ويجب على أقارب الميت يبلغهم خبرو وفاته أمران:
الأول: الصبر والرضا بالقدر لقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 155 - 157]، ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فانك لم تصب بمصيبتي! قال: ولم تعرفه! فقيل لها: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأخذها مثل الموت، فأتت باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: أخرجه البخاري (3/ 115 - 116) ومسلم (3/ 40 - 41) والبيهقي (4/ 65) والسياق له.
والصبر على وفاة الأولاد له أجر عظيم، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة أذكر بعضها:
أولا: " لا يموت لاحد من المسلمين ثلاثة من تالولد فتمسه النار إلا تحلة القسم ".
(1/22)
--------------------------------------------------------------------------------
أخرجه الشيخان والبيهقي (67/ 4) عن أبي هريرة.
ثانيا: " مامن مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله وأبويهم الجنة بفضل رحمته، قال: ويكونون على باب من أبواب الجنة، فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يجئ أبوانا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وأبوا كم بفضل رحمة الله ".
أخرجه النسائي (1/ 265) والبيهقي (4/ 68) وغيرهما عنه، وسنده صحيح على شرط الشيخين.
ثالثا: " أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا حجابا من النار، قالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان ".
أخرجه البخاري (3/ 94) ومسلم والبيهقي (4/ 67) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
رابعا: " إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الارض فصبر واحتسب بثواب دون الجنة ".
أخرجه النسائي (1/ 264) عن عبد الله بن عمرو بسند حسن.
الامر الثاني: مما يجب على الاقارب: الاسترجاع، وهو أن يقول: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) كما جاء في الآية المتقدمة، ويزيد عليه قوله: " اللهم اجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها " لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من مسلم تصبه مصيبة فيقول ما أمره الله (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) اللهم اجرني في معيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها.
قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إن لي بنتا وأنا غيور، فقال: أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها، وأدعو الله أن يذهب با الغيرة ".
أخرجه مسلم (3/ 37) والبيهقي (4/ 65) وأحمد (6/ 309).
(1/23)
--------------------------------------------------------------------------------
20 - ولا ينافي الصبر أن تمتنع المرأة من الزينة كلها، حدادا على وفاة ولدها أو غيره إذا لم تزد على ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فتحد أربعة أشهر وعشرا، لحديث زينب بنت أبي سلمة قالت: " دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر (أن) تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " ثم دخلت على زينب بنت جحش - حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست، ثم قالت: مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. " فذكرت الحديث.
أخرجه البخاري (3/ 114، 9 400/ 400 - 401).
21 - ولكنها إذا لم تحد على غير زوجها، إرضاء للزوج وقضاء لوطره منها، فهو أفضل لها، ويرجى لهما من وراء ذلك خير كثير كما وقع لام سليم وزوجها أبي طلحة الانصاري رضي الله عنهما، ولا بأس من أن أسوق هنا قصتهما في ذلك - على طولهما - لما فيها من الفوائد والعظات والعبر، فقال أنس رضي الله عنه: " قال مالك أبو أنس لامرأته أم سليم - وهي أم أنس -: إن هذا الرجل - يعني النبي صلى الله عليه وسلم يحرم الخمر - فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك فجاء أبو طلحة، فخطب أم سليم، في كلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة! ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لى أن أتزوجك! فقال: ما ذاك دهرك، قالت: وما دهري قال: الصفراء والبيضاء! قالت: فإني لا أربد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الاسلام، (فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره)، قال: فمن لي بذلك؟ قالت: لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، فلما رآه قال: جاءكم أبو طلحة غرة الاسلام بين عينيه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذالك، قال ثابت (وهو البناني أحد رواة القصة عن أنس) فما بلغنا أن مهرا كان أعظم منه أنها رضيت الاسلام مهرا، فتزوجها وكانت امرأة مليحة العينين، فيها صغر، فكانت معه حتى ولد له بني، وكان يحبه أبو طلحة حبا شديدا.
ومرض الصبي (مرضا شديدا)، وتواضع أبو طلحة لمرضه أو تضعضع له،
(1/24)
--------------------------------------------------------------------------------
(فكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة يتوضأ، ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيصلى معه، ويكون معه إلى قريب من نصف النهار، ويجئ يقيل ويأكل، فإذا صلى الظهر تهيأ وذهب، فلم يجئ إلى صلاة العتمة) فانطلق أبو طلحة عشية إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: إلى المسجد) ومات الصبي فقالت أم سليم: لا يتعين إلى أبي طلحة أحد ابنه حتى أكون أنا الذي أنعاه له، فهيأت الصبي (فسجت عليه)، ووضعته (في جانب البيت)، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها (ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه) فقال: كيف ابني؟ فقالت: يا أبا طلحة ماكان منذ اشتكى أسكن منه الساعة (وأرجو أن يكون قد استراح!) فأتته بعشائه (فقربته إليهم فتعشوا، وخرج القوم)، (قال فقال إلى فراشه فوضع رأسه)، ثم قامت فتطيبت، (وتصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك)، (ثم جاءت حتى دخلت معه الفراش، فما هو إلا أن وجد ريح الطيب كان منه ما يكون من الرجل إلي أهله)، (فلما كان آخر الليل) قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا قوما علية لهم، فسألو هم إياها أكان لهم أن يمنعو هم؟ فقال: لا، قالت فإن الله عزوجل كان أعارك ابنك عارية، ثم قبضه إليه، فاحتسب واصبر! فغضب ثم قال: تركتني حتى إذا وقعت بما وقعت بما وقعت به نعيت إلي ابني! (فاسترجع، وحمد الله)، (فلما أصبح اغتسل)، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصلى معه) فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بارك الله لكما في غابر ليلتكما، فثقلت منت ذلك الحمل، وكانت أم سليم تسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، تخرج إذا خرج، وتدخل معه إذا دخل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولدت فأتوني بالصبي، (قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا، فدنوا من المدينة، فضربها المخاض، واحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو طلحة: يا رب إنك لتعلم أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، دقد احتبست بما ترى، قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أد فانطلقا قال: وضربها المخاض حين قدموا)، فولدت غلاما، وقالت لابنها أنس: (يا أنس! لا يطعم شيئا حتى تغدوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وبعثت معه بتمرات)، قال: فبات يبكي، وبت مجنحا (1) عليه، أكالئه حتى أصبحت، فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، (وعليه بردة)، وهو يسم إبلاء أو غنما (قدمت عليه)، فلما نظر إليه، قال لانس: أولدت
__________
(1) أي: مائلاً
(1/25)
--------------------------------------------------------------------------------
بنت ملحان؟ قال: نعم، (فقال: رويدك أفرغ لك)، قال: فألقى ما في يده، فتناول الصبي وقال: (أمعه شئ؟ قالوا: نعم، تمرات)، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم (بعض) التمر (فمضغهن، ثم جمع يزاقه)، (ثم فغز فاه، وأوجره إياه)، فجعل يحنك الصبي، وجعل الصبي يتلمظ: (يمص بعض حلاوة التمر وريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أول من فتح أمعاء ذلك الصبي على (1) ريق رسول اللله صلى الله عليه وسلم فقال: انظروا إلى حب الانصار التمر، (قال: قلت: يارسول الله سمه، قال
(فمسح وجهه) وسماه عبد الله، (فما كان في الانصار شاب أفضل منه)، قال: فحرج مننه رجل (2) كثير، واستشهد عبد الله بفارس) ".
أخرجه الطيالسي (رقم 2056) والسياق له، ومن طريقه البيهقي (4/ 65 - 66 - وابن حبان (725) وأحمد (3/ 105 - 106، 181، 196، 287، 290) والزيادات كلها له كما سيأتي، ورواه البخاري (3/ 132 - 133) ومسلم (6/ 174 - 175) مختصرا مقتصرا على قصة وفاة الصبي، وروى النسائي (2/ 87) قسما من أوله، والزيادة الأولى له، والسادسة والثامنة والخامسة عشر والسادسة عشر للبخاري، والتاسعة عشر والثانية والعشرون لمسلم، وسائرها لاحمد كما سبق.
وقد عنيت عناية خاصة بجمع روايات هذه القصة وألفاظها، لما فيها من روعة وجلالة، وليأخذ القارئ عنها فكرة جامعة صادقة، وذلك تتم العبرة والفائدة
ما يحرم على أقارب الميت
22 - لقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا كان ولا يوال بعض الناس يرتكبونها إذا مات لهم ميت، فيجب معرفتها لا جتنابها، فلا بد من بيانها:
أ - النياحة (1)، وفيها أحاديث كثيرة:
1 - " أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الاحساب، والطعن في الانساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة.
وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب ".
رواه مسلم (3/ 45) والبيهقي (4/ 63) من حديث أبي مالك الاشعري.
2 - " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنايحة على الميت ".
رواه مسلم (1/ 58 45) والبيهقي (4/ 63) وغيرهما من حديث هريرة.
3 - " لما مات ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاح أسامة بن زيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هذا مني، وليس بصائح حق، القلب يحزن، والعين تدمع، ولا يغضب الرب " رواه ابن حبان (743) والحاكم (1/ 382) عن أبي هريرة بسند حسن.
__________
(1) وهو أمر زائد على البكاء. قال ابن ابن العربي: " النوح ما كانت الحاهلية تفعل، كان النساء يقفن متقابلات يصحن، ويحثين التراب على روءسهن ويضربن وجوههن " نقله الابي على مسلم.
(1/27)
--------------------------------------------------------------------------------
4 - عن أم عطية قالت: " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة ألا ننوح، فما وفت منا امرأة (تعني من المبايعات) إلا خمس، أم سليم، أم العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ، أو ابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ ".
رواه البخاري (3/ 137) ومسلم (3/ 46) واللفظ له، والبيهقي (4/ 62) وغيرهم.
5 - عن أنس بن مالك:
" أن عمر بن الخطاب لما طعن عولت عليه حفصة، فقال: يا حفصد أما حفصة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المعول عليه يعذب؟! وعول عليه وفي أخرى: (في قبره) بما نيح عليه ".
أخرجه البخاري ومسلم والسياق له والبيهقي (4/ 72 - 73) وأحمد (رقم 268، 288، 290، 315، 334، 254، 386) من طرق عن عمر مطولا ومختصرا، وروى ابن حبان في " صحيحه " (741).
قصة حفصة فقط.
6 - " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " وفي رواية: " الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ".
أخرجه الشيخان وأحمد من حديث ابن عمر، والرواية الاخرى لمسلم وأحمد ورواه ابن حبان في صحيحه (742) من حديث عمران بن حصين نحو الرواية الأولى.
7 - " من ينح عليه يعذب بما نيح عليه (يوم القيامة) " (1)
__________
(1) في هذا الحديث بيان أن البكاء المذكور في الحديث الذي قبله، ليس المراد به مطلق البكاء، بل بكاء خاص وهو النياحة، وقد أشار إلى هذا حديث عرم المتقدم في الرواية الثانية وهو قوله: " ببعض بكاء ... ".
ثم إن ظاهر هذا الحديث واللذين قبله مشكل، لانه يتعارض مع بعض أصول الشريعة وقواعد ها المقررة في مثل قوله تعالى: " ولا تزر وازرد وزر أخرى "، وقد اختلف العلماء في الجواب عن ذلك على ثمانيد أقوال، وأقربها إلى الصواب قولان: =
(1/28)
--------------------------------------------------------------------------------
أخرجه البخاري (3/ 126) ومسلم (3/ 45) والبيهقي (4/ 72) وأحمد (4/ 245، 252، 255).
8 - عن النعمان بن بير قال: " أغمي على عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه، واكذا، واكذا، تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي، كذلك!؟ فلما مات لم تبك عليه ".
أخرجه البخاري والبيهقي (4/ 64).
ب، ج - ضرب الخدود، وشق الجيوب لقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من تلطم الخدود، وشق الجيوب، ودعى بدعوى الجاهلية ".
رواه البخاري (3/ 127 - 128، 129) ومسلم (1/ 70) وابن الجارود (257) والبيهقي (4/ 63 - 64) وغيرهم من حديث ابن مسعود.
__________
= الأول: ما ذهب إليه الجمهور، وهو أن الحديث محمول على من أوصى بالنوح عليه، أو لم يوص بتركه مع علمه بأن الناس يفعلونه عادة. ولهذا قال عبد الله بن المبارك: " إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئا من ذلك بعد وفاته، لم يكن عليه شئ " (1). والعذاب عند هم بمعنى العقاب.
والاخر: أن معنى " أي يتألم بسماعه بكاء أهله ويرق لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة. وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره، ونصره ابن تيمية وابن القيم وغيرهما. قالوا: " ليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، والعذاب أعم من العقاب كما في قوله: " السفر قطعة من العذاب "، وليس هذا عقابا على ذنب، وإنما هو تعذيب وتألم ". (2)
وقد يؤيد هذا قوله في الحديث (5و6): " في قبره ". وكنت أميل إلى هذا المذهب برهة من الزمن، ثم بدا لي أنه ضعيف لمخالفته للحديث السابع الذي قيد العذاب بأنه " يوم القيامة "، ومن الواضح أن هذا لا يمكن تأويله بما ذكروا، ولذلك فالراجح عندنا مذهب الجمهور، ولا منافاة عندهم بين هذا القيد والقيد الآخر في قوله " في قبره "، بل يضم أحدهما إلى الآخر، وينتج أنه يعذب في قبره، ويوم القيامة. وهذا بين إن شاء الله تعالى.
__________
(1) عمدة القارئ (4/ 74).
(2) انظر كلام ابن تيمية في " مجموعة الرسائل المنيرية " (2/ 209) وابن القيم في " التهذيب " (4/ 290 - 293).
(1/29)
--------------------------------------------------------------------------------
د - حلق الشعر، لحديث أبي بردة بن أبي موسى قال: " وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئا، فلما أفاق قال: إنا برئ ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة، (1) والحالقة، والشاقة ".
أخرجه البخاري (3/ 129) ومسلم (1/ 70) والنسائي (1/ 263) والبيهقي (4/ 64).
هـ - نشر الشعر، لحديث امرأة من المبايعات قالت: " كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه، وأن لانخمش وجها ولا ندعو ويلا، ولا نشق جيبا، وأن لا ننشر شعرا ".
أخرجه إبو داود (2/ 59) ومن طريقه البيهقي (4/ 64) بسند صحيح.
و إعفاء بعض الرجال لحاهم أياماً قليلةً حزناً على ميتهم، فإذا مضت عادوا إلى حلقها! فهذا الاعفاء في معنى نشر الشعر كما هو ظاهر، يضاف إلى ذلك أنه بدعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ".
رواه النسائي والبيهقي في " الاسماء والصفات " بسند صحيح عن جابر
ر - الاعلان عن موته على رؤوس المنائر ونحوها، لانه من النعي، وقد ثبت عن حذيفة بن اليمان أنه: " كان إذا مات له الميت قال: لا تؤذنوا به أحدا، إني أخاف أن يكون نعيا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي ".
__________
(1) هي التي ترفع صوتها عند الفجيعة بالموت
(1/30)
--------------------------------------------------------------------------------
أخرجه الترمذي (2/ 129) وحسنه، وابن ماجه (1/ 450) وأحمد (5/ 406) والسياق له والبيهقي (4/ 74)، وأخرج المرفوع منه ابن أبي شيبة في " المصنف " (4/ 97) وإسناده حسن كما قال الحافظ في " الفتح ".
والنعي لغة: هو الاخبار بموت الميت، فهو على هذا يشمل كل إخبار، ولكن قد جاءت أحاديث صحيحة تدل على جواز نوع من الاخبار، وقيد العلماء بها مطلق النهي، وقالوا: إن المراد بالنعي الاعلان الذي يشبه ما كان عليه أهل الجاهلية من الصياح على أبواب البيوت والاسواق