وتشارطوا على الأخذ بهذا الرأي ، فهنا يرتفع الخلاف ، ويصبح واجبا على الجميع أن ينفذوه ، لأنه نوع من الوفاء بالعهود ، التي أمر الله برعأيتها ، وفي الحديث "المسلمون عند شروطهم" .
أما عدم وضع الصيغ التفصيلية ، فذلك لحكمة ، ذكرها حكماء الإسلام في هذا العصر ، يقول العلامة رشيد رضا ( رحمه الله ) في تفسير آية ( وشاورهم في الأمر ) من سورة آل عمران ، "الحكم والأسباب التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم لم يضع نظاما مفصلا للشورى ، جملة أسباب :
منها أن هذا الأمر يختلف باختلاف أحوال الأمة الاجتماعية ، في الزمان والمكان ، وكانت تلك المدة القليلة ، التي عاشها صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ، مبدأ دخول الناس في دين الله أفواجا ، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذا الأمر سينمو ويزيد ، وأن الله سيفتح لأمته الممالك ، ويخضع لهم الأمم وقد بشرها بذلك ، فكل هذا كان مانعا من وضع قاعدة للشورى ، تصلح للأمة الإسلامية في عام الفتح ، وما بعده من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي العصر الذي يتلو عصره ، إذ تفتح الممالك الواسعة ، وتدخل الشعوب التي سبقت لها المدنية في الإسلام ، أو في سلطان الإسلام ، إذ لا يمكن أن تكون القواعد الموافقة لذلك الزمن صالحة لكل زمن ، والمنطبقة على حال العرب في سذاجتهم ، منطبقة على حالهم بعد ذلك ، وعلى حال غيرهم ، فكان الأحكم أن يترك صلى الله عليه وسلم وضع قواعد الشورى للأمة ، تضع منها ، في كل حال ، ما يليق بها بالشورى .
ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لو وضع قواعد مؤقتة للشورى ـ بحسب حاجة ذلك الزمن ـ لاتخذها المسلمون دينا ، وحاولوا العمل بها في كل زمان ومكان ، وما هي من أمر الدين . ولذلك قال الصحابة في اختيار أبي بكر حاكما : رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ، أفلا نرضاه لدنيانا؟! فإن قيل : كان يمكن أن يذكر فيها أنه يجوز للأمة أن تتصرف فيها عند الحاجة بالنسخ أو التغيير والتبديل ، نقول : إن الناس قد اتخذوا كلامه صلى الله عليه وسلم في كثير من أمور الدنيا دينا ، مع قوله : "أنتم أعلم بأمر دنياكم" رواه مسلم . وقوله "ما كان من أمر دينكم فإلي ، وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به" رواه أحمد . وإذا تأمل المنصف المسألة حق التأمل ، وكان ممن يعرف حقيقة شعور طبقات المؤمنين من العامة والخاصة في مثل ذلك ، يتجلى له أنه يصعب على أكثر الناس أن يرضوا بتغيير ، وضع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة ، وإن أجاز لها تغييره ، بل يقولون : إنه أجاز ذلك تواضعا منه ، وتهذيبا لنا ، حتى لا يصعب علينا الرجوع عن آرائنا ، ورأيه هو الرأي الأعلى في كل حال" .
تفسير البشر وتطبيقهم للشريعة ، لا ينفي إلهيتها
وأما السبب الثاني ، الذي اعتمد عليه د . زكريا ، ليقول : إننا لسنا إزاء اختيار بين حكم إلهي وحكم بشري ، فهو أن النص الإلهي لا يفسر نفسه بنفسه ، ولا يطبق نفسه بنفسه ، وإنما يفسره البشر ، ويطبقونه ، وفي عملية التفسير والتطبيق البشري هذه ، تتدخل كل أهواء البشر ومصالحهم وتحيزاتهم . . . الخ .
ولك أن تعجب أيها القارئ ، ما شاء لك العجب ، من هذا المنطق القائم على المغالطة المكشوفة .
فالتفسير لأي نص كان ، تحكمه أصول تضبطه ، من اللغة والعرف والعقل والنقل .
فكيف بنص إلهي معجز ، بالغ ذروة البيان والتيسير للذكر والفهم؟ ( تلك آيات الكتاب المبين ، إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) ( سورة يوسف : 1 ، 2 ) ( فإنما يسرناه بلسانك ، لعلهم يتذكرون ) ( سورة الدخان : 58 ) ( ولقد يسرنا القرآن للذكر ، فهل من مدكر؟ ) ( سورة القمر : 17 ) .
إن معنى كلام أستاذ الفلسفة أن الإلهي ينقلب بشريا ، بمجرد تفسيره وتطبيقه من البشر : أنه لا فائدة من أن ينزل الله كتابا لهداية البشر ، ولا أن يلزمهم بمنهج يتبعونه ، ولا بأحكام يأتمرون بأوامرها ، وينتهون بنواهيها ، لأن هذا كله سيفقد ربانيته وأصله الإلهي ، إذا فسره البشر وطبقوه ، ولابد أن يفسره البشر ويطبقوه!!
أهذا كلام يا أولي الألباب؟! لماذا أنزل الله كتبه ، وبعث رسله إذن؟! لماذا قال الله عن كتابه ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ( سورة الإسراء : 9 ) ؟! لماذا قال : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) ( سورة المائدة : 49 ) ؟!
أإذا قال الله تعالى : ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم ، إن لم يكن لهن ولد ، فإن كان لهن ولد ، فلكم الربع مما تركن ، من بعد وصية يوصين بها ، أو دين ولهن الربع مما تركتم ، إن لم يكن لكم ولد ، فإن كان لكم ولد ، فلهن الثمن مما تركتم ، من بعد وصية توصون بها ، أو دين ) ( سورة النساء : 12 ) وفسرنا هذه الآية ، أو هذا الجزء من الآية بما هو معروف في كتب التفسير والفرائض ، وطبقناها بما هو معلوم ، في قوانين الأسرة أو الأحوال الشخصية ، تكون هذه الأحكام قد فقدت نسبها إلى الله ، الذي شرعها وأنزلها في كتابه المبين؟!؟!
ولنأخذ مثلا آخر من النصوص ، التي تحتمل أوجها من التفسير في جزئياتها ، يقول الله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، جزاء بما كسبا ، نكالا من الله والله عزيز حكيم ) ( سورة المائدة : 38 ) .
هذا النص القرآني ، جاءت السنة ، فحددت بعض معانيه ، ووضحتها ، حددت المراد بالسارق ، الذي تقطع يده ، وأنه من يسرق من حرز ، فلا قطع على من أخذ من الحقل ، وأنه من يسرق لغير حاجة ، فلا قطع على من سرق طعاما لأكله ، وأنه من يسرق مالا له قيمة ، فلا قطع ، فيما دون نصاب معين .
كما بينت أن القطع يكون من عند الرسغ ، وأن الحدود تدرأ بالشبهات ، وأن للإمام أن يدرأ الحد بالتوبة .
ولاشك أن بعض هذه الأحكام ، تختلف باختلاف الزمان والمكان والحال ، ولهذا اختلفت فيها المذاهب ، وتعددت الأقوال ، وفي هذا سعة ورحمة ، ولكن يبقى الأصل ، الذي لا نزاع فيه ، وهو وجوبالقطع ، عندما تستوفى الجريمة أركانها وشروطها ، وتنتفي الشبهة عنها ، وفي هذا ورد الحديث المتفق عليه "وايم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ، لقطعت يدها" متفق عليه .
وقد أطال د . فؤاد زكريا الكلام في هذا الموضوع ، وكرره يحسب أنه بالإلحاح والتكرار ، يجعل من باطله حقا ، وهيهات .
إن لله أحكاما وشرائع ، جاء بها كتابه ، وبينها رسوله ، وطبقها خلفاؤه ، وفصلها فقهاء الأمة ، وعمل بها المسلمون قرونا متطاولة ، قبل أن يدخل الاستعمار أرض الإسلام ، اتفقوا على بعضها ، واختلفوا في بعضها ، ولكنهم لم يختلفوا يوما في أن لله شريعة ، يجب أن تحكم ، وأحكاما يجب أن تطاع ، ومنهاجا يجب أن يتبع ، وأنهم إذا لم يتبعوا حكم الله ، سقطوا في حكم الجاهلية ( أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما ، لقوم يوقنون؟ ) ( سورة المائدة : 50 ) .
وهذا الإجماع التاريخي ، يؤيده اليوم إجماع جماهيري من أبناء الأمة الإسلامية ، بوجوب الرجوع إلى شريعة الله ، وتحكيمها كما أمر الله ، والتحرر من شرائع الطاغوت ، أو الاستعمار ، التي فرضها أيام سطوته وسلطانه على الأرض ، والناس في ديار الإسلام .
فأين يهرب الدكتور وأين المفر؟ من إجماع الأمس أو إجماع اليوم؟ ( كلا لا وزر ، إلى ربك يومئذ المستقر ) ( سورة القيامة : 11 ، 12 ) .
ويقول الدكتور : إنني أجد تعبير "الحكم الإلهي" تعبيرا متناقضا ، لأن البشر هم ـ دائما ـ الذي يحكمون ، وهم الذين يحولون أية شريعة إلهية إلى تجربة بشرية ، تماما كما يطبق الحاكم ـ في الغالبية الساحقة من الحالات ـ أحكام الدستور ، ويفسرها على النحو الذي يخدم أغراضه ومصالحه .
ونقول للدكتور : إنك لو حددت مفاهيم الألفاظ كما ينبغي ، ما وجدت مجالا للتناقض ، بأي وجه من الوجوه .
فالحكم الإلهي ـ وهو التعبير الذي تختاره أنت ـ لا يعني السلطة الإلهية ، إنما يعني التشريع الإلهي الأصول ، بما فيه من قطعي وظني ، ومتفق عليه ، ومختلف فيه . أما السلطة فهي للبشر ، فهم الذين يحكمون وينفذون .
وقد ذهب قوم من الخوارج ـ قديما ـ إلى إنكار حكم البشر ، حين أنكروا على الإمام علي ( رضي الله عنه ) قبول التحكيم بينه وبين معاوية ، فقالوا كلمتهم الشهيرة : "لا حكم إلا لله" فكان تعليق علي ( كرم الله وجهه ) الشهير أن قال : "كلمة حق ، يراد بها باطل"!
وقد حاورهم ابن عباس ، مبينا أن تحكيم البشر أمر لا مفر منه ، وهو ما جاء به القرآن في أبسط الأمور ، مثل التحكيم في الخلاف بين الزوجين ، ( فابعثوا حكما من أهله ، وحكما من أهلها ) ( سورة النساء : 35 ) والتحكيم في جزاء قتل صيد الحرام ( يحكم به ذوا عدل منكم ) ( سورة المائدة : 35 ) .
فليس معنى الرجوع إلى "الحكم الإلهي" أن الله جل شأنه هو الذي يحكم بذاته ، أو ينزل ملائكة يحكمون الناس ، إنما معناه الرجوع إلى شرع الله تعالى ، بإحلال ما أحل ، وتحريم ما حرم ، وإيجاب ما أوجب ، واستحباب ما أحب ، والائتمار بما أمر ، والانتهاء عما نهى ، والوقوف عند حدوده ( ومن يبتعد حدود الله ، فأولئك هم الظالمون ) ( سورة البقرة : 229 ) .
التكرار الممل
على أن تيار الوسطية الإسلامية ، يستخدم كلمة "الحكم الإسلامي" لا "الحكم الإلهي" حتى لا يساء تفسيرها خطئا أو عمدا ، كما يفعل الدكتور زكريا ، محامي العلمانية .
وها نحن نراه ـ على عادته في الإلحاح على الدعاوى الباطلة ، وتكرار الحديث عنها بأسلوب أو بآخر ، عسى أن تعلق ببعض الأذهان من طول تكرارها ـ يعود إلى موضوع التشكيك في مصدرية الشريعة ، وفي أن أصولها من عند الله ، فيردها إلى البشر ، وينكر نسبها الإلهي ، مخالفا بذلك العقل والنقل ، والتاريخ والواقع ، كأن الله لم يبعث بها رسولا ، ولم ينزل بها كتابا .
يقول فؤاد زكريا في مقدمة كتابه عن "الحركة الإسلامية" :
"إن دعاة تطبيق الشريعة ، يرددون عبارات ذات تأثير عاطفي هائل على الجماهير ، ونتيجة لهذا التأثير العاطفي ، تمر هذه العبارات دون أن يتوقف أحد لمناقشتها ، وتتناقلها الألسن محتفظة بمحتواها الهلامي ، حتى تشيع بين الناس ، كأنها حقائق نهائية ثابتة ، مع أنها في ضوء التحليل العقلي ، عبارات مليئة بالغموض والخلط ، قال : وسأكتفي من هذه العبارات باثنتين : الحكم الإلهي في مقابل الحكم البشري ، وصلاحية أحكام الشريعة لكل زمان ومكان" .
أما القضية الأولى ، وهي الحكم الإلهي في مقابل الحكم البشري ، فنحن نعترض على هذا التعبير ، الذي يصر عليه الكاتب ويكرره ، فنحن إنما ندعو إلى الحكم الإسلامي وهو حكم يقوم به البشر ، مستندين إلى الشرع الإلهي . فالحكم للبشر ، والشريعة من عند الله .
فما بال الدكتور لا يستعمل إلا عبارة "الحكم الإلهي" التي توحي بأنه حكم يقوم على دعوى "الحق الإلهي" وأنه حكم "الكهنة" الذين يتحكمون في ضمائر الناس ، وما حلوه في الأرض ، فهو محلول في السماء؟!
إن السر في اختيار هذا التعبير "الحكم الإلهي" ما ذكره الكاتب نفسه في موقف مشابه : أنه تحريف يهدف إلى خلق خصم وهمي ، حتى يسهل توجيه النقد إليه .
ولقد أحسن الكاتب اللامع المعروف الأستاذ فهمي هويدي ، حين كتب في صحيفة الأهرام "14/10/1986" تحت عنوان "أكذوبة الحكم الإلهي" فقال :
"تعرضت فكرة الدولة الإسلامية لعملية اغتيال معنوي ، باشرها العلمانيون المتطرفون ، واستخدموا فيها ـ غير الاجتراء والافتراء ـ مختلف أساليب التدليس والتزوير ، إذ حاولوا أن يثبتوا في الأذهان ، أنها دعوة إلى "الحكم الإلهي" محملة بكل شرور تلك الصفحة السوداء من تاريخ التجربة الأوروبية في العصور الوسطى ، وفي مختلف كتاباتهم وحواراتهم ، فإنهم ما انفكوا يدسون على عقولنا أفكارا وصياغات ، تضفي على التطبيق الإسلامي مختلف صفات الكراهية والنفور ، فهو عندهم يتلبس الحق الإلهي ، ويباشر بدعوى التفويض من الله ، ويتخفى بقناعات العصمة والقداسة ، ويحيل الحكم إلى كهنوت ، يحتكره القابضون على "أسرار" الشريعة ، القائمون على السلطة الدينية ، وهم في ذلك كله ، ما فتئوا يحتجون علينا بتاريخ ، لم ينبت لنا في أرض ، ويخوفوننا بعفاريت ، لم تدخل لنا بيتا ، ويصطنعون أوهاما وكوابيس ، ما أنزل الله بها من سلطان ، لا في ماضي المسلمين ، ولا في فكرهم ، ولا في تعاليم دينهم" .
على أننا إذا تساهلنا ، وقبلنا تعبيره عن الحكم الإسلامي المنشود ، بالحكم الإلهي فماذا يقول : في رده؟
إنه يذكر : أن مهمة الحكم ، أصبحت بشرية وستظل بشرية ، حتى لو كانت الأحكام ، التي يرجع إليها إلهية ، فإن وجود النصوص الإلهية ، لا يحول دون تدخل العنصر البشري ، في اختيار النصوص ، وتفسيرها بما يرضي مصالح الحكم .
يريد د . زكريا أن يثبت عدم جدوى النصوص الإلهية ، مادام البشر ، هم الذين يفسرونها وهم الذين يطبقونها .
ويضرب الدكتور هنا مثلا ـ للتدليل على دعواه ـ بالدستور ، والمبادئ الدستورية ، واستطاعة الحكام أن يتلاعبوا بها ، ويضربوا بها عرض الحائط "فأسمى المبادئ الدستورية ـ كما يقول ـ لا يحول دون قيام حاكم طاغية باضطهاد رعيته ، ونشر الرعب والظلم بينهم ، وبالمثل فإن أرفع التشريعات السماوية لا تمنع ـ ولم تمنع طوال التاريخ ـ من وجود حكام مستبدين ، يتلاعبون بها كما يشاءون ، ويفسرونها على هواهم" .
ونقول للدكتور زكريا : إنك ـ دائما ـ تستدل بما ينقلب في النهاية عليك ، فإن تلاعب الحكام بالدستور ، وبالمبادئ الدستورية ، وتفسيرها على هواهم ، ليس مبررا ـ أبدا ـ للمناداة بإلغاء الدساتير ، بل إن الشعوب ودعاة الحرية ـ دائما ـ يخوضون معركة بعد معركة ، من أجل الدستور ، يجاهدون ليعود الدستور ، إذا ألغى ، ويجاهدون لحمايته ، إذا عاد ، حمايته من سوء التفسير ، ومن سوء التطبيق ، وسوء الاستغلال .
صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان
يضيق د . فؤاد زكريا بعبارتين ، يغص بهما كلما قرأهما في كتاب ، أو سمعهما من محاضر ، وهو يزعم أن لهما تأثيرا عاطفيا هائلا على الجماهير ، ولكنها لا تثبتان للمناقشة العقلية! والحمد لله ، قد ناقشناه في أولاهما ـ وهي ربانية الشريعة ، ونسبتها إلى الله ـ بما كشف عن تهافت أدلته ، وسقوط حجته .
أما العبارة الثانية ، التي يضيق بها صدر محامي العلمانية ، فهي "صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان" .
يقول الكاتب : أنا أشك ـ كثيرا ـ في أن يكون هناك نص ديني مباشر ، يحمل المعنى ، الذي تفهم به هذه العبارة ، لدى القائلين بها ، وأعتقد أن التفكير في هذه العبارة بشيء من التعمق ، يكشف فيها عن تناقضين أساسيين :
الأول : يرجع إلى أن الإنسان كائن متغير ، ومن ثم ينبغي أن تكون الأحكام ، التي تنظم حياته متغيرة ، والحق أن تغير الإنسان حقيقة أساسية ، لا يستطيع إنسان يحترم عقله وعلمه أن ينكرها ، وحقيقة التغير هذه تحتم أن تكون القواعد ، التي يخضع لها متغيرة بدورها ، فالعقل البسيط والمباشر ، يأبى أن يكون هناك ، في المجال البشري ما يصلح لكل زمان ومكان ، مادام الإنسان ذاته قد طرأت عليه تغيرات أساسية في الزمان ، منذ العصر الحجري حتى عصر الصواريخ ، كما طرأت عليه تغيرات جوهرية في المكان ، ما بين بيئة الجزر الاستوائية البدائية ، وبيئة المدن الصناعية الشديدة التعقيد .
أما التناقض الثاني : الذي يتصل بالأول اتصالا وثيقا ، فهو أن التفسير المباشر لعبارتهم هذه وهو التفسير الأكثر تداولا بينهم ، يعني الحجر على الإنسان والحكم عليه بالجمود الأبدي ، فالمعنى المباشر لعبارتهم هذه هو أن الله قد وضع للناس ، في وقت ما ، سننا ينبغي عليهم أن يسيروا وفقا لها ، إلى أبد الدهر ، وأقصى ما يمكنهم أن يتصرفوا فيه هو أن يجددوا في تفسير هذا النص أو تأويل ذاك ، ولكن الخطوط العامة لمسار البشرية اللاحق كله ، مرسومة ومحددة .
والتناقض هنا يكمن في أن أصحاب هذا الفهم يؤكدون في الوقت ذاته ، أن الله قد استخلف الإنسان في الأرض ، وكرمه على العالمين ، فهل يتمشى هذا التكريم والاستخلاف مع تحديد المسار البشري مقدما ، ووضع قواعد يتعين على الإنسان ألا يخرج عنها ، مهما تغير وتطور؟ هل يمكن أن يلجأ الأب الحريص على رعاية أبنائه وسلامة نموهم العقلي والنفسي ، إلى وضع قواعد ثابتة وأوامر محددة ، لا يحيدون عنها طوال حياتهم؟"
والحق أني ما رأيت مثل الكاتب المذكور في اجترائه على التشكيك في الحقائق القاطعة ، يريد أن يحيلها إلى أمور محتملات ، قابلة للأخذ والرد ، والجذب والشد .
وهذه لعبة ماكرة من لعب العلمانيين وخصوم الإسلام ، يحاولون جر الإسلاميين إلى التسليم بها ، فتنقلب القطعيات إلى ظنيات ، والمحكمات إلى متشابهات .
ومن هذا المنطلق ، يشكك الكاتب في وجود نص ديني مباشر ، يدل على صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان .
يا عجبا! هل يحتاج مثل هذا الأمر الخطير إلى نص جزئي؟! إن هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة ، وإلا فما معنى أن النبوة ختمت بمحمد ، وأن الكتب ختمت بالقرآن ، وأن الشرائع ختمت بالإسلام؟!
إذا قال الله تعالى : ( كتب عليكم الصيام ) ( سورة البقرة : 183 ) ، أو ( كتب عليكم القصاص ) ( سورة البقرة : 178 ) أو ( اتقوا الله ، وذروا ما بقي من الربا ) ( سورة البقرة : 278 ) ، ( يوصيكم الله في أولادكم ، للذكر مثل حظ الأنثيين ) ( سورة النساء : 11 ) ، هل أنزل هذه الأحكام لجيل أو جيلين أو ثلاثة ، ثم يأتي من بعدهم فينسخون ما شرع الله بأهوائهم ، ويقولون : هذا قد انتهى أمده؟!
وعند أي جيل تتوقف أحكام الشريعة؟! وما الذي يفرق جيلا عن جيل؟!
إن الأصل في أوامر الله وأحكامه هو الثبات والبقاء ، حتى ينسخها الله ذاته بشرع آخر ، إذ لا يملك بشر سلطة فوق سلطة الله ، حتى يلغي أحكامه . ولا شرع لله بعد محمد صلى الله عليه وسلم .
إن شريعة الإسلام عامة خالدة ، هذا من القطعيات الضرورية ، ولكن الدكتور ـ بذكائه ودهائه ـ كثيرا ما يدفعنا إلى توضيح الواضحات ، والتدليل على الضروريات!
فلنعد إلى مناقشة ما اتكأ عليه من شبهات ، يستدل بها على دعواه العريضة .
استدلالات منقوضة
اعتمد د . زكريا في رفضه لصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ، على أمرين أثبتناهما ، بعبارته بحروفها ، حتى لا نتجنى عليه .
خلاصة الأمر الأول : أن الإنسان جوهره التغير ، فلا تصلح له شريعة جوهرها الثبات .
وهنا أقول للكاتب : لقد أخطأت في القضيتين كلتيهما ، فلا الإنسان جوهره التغير ، ولا الشريعة جوهرها الثبات .
حقيقتان كبيرتان
وقبل أن أبين خطأ الكاتب في دعوييه ، أريد أن ألفت النظر هنا إلى حقيقتين كبيرتين :
الأولى : أن منطق الإيمان يرفض رفضا كليا مناقشة ما أثاره الدكتور من دعاوى . فالمسلم الذي رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وبالقرآن إماما ، لا يتصور منه أن يناقش مبدأ صلاحية الأحكام ، التي شرعها له ربه وخالقه ، لهدايته وتوجيهه إلى التي هي أقوم ، لأن معنى هذا أن المخلوق يتعالم على الخالق ، وأن العبد يستدرك على ربه ، وأنه أعرف بنفسه ، وبالكون ، وبالحياة من حوله ، من صانع الكون ، وواهب الحياة ، وبارئ الإنسان .
فالمسلم لا يناقش ـ بحال ـ مبدأ صلاحية الشريعة ، أو النصوص الإلهية للتطبيق والعمل في كل زمان ومكان ، لأن هذا يعني مراجعته للإسلام ذاته ، أهو من عند الله أم لا؟ وهذا أمر قد فرغ منه كل من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، أيقن بها قلبه ، ونطق بها لسانه .
إنما يناقش المسلم في بعض الأحكام والجزئيات ، هل هي من عند الله أم لا؟ هل صحت نسبتها إلى الله ، بأن جاءت في محكم كتابه ، أو ثبتت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؟
وإذا ثبت النص أمكن مناقشة ما استنبط منه من حكم ، أهو من القطعيات المجمع عليها ، أم من الظنيات القابلة للاحتمال والاختلاف؟
والحقيقة الأخرى : كنت نبهت عليها من أكثر من عشرين سنة ، وهي ما يريده خصوم الإسلام من تشكيك في المسلمات المعلومة بالضرورة من دين الإسلام ، وذكرت ذلك في كتابي "فتاوى معاصرة" مبينا أن هناك مؤامرة فكرية ، تريد تذويب الحدود بين القطعيات والظنيات . وقلت : في الرد على المتلاعبين ، الذين يحاولون أن يشككوا في تحريم أم الخبائث :
"إن من أعظم الفتن تحويل الأمور القاطعة إلى أمور محتملة ، وجعل الأمور المجتمع عليها ، أمورا مختلف فيها ، وهذا يصدق بوضوح على تحريم الخمر ، الذي أجمعت عليه الأمة الإسلامية جيلا بعد جيل ، وأصبح معلوما من دين الإسلام بالضرورة ، بحيث لا يحتاج إلى مناقشة ولا دليل ، كوجوب الصلاة ، والزكاة ، وكحرمة الزنا ، والربا .
ومن الخطر أن ننقاد غافلين للهدامين ، الذين يريدون أن يجعلوا كل شيء في الدين ـ حتى الأصول والضروريات ـ محل بحث وجدال ، وقيل وقال ، وقد أجمع العلماء على أن من أنكر أمر معلوما من الدين بالضرورة ، ولم يكن حديث عهد بالإسلام ، ولا ناشئا ببادية أو ببلد بعيد عن دار الإسلام ، فإنه يكفر بذلك ، ويمرق من الدين ، وعلى الإمام أن يطلب منه التوبة والإقلاع عن ضلاله ، وإلا طبقت عليه أحكام المرتدين" .
ولهذا كان الأصل ألا أشتغل بالرد على دعاوى الدكتور ف . زكريا ، بالتشكيك في المسلمات القطعية عند المسلم ، ولكني تنازلت عن موقعي الأصلي ، واشتغلت بالرد "تبرعا" كما يقول علماء البحث والمناظرة في تراثنا ، ومن باب "إرخاء العنان للخصم" كما في قوله تعالى ( قل : إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) ( سورة الزخرف : 81 ) وقوله ( وإنا أو إياكم لعلى هدى ، أو في ضلال مبين ) ( سورة سبأ : 24 ) .
الإنسان بين الثبات والتغير
بعد هذا البيان الواجب ، أعود متبرعا للرد على مقولة محامي العلمانية : "أن الإنسان متغير ، والشريعة ثابتة" وهو ما قلت : إنه أخطأ الصواب فيه في القضيتين معا .
أما الإنسان فليس صحيحا أن جوهره التغير ، ويؤسفني أن يصدر هذا من أستاذ فلسفة! إن من يقول ذلك ينظر إلى الإنسان نظرة العوام ، الذين يكتفون من الأمور بما يطفو على السطح ، ولا تنفذ بصائرهم إلى الأعماق ، وتتركز أعينهم على الأعراض ، ولا يخلصون إلى الجوهر .
قد ينظر هؤلاء إلى إنسان اليوم ، وقد قرب البعيد ، وانطق الحديد ، وحطم الذرة ، ووصل إلى القمر ، وزرع القلوب التي في الصدور ، والأعين التي في الرؤوس ، وأحدث ثورة في البيولوجيا ، وصنع العقل الإلكتروني "الكمبيوتر" ويوازنون بينه وبين الإنسان ، الذي لم يكن يملك غير رجليه يمشي عليهما ، أو دابة يركبها ، أو مركبا شراعيا يستوي عليه ، تتقاذفه الرياح والأمواج ، ولم يكن يستطيع علاج نفسه ، إلا بالأعشاب والكي بالنار .
أجل ، قد ينظر هؤلاء إلى إنسان الأمس وإنسان اليوم ، ويقولون : ما أعظم ما تغير الإنسان!
ولكن بالرغم من هذا التغير الهائل ، الذي حدث في دنيا الإنسان ، هل تغيرت ماهيته؟ هل تبدلت حقيقته؟ هل استحال جوهر إنسان العصر الذري عن جوهر إنسان العصر الحجري؟ هل يختلف إنسان أواخر القرن العشرين الميلادي عن إنسان ما قبل التاريخ؟
أسأل عن جوهر الإنسان ، لا عما يأكله الإنسان ، أو عما يلبسه الإنسان ، أو عما يسكنه الإنسان ، أو عما يركبه الإنسان ، أو عما يستخدمه الإنسان ، أو عما يعرفه الإنسان من الكون من حوله ، أو عما يقدر عليه من تسخير طاقاته لمنفعته .
لقد تغير ـ بالفعل ـ أكبر التغير مأكل الإنسان ، وملبسه ، ومسكنه ، ومركبه ، وآلاته ، وسلاحه ، كما تغيرت معرفته للطبيعة ، وإمكاناته لتسخيرها ، ولكن الواقع أن الإنسان في جوهره وحقيقته بقي هو الإنسان ، منذ عهد أبي البشر آدم إلى اليوم ، لم تتبدل فطرته ، ولم تتغير دوافعه الأصلية ، ولم تبطل حاجاته الأساسية ، التي كانت مكفولة له في الجنة ، وأصبح عليه بعد هبوطه منها أن يسعى لإشباعها ، وهي التي أشار إليها القرآن في قصة آدم : ( أن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) ( سورة طه : 119 ) .
إن إنسان القرن العشرين أو الحادي والعشرين ، أو ما بعد ذلك ، لا يستغني عن هداية الله المتمثلة في وصاياه وأحكامه ، التي تضبط سيره ، وتحفظ عليه خصائصه ، وتحميه من نفسه وأهوائها .
سيظل الإنسان في حاجة إلى العقيدة ، التي تعرفه بسر وجوده ، وإلى العبادات ، التي تغذي روحه ، وتصله بربه ، وإلى الأخلاق والفضائل التي تزكي نفسه ، وتقوم سلوكه ، وإلى الشرائع العملية التي تقيم الموازين القسط بينه وبين غيره .
سيظل الإنسان ـ وإن صعد إلى القمر ، أو ارتقى إلى المريخ ـ في حاجة إلى قواعد ربانية تضبط مسيرته ، وتحكم علاقته ، تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وتحل له الطيبات ، وتحرم عليه الخبائث ، تلزمه بعمل ما ينفعه ، وتجنب ما يضره ، تأمره بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر والبغي .
سيظل الإنسان في حاجة إلى تحريم الربا ، وتحريم الخمر والميسر ، وتحريم الزنى والشذوذ ، وتحريم السرقة والرشوة ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وتحريم الظلم بكل صوره وأنواعه .
سيظل الإنسان في حاجة إلى توثيق صلته بربه بإقام الصلاة ، وصلته بالناس من حوله ، وإيتاء الزكاة ، وصلته بالكون بالبحث ، والعمارة للأرض .
سيظل الإنسان في حاجة إلى رادع يردعه ، إن هو تعدى حدود الله ، أو عدا على حقوق الناس ، في أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم ، وصعود الإنسان إلى الكواكب ، وغزوه للفضاء ، لا يعفيه من العقوبة ، بل ربما يؤكدها ، لأن النعم التي تغمره من قرنه إلى قدمه ، والأمكانات المسخرة له بأمره ربه ، لا تجعل له عذرا ، بل توجب عليه مزيدا من الشكر لربه ، والإحسان إلى خلقه .
إذا ثبت هذا ، فلا معنى لقول الكاتب : "إن العقل ، الذي توصل إلى أن الإنسان كائن ، جوهره التغير ، ليس من صنع الشيطان ، وعلى القائلين بصلاحية النصوص لكل زمان ومكان ، أن يعترفوا بأن العقل الذي خلقه الله للبشر ، والعلم الذي حضهم عليه ، ودعاهم إلى التزود به ، هو نفسه الذي كشف عن حقيقة التغير الأساسية ، التي لا تفلت منها أية ظاهرة بشرية" . زين الكاتب غلاف كتابه بهذه العبارة مزهوا بها ، وكأنه اكتشف حقيقة كانت غائبة .
والحق أن الكاتب ـ على عادته ـ دائما ـ لا يستدل بشيء يتوهمه حجة دامغة ، إلا انقلب في النهاية عليه ، لأن حجه كلها ـ إذا تساهلنا في تسميتها حججا ـ أوهى من بيت العنكبوت ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ، لو كانوا يعلمون ) ( سورة العنكبوت : 41 ) .
ونحن هنا نقلب على الكاتب حجته لتصدق وتوافق الواقع ، فنقول :
إن العقل الذي توصل إلى أن الإنسان كائن جوهره الثبات ، ليس من صنع الشيطان ، فالذي يتغير في الإنسان هو العرض لا الجوهر ، هو الصورة لا الحقيقة ، وعلى هذا الأساس تتعامل معه نصوص الشريعة الخالدة ، تشرع له وتفصل في الثابت ، الذي لا يتغير من حياته ، وتسكت أو تجمل فيما شأنه التغير ، وعلى المشككين في صلاحية نصوص شريعة الله لكل زمان ومكان ، أن يعترفوا بأن العقل الذي خلقه الله للبشر ، والعلم الذي حضهم عليه ، ودعاهم إلى التزود به ، هو نفسه الذي كشف عن حقيقة الثبات في جوهر الإنسان ، إلى جوار ظاهرة التغير ، التي تتصل بالجانب العرضي من حياته .
الثبات والمرونة في شريعة الإسلام
أما ما ذكره الكاتب عن الشريعة الإسلامية وأن جوهرها الثبات ، فقد أخطأ فيه الحق أيضا ، فإن الإسلام الذي ختم الله به الشرائع والرسالات السماوية ، أودع الله فيه عنصر الثبات والخلود ، وعنصر المرونة والتطور معا ، وهذا من روائع الإعجاز في هذا الدين ، وآية من آيات عمومه وخلوده ، وصلاحيته لكل زمان وكل مكان .
ونستطيع أن نحدد مجال الثبات ، ومجال المرونة في شريعة الإسلام ، ورسالته الشاملة الخالدة ، فنقول :
إنه الثبات على الأهداف والغايات ، والمرونة في الوسائل والأساليب .
الثبات على الأصول والكليات ، والمرونة في الفروع والجزئيات .
الثبات على القيم الدينية والأخلاقية ، والمرونة في الشئون الدنيوية والعلمية .
وربما سأل سائل : لماذا كان هذا هو شأن الإسلام؟! لماذا لم يودعه الله المرونة المطلقة أو الثبات المطلق؟!
والجواب : أن الإسلام بهذا ، يتسق مع طبيعة الحياة الإنسانية خاصة ، ومع طبيعة الكون الكبير عامة ، فقد جاء هذا الدين مسايرا لفطرة الإنسان وفطرة الوجود .
أما طبيعة الحياة الإنسانية نفسها ، ففيها عناصر ثابتة باقية ما بقي الإنسان ، وعناصر مرنة ثابتة للتغير والتطور ، كما أشرنا إلى ذلك من قبل .
وإذا نظرنا إلى الكون من حولنا ، وجدناه يحوي أشياء ثابتة ، تمضي ألوف السنين وألوف الألوف ، وهي هي : أرض وسماء ، وجبال وبحار ، وليل ونهار ، وشمس وقمر ، ونجوم مسخرات بأمر الله ، كل في فلك يسبحون .
وفيه ـ أيضا ـ عناصر جزئية متغيرة ، جزر تنشأ ، وبحيرات تجف ، وأنهار تحفر ، وماء يطغى على اليابسة ، ويبس يزحف على الماء ، وأرض ميتة تحيا ، وصحار قفر تخضر ، وبلاد تعمر ، وأمصار تخرب ، وزرع ينبت وينمو ، وآخر يذوى ، ويصبح هشيما تذروه الرياح .
هذا هو شأن الإنسان ، وشأن الكون ، ثبات وتغير في آن واحد ، ولكنه ثبات في الكليات والجوهر ، وتغير في الجزئيات والمظهر .
فإذا كان التطور قانونا في الكون في الحياة ، فالثبات قانون قائم فيهما ـ كذلك ـ بلا مراء .
وإذا كان من الفلاسفة في القديم ، من قال بمبدأ الصيرورة والتغير ، باعتباره القانون الأزلي ، الذي يسود الكون كله ، فإن فيهم من نادى بعكس ذلك ، واعتبر الثبات هو الأساس ، والأصل الكلي العام للكون كله .
والحق أن المبدأين كليهما من الثبات والتغير يعملان معا ، في الكون والحياة ، كما هو مشاهد وملموس .
فلا عجب أن تأتي شريعة الإسلام ، ملائمة لفطرة الإنسان وفطرة الوجود ، جامعة بين عنصر الثبات وعنصر المرونة .
وبهذه المزية يستطيع المجتمع المسلم ، أن يعيش ويستمر ويرتقي ، ثابتا على أصوله وقيمه وغاياته ، متطورا في معارفه وأساليبه وأدواته .
فالثبات ، يستعصي هذا المجتمع على عوامل الانهيار والفناء ، أو الذوبان في المجتمعات الأخرى ، أو التفكك إلى عدة مجتمعات ، تتناقض في الحقيقة ، وإن ظلت داخل مجتمع واحد في الصورة ، بالثبات يستقر التشريع وتتبادل الثقة ، وتبنى المعاملات والعلاقات على دعائم مكينة ، وأسس راسخة ، لا تعصف بها الأهواء والتقلبات السياسية والاجتماعية ما بين يوم وآخر ، وبالمرونة ، يستطيع هذا المجتمع أن يكيف نفسه وعلاقاته ، حسب تغير الزمن ، وتغير أوضاع الحياة ، دون أن يفقد خصائصه ومقوماته الذاتية .
وإن للثبات والمرونة مظاهر ودلائل شتى ، نجدها في مصادر الإسلام ، وشريعته وتاريخه .
يتجلى هذا الثبات في "المصادر الأصلية النصية القطعية للتشريع" من كتاب الله ، وسنة رسوله ، فالقرآن هو الأصل والدستور ، والسنة هي الشرح النظري ، والبيان العملي للقرآن ، وكلاهما مصدر إلهي معصوم ، ولا يسع مسلما أن يعرض عنه ( قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ( سورة النور : 54 ) ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ، ليحكم بينهم ، أن يقولوا سمعنا وأطعنا ) ( سورة النور : 51 ) .
وتتجلى المرونة في "المصادر الاجتهادية" التي اختلف فقهاء الأمة في مدى الاحتجاج بها ، ما بين موسع ومضيق ، ومقل ومكثر ، مثل : الإجماع ، والقياس ، والاستحسان ، والمصالح المرسلة ، وأقوال الصحابة ، وشرع من قبلنا ، وغير ذلك من مآخذ الاجتهاد ، وطرائق الاستنباط .
ومن أحكام الشريعة نجدها تنقسم إلى قسمين بارزين :
قسم يمثل الثبات والخلود
وقسم يمثل المرونة والتطور
نجد الثبات يتمثل في العقائد الأساسية الخمس ، من الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسوله ، واليوم الآخر ، وهي التي ذكرها القرآن في غير موضع كقوله : ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ، ولكن البر من آمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والملائكة والكتاب ، والنبيين ) ( سورة البقرة : 177 ) ، ( ومن يكفر بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، فقد ضل ضلالا بعيدا ) ( سورة النساء : 136 ) .
وفي الأركان العملية الخمسة ، من الشهادتين ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت الحرام ، وهي التي صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بني عليها .
وفي المحرمات اليقينية ، من السحر ، وقتل النفس ، والزنا ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ، والتولي يوم الزحف ، والغصب ، والسرقة ، والغيبة ، والنميمة ، وغيرها مما يثبت بقطعي القرآن والسنة .
ومن أمهات الفضائل ، من الصدق ، والأمانة ، والعفة ، والصبر ، والوفاء بالعهد ، والحياء ، وغيرها من مكارم الأخلاق ، التي اعتبرها القرآن والسنة من شعب الإيمان .
وفي شرائع الإسلام القطعية ، في شئون الزواج ، والطلاق ، والميراث ، والحدود ، والقصاص ، ونحوها من نظم الإسلام ، التي ثبت بنصوص قطعية الثبوت ، قطعية الدلالة ، فهذه الأمور ثابتة ، تزول الجبال ولا تزول ، نزل بها القرآن ، وتوافرت بها الأحاديث ، وأجمعت عليها الأمة ، فليس من حق مجمع من المجامع ، ولا من حق مؤتمر من المؤتمرات ، ولا من حق خليفة من الخلفاء ، أو رئيس من الرؤساء ، أن يلغي أو يعطل شيئا منها ، لأنها كليات الدين وقواعده وأسسه ، أو كما قال الشاطبي "كلية أبدية ، وضعت عليها الدنيا ، وبها قامت مصالحها في الخلق ، حسبما بين ذلك الاستقراء . وعلى وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضا ، فذلك الحكم الكلي باق إلى أن يرث الله الأرض وما عليها" .
ونجد ـ في مقابل ذلك ـ القسم الآخر ، الذي يتمثل فيه المرونة ، وهو ما يتعلق بجزئيات الأحكام وفروعها العملية ، وخصوصا في مجال السياسة الشرعية .
يقول الإمام ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان" :
الأحكام نوعان :
نوع : لا يتغير عن حالة واحدة مر عليها ، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ، ولا اجتهاد الأئمة ، كوجوب الواجبات ، وتحريم المحرمات ، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ، ونحو ذلك . فهذا لا يتطرق إليه تغيير ، ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه .
والنوع الثاني : ما يتميز بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا ، كمقادير التعزيزات وأجناسها وصفاتها ، فإن الشارع ينوع فيها حسب المصلحة ، وقد ضرب ابن القيم لذلك عدة أمثلة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين المهديين من بعده ، ثم قال :
"وهذا باب واسع ، اشتبه فيه ـ على كثير من الناس ـ الأحكام الثابتة اللازمة ، التي لا تتغير ، بالتعزيزات التابعة للمصالح وجودا وعدما" .
والمجال هنا واسع ، ولا يتسع المقام لأكثر من هذا ، ومن أراد الاستزادة ، فليرجع إلى ما كتبناه في مؤلفاتنا ، التي تعرضت لهذا الموضوع بإفاضة وتفصيل .
الشريعة والحجر على الإنسان
زعم محامي العلمانية د . زكريا في رفضه لعموم الشريعة الإسلامية ، وخلودها ، وهو ما يعبر عنه المسلمون كافة بعبارة : صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ـ أن في هذه العبارة تناقضين أساسيين ، أولهما يرجع إلى أن الإنسان جوهره التغير ، والشريعة جوهرها الثبات ، وقد بينا بالمنطق العلمي القاطع خطأه البين في الدعويين كلتيهما .
بقي التناقض الثاني ـ فيما يزعم ـ الذي يتصل بالأول اتصالا وثيقا ، وهو أن هذه الصلاحية تعنى "الحجر على الإنسان ، والحكم عليه بالجمود الأبدي" لأن معناها "أن الله قد وضع للناس في وقت ما ، سننا ينبغي عليهم أن يسيروا وفقا لها إلى أبد الدهر ، وأقصى ما يمكنهم أن يتصرفوا فيه هو أن يجتهدوا في تفسير هذا النص ، أو تأويل ذاك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7788.forumegypt.net
 
الإسلام والعلمانية الجزء الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإسلام والعلمانية الجزء الرابع
» الإسلام والعلمانية الجزء الخامس
» الإسلام والعلمانية الجزء الثانى
» الإسلام والعلمانية الجزء الاول
» سيرة ابن هشام الجزء الثالث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى هديل الحمام :: المنتدى الاسلامى العام-
انتقل الى: