منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
اهلا وسهلا بك فى منتداك يسعدنا تواجدك معانا ونتمنى ان تساهم بصدقة جارية
منتدى هديل الحمام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى هديل الحمام

منتدى هيسعدك
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
من قال سبحان الله وبحمدة غرست لة نخلة فى الجنة
تذكر ان سبحان الله وبحمدة بها يرزق الخلق
من قال سبحان الله وبحمدة فى يوم 100 مرة حطت خطاياة وان كانت مثل زبد البحر
من افضال سبحان الله وبحمدة ان من قالها مئة مرة كتب لة الله 1000 حسنة ( مسلم)
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
من افضال قولك سبحان الله وبحمدة ان من قالها حط الله عنة سيئة وكتب لة حسنة ورفع لة درجة
وفى صحيح مسلم ان من قال سبحان الله وبحمدة حين يصبح وحين يمسى 100 مرة لم يات احد يوم القيامة بافضل مما جاء بة إلا رجل قال مثل ذلك او اكثر

 

 الإسلام والعلمانية الجزء الرابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد الزهرى
Admin
احمد الزهرى


عدد المساهمات : 227
نقاط : 20060
تاريخ التسجيل : 31/03/2014
العمر : 35

الإسلام والعلمانية الجزء الرابع Empty
مُساهمةموضوع: الإسلام والعلمانية الجزء الرابع   الإسلام والعلمانية الجزء الرابع Emptyالجمعة أبريل 11, 2014 3:28 pm


هذا شأن المستشرقين مع تراثنا ، إلا من عصم ربك ، وقليل ما هم .
وما أبلغ ما وصفهم به العلامة أبو الحسن الندوي في مؤتمر "الإسلام والمستشرقون" الذي عقد منذ سنوات بالهند : أنهم أشبه شيء بمفتشي القمامة ، لا تقع أعينهم إلا على القاذورات ، وأكبر همهم البحث عنها!
وهكذا رأيناهم مولعين بتتبع العورات ، والبحث عن نقاط الضعف والانحراف ، وإن وهت أسانيدها ، ولم تثبتها الرواية ولا الدراية ، وذلك لإبرازها وتقويتها وتضخيمها ، والنظر إليها من خلال ميكروسكوب مكبر ، يجعل من الحبة قبة ، ومن القط جملا ، بل من النملة فيلا!
حتى الرموز المشرقة ، التي أجمع المسلمون في عصورهم كلها على فضلها وعظمتها ، حاولوا أن يحطموها ، مثل عمر بن عبد العزيز ، الذي اعتبره المسلمون خامس الراشدين ، وشبهوه بجده عمر بن الخطاب .
فقد رأينا ممن فتحت لهم الصحف أبوابها ليكتب ، يتهمه بسوء الإدارة ، والجهل بالسياسة والاقتصاد ، والتسبب في خراب الدولة! هكذا قال أحدهم بكل تبجح ، على حين دافع عن طاغية الأمويين الحجاج بن يوسف!
ولو كان المجتمع المسلم بالسوء ، الذي يصور به عهد بني أمية ، ما استطاع أن يمد شعاع الإسلام إلى تلك الآفاق الشاسعة في آسيا وإفريقية وأوروبا ، من الصين شرقا إلى الأندلس غربا .
ومن المعلوم أن انحراف حاكم من الحكام في تلك العصور ، لم يكن ليؤثر في سير المجتمع كله ، والتأثير في أعماق الشعب فكرا وخلقا وسلوكا ، فلم تكن لدى السلطة أجهزة ولا مؤسسات قادرة على التأثير ، كما في عصرنا ، الذي تستطيع الدولة بوساطة الأجهزة التربوية والثقافية والإعلامية أن تصنع فكر الشعب وذوقه ، وتوجه مشاعره وسلوكه ، الوجهة التي تريد ، إلى حد كبير .
وقد سئل الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي : بم تفسر النكسات التي أصابت الأمة الإسلامية ، بدءا من الخلاف الداخلي بين علي ومعاوية ، حتى يومنا هذا؟
فكان جوابه ( حفظه الله ، ومد في عمره في نصرة الإسلام ) : "أجمع أولو الألباب من عدو وصديق ، على أن الإسلام عقائد وشرائع ، وعبادات ومعاملات ، وأخلاق ونظم ، وتراتيب إدارية وتقاليد اجتماعية ، وأنه يكلف أتباعه بتطويع الشئون العادية لخدمة ذلك كله .
وكنا في أثناء دراستنا الإسلامية ، نعرف الفرق بين الإسلام والفكر الإسلامي ، وبين الإسلام والحكم الإسلامي ، الإسلام وحي معصوم ، لا ريب فيه أما الفكر الإسلامي ، فهو عمل الفكر البشري في فهمه ، والحكم الإسلامي هو عمل السلطة البشرية في تنفيذه ، وكلاهما لا عصمة له .
وعندما يخطئ مفكر ، فإن خطأه لا يبقى طويلا ، حتى يستدرك عليه مفكر آخر ، وعندما يخطئ حاكم ، فإن زلته لن تطول ، حتى يصوبها ناقد راشد ، والأمة الإسلامية ـ بفضل الله ـ لا تجتمع على خطأ ، وجهاز الدعوة بها حساس ، وهو عن طريق التعليم والأمر والنهي ، ينصف الحق .
ولما كانت هذه الأمة حاملة الوحي الخاتم ، فإن القدر يؤدبها ، إذا استرخت أو فرطت ، حتى تلزم الصراط المستقيم ، ويتعهدها بالمجددين ، الذين يغارون على حقائق الوحي وسبل فقهه وأساليب حكمه ، قال تعالى : ( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق ، وبه يعدلون ) ( سورة الأعراف : 181 ) .
ومن هذا التقديم يظهر أنه لا غرابة في وجود أخطاء في تاريخنا الثقافي والسياسي ، وإنما الغرابة في التستر على هذه الأخطاء ، أو الاستحماق في معالجتها ، والتعفية على آثارها .
وجمهور المسلمين يعلم أن سلفنا الأول شغله قتال الاستعمارين الروماني والمجوسي ، ولعله أشرف قتال عرفته الدنيا ، ولكنه يشعر بغضاضة وألم ، لما أعقب ذلك من قتال داخلي بين المسلمين أنفسهم ، كانت له آثار بعيدة المدى ، على حاضرهم ومستقبلهم .
وجمهور الفقهاء والمؤرخين والدعاة يؤكد على أن علي بن أبي طالب "الخليفة الرابع" كان إمام حق ، وأن معاوية بن أبي سفيان كان يمثل نفسه وعصبيته ، في خروجه على "علي" . وشاء الله أن يكسب معاوية هذه المعارك ، ومن ثم تحولت الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض في بني أمية .
ومع أن هذا التحول كان هزيمة للحق ، وضربة موجعة للمثل العليا ، إلا أن من الغلو المرفوض تضخيم نتائجه لما يأتي :
أ . أن الخلفاء أو الملوك الذين ولوا أمور المسلمين بطريقة غير صحيحة ، أعلنوا أن ولاءهم للإسلام ، وأن التغير في أشخاص الحاكمين ، لا يعني التغير في القوانين أو الأهداف الإسلامية ، ومن أجل ذلك ، استأنفوا الجهاد الخارجي ، كما تركوا للفقهاء حرية الحركة ، ما لم يمسوا سلطانهم في الزعامة .
ب . أن العلم الديني مضى في طريقه ، يوسع الآفاق ، ويربي الجماهير ، ويقرر الحقائق الإسلامية كلها من الناحية النظرية ، أي أن الإسلام الشعبي مع أزوراره عن السلطة ، بقي قديرا على الامتداد والتأثير .
ج . مع أن الدولة كانت عربية ، تتعصب لجنسها ، فإن الجماهير والت تعاليم الإسلام وحدها ، وألقت قيادها في أغلب العواصم لفقهاء ودعاة مربين من الأعاجم!" .
هذا ما قاله الشيخ ، فأنصف وأجاد ، برغم شدته المعهودة على المنحرفين والطغاة في القديم والحديث .
والشهيد سيد قطب ( رحمه الله ) رغم شدته على التاريخ الإسلامي ، بعد عصر الراشدين ، وحملته القاسية على بني أمية في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام" لم يسعه إلا أن يعترف بأن الإسلام ظل راسخ البناء ، مرفوع اللواء ، منفردا بالفتوى والقضاء والتشريع للأمة الإسلامية ، في كل شئونها ، اثنى عشر قرنا من الزمان ، وبهذا أنصف الإسلام ، وأنصف التاريخ ، وأنصف نفسه كذلك .
يقول في آخر كتاب ألفه ، وقد نشر حديثا "1406 هـ - 1986 م" ، أي بعد استشهاده ( رحمه الله ) بعشرين عاما . يقول : في مقدمة كتابه "مقومات التصور الإسلامي" ، وهو الجزء المكمل لخصائص التصور الإسلامي : "وارتفع لواء الإسلام عاليا ، وظل مرفوعا أكثر من ألف عام ، بل حوالي مائتين وألف عام ، ممثلا في النظام الإسلامي في ظل الأقطار الإسلامية ، وهو النظام الذي يرجع الناس فيه إلى شريعة الله وحدها ، ولا يحكم قضاة هذه الأمة إلا بالشريعة الإسلامية في كل أمر من أمور الحياة ، ولا يتحاكم الناس إلى غير هذه الشريعة ، في شأن واحد من شئون المعاش" .
وفي هذا المعنى أنقل ـ هنا ـ كلمة بليغة لأستاذ مغربي ، لا يتهم بالتحيز للتيار الإسلامي ، بل يحسبونه على التيار "اليساري" ، هو د . محمد عابد الجابري ، قال :
"أنا لست من رجال القانون ، ولكن اهتمامي بالتراث يجعلني أشعر بالقلق والانزعاج ، عندما أسمع من يقول : إن الإسلام أو الشريعة الإسلامية ـ بالتحديد ـ لم تطبق منذ عصر الخلفاء الراشدين ، يقلقني هذا القول بأن شريعة "لم تطبق" طوال أربعة عشر قرنا الماضية ، ويدفعني إلى التساؤل : وهل يمكن تطبيقها في المستقبل؟ وكيف؟
إن هذا القول يؤدي إلى عدمية مخيفة . فأين سنضع آلاف عشرات الآلاف من الفقهاء ، الذين عرفهم تاريخ الإسلام؟! أين سنضع كتب الفقه والاجتهادات والفتاوى؟!
نعم لقد أغلق باب الاجتهاد ـ كما يقال ـ في القرن الرابع الهجري ، ولكن هذا الإغلاق للاجتهاد ، لم يمنع الفقهاء من الاجتهاد داخل المذاهب الأربعة ، وداخل الفقه الجعفري "الشيعي" بل أكثر من ذلك لم يمنع ذلك "الإغلاق" قيام فقيه وأصولي عظيم ، مثل : ابن حزم ، الذي حرم التقليد ، وأوجب الاجتهاد على كل شخص ، حتى على الرجل العامي ، ومثل الأصولي الكبير أبي إسحاق الشاطبي ، الذي عمل على إعادة تأصيل أصول الفقه ، والتجديد فيه ، وذلك بالمناداة بنقل الاجتهاد من الاجتهاد في اللفظ وأنواع دلالاته ، وبالقياس والتعليل "قياس الجزء بالجزء" ، نقل الاجتهاد بهذا المعنى ، الذي كان سائدا قبل ، إلى بنائه على مقاصد الشريعة ، وذلك باستقراء أحكام الشريعة ، وصياغتها في كليات ، ثم تطبيق هذه الكليات على الجزئيات المستجدة ، هذا ليس اجتهادا فقط ، بل هو دعوة إلى إعادة تأسيس الاجتهاد ، بما يمكن الفقه في الإسلام من أن يكون مسايرا للتطور ، وقابلا للتطبيق في كل زمان .
على كل حال فأنا مسلم ، ويقلقني القول أن الإسلام أو الشريعة الإسلامية لم تطبق منذ عهد الراشدين ، لأنني في هذه الحالة أجدني أتساءل عن حقيقة إسلام أجدادي وأسلافي : ألم يكونوا مسلمين؟! ألم يطبقوا الشريعة في عباداتهم وعقود زواجهم وكثير من معاملاتهم؟!
أعتقد أنه يجب الحرص على النظر إلى التراث ، إلى الشريعة ، والفقه وغيرهما ، نظرة تاريخية ، وإلا سقطنا في العدمية ، نحن نقول : الإسلام دين ودولة ، نعم ، وقد كان ذلك بالفعل ، أما إذا قلنا : إن الشريعة لم تطبق منذ الرسول ، أو منذ الخلفاء الراشدين ، فمعنى ذلك أن الإسلام لم يكن دينا مطبقا ، ولا كان دولة طوال أربعة عشر قرنا ، وهذا غير صحيح تاريخيا ، وغير مقبول منطقيا ، إنه قول يجر إلى عدمية مخيفة ، تتركنا بدون هوية ، بدون تاريخ ، وبالتالي بدون حاضر ، وبدون مستقبل ، فهل نقبل بهذا؟!"
تنبيهات في غاية الأهمية
على أن هنا جملة تنبيهات يجب الالتفات إليها هي غاية في الأهمية :
1 . أن عصرنا يهيئ للحكومة المسلمة من القدرة على التوجيه والتأثير في حياة الناس ، ومعاونتهم على تغيير ما بأنفسهم فكرا وخلقا وسلوكا ، ما لم يكن عشر معشاره ، مهيئا للحكام في القرون الإسلامية السابقة . وذلك عن طريق المؤسسات التعليمية والتربوية ، والأجهزة الثقافية والإعلامية ، التي لها أبلغ الأثر في توجيه أذواق الناس وميولهم واتجاهاتهم الفكرية والنفسية ، وفرض على الدولة المسلمة أن تستفيد من هذا كله ، لخدمة الرسالة التي قامت من أجلها .
2 . أن عصرنا قد انتهى إليه حصاد تجارب إنسانية من مختلف الأعصار ومختلف البيئات ، تتمثل في "ضمانات" أساسية لحماية حق الشعوب ضد طغيان الحكام وأهوائهم ، مثل المجالس النيابية ، وما لها من حق مراقبة الحكومة ومحاسبتها ، بل إسقاطها ، ومثل الدساتير ، التي تحدد علاقة الحاكم بالمحكوم ، وتصون حريات الأفراد ، وتحد من طغيان السلطات الحاكمة ، ومثل حرية الصحافة ، وتعدد الأحزاب ، وتكوين النقابات ، وحق الإضراب .
ويجب علينا ـ نحن المسلمين ـ أن نعض بالنواجذ على هذه الضمانات ، التي كسبتها الإنسانية بالجهاد الطويل مع الفراعنة والجبابرة والطغاة ، وأن نعتبر الحفاظ على هذه الضمانات والمكاسب فرضا دينيا ، لا يجوز التفريط فيه ، لأن العدل والشورى والنصيحة ، وأداء الأمانات ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، التي أوجبها الإسلام لا تتم إلا بها ، وما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب .
3 . أننا لا ننادي بحكم فرد مثالي فذ ، يكون في يقين أبي بكر ، أو في عدل عمر ، أو في فضل علي ، أو زهد عمر بن عبد العزيز ، إنما ننادي بحكم المؤسسات ، التي تقوم على الإسلام تشريعا وتوجيها وتنفيذا ، وتعتمد على الإسلام عقيدة وفكرا وخلقا وقانونا .
والحاكم أو رئيس الدولة ، أو الإمام في هذا النظام المنشود ، ليس إلها يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، لا يسأل عما يفعل ، ولا يحاسب على ما يقول ، بل هو حاكم مقيد بالدستور ، المستمد أساس من القرآن والسنة ، مسئول أمام مجلس الشورى خصوصا ، وأمام الشعب عموما ، بمقتضى واجب النصيحة لأئمة المسلمين ، وفرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فلا ينبغي التركيز ـ إذن ـ على عبقرية فرد موهوب تبعثه العناية الإلهية ، ليملأ الأرض عدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ، أو يجدد للناس دينهم ، الذين انحرفوا عن صراطه فقها أو عملا .
وقد كتبت بحثا إضافيا في حديث [ أبي ] داود ، الذي يرد على كثير من الألسنة والأقلام : "أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" وهو حديث صحيح ، ولكن معظم الشراح مالوا إلى أن "من" في قوله "من يجدد" للمفرد ، وظلوا يبحثون لكل مائة سنة عن مفرد علم ، مشهور بعلمه وعمله وفضله ، ليكون هو مجدد القرن .
والذي انتهيت إليه أن "من" تصلح للجمع ، كما تصلح للمفرد ، بل هي في الحديث أولى أن يراد بها الجمع وليس بالضرورة أن يكون المجدد فردا واحدا ، بل قد يكون جماعة لها كيانها الواحد ، أو قد تكون متفرقة في البلدان . كل واحد فيها قائم على ثغرة يحرسها ، في ميادين الفكر ، أو العمل ، أو الدعوة ، أو التربية أو الجهاد ، أو غيرها .
وبهذا يكون سؤال المسلم : ما دوري في حركة التجديد؟ بدل أن يكون كل همه أن يسأل : متى يظهر المجدد؟؟
التجارب المعاصرة للتطبيق الإسلامي
ومن شبهات العلمانيين ، التي تواصوا بإثارتها ، كلما علت أصوات الجماهير مطالبة بالحل الإسلامي ، والعودة إلى الإسلام ، كل الإسلام : الاحتجاج بالتجارب المعاصرة لبعض البلاد ، التي أعلنت "تطبيق الشريعة الإسلامية" وما شابها من سوء الفهم أو سوء التطبيق .
فهم يقولون : أي إسلام تريدون؟ إسلام السودان أم إسلام إيران أم إسلام باكستان ، أم إسلام السعودية؟ وقد ينسبون هذه "الإسلامات" إلى رؤساء هذه الأقطار ، فيقولون : إسلام النميري أم إسلام الخميني أم إسلام ضياء الحق . . الخ؟ وقد يقولون : إسلام رجال الدين ، أم إسلام العساكر أم إسلام الملوك؟
وشبهتهم هنا تتركز حول أمرين أساسيين :
أولهما : اختلاف صور الإسلام المنشود من بلد لآخر ، ومن فهم لآخر ، فهو ليس في نظرهم إسلاما واحدا ، بل إسلامات متعددة : الإسلام السني ، والإسلام الشيعي ، والإسلام الوهابي ، والإسلام المتجدد ، والإسلام المقلد ، و . .
وثانيهما : التركيز على الأخطاء أو الانحرافات ، التي شابت هذه التجارب كلها ، أو بعضها ، وتحميل هذه الأخطاء على الإسلام نفسه ، كأن هذه طبيعة الإسلام ، أو كأنه المسئول ، إذا أساء الناس فهمه ، أو أساءوا تطبيقه ، أو انحرفوا به عن صراطه المستقيم!
وردنا على ذلك من وجهين :
اختلاف صور التطبيقات الديمقراطية والاشتراكية
أولا : أنهم لم يقولوا هذه المقولة لأنفسهم ، حين يدعون إلى الاشتراكية ، أو الديمقراطية ، ولم يجعلوا اختلاف المدارس والمذاهب والفلسفات حول الاشتراكية أو الديمقراطية ، مانعا من المناداة بهذا المبدأ أو ذاك .
فمن المعلوم للدارسين أن الاشتراكية تيارات ومدارس متعددة ، يناقض بعضها بعضا ، من مثالية إلى علمية ، ومن إصلاحية إلى ثورية . . الخ .
وحتى المدرسة الواحدة مثل الماركسية ، التي يتبناها أمثال د . فؤاد زكريا ، ليست تجربة واحدة من الناحية العملية ، ولا تيارا واحدا من الناحية النظرية .
ولا بأس أن أقتبس هنا بعض ما كتبته عن خصيصة "الوضوح" من كتابي "الخصائص العامة للإسلام" ردا على المشوشين والمشككين :
"ومن العجيب أن الذين يحاولون التنقص من هذه الخصيصة من خصائص الإسلام ، بالتهويل والتضخيم في أمر الاختلاف ، الذي حدث في تاريخ المسلمين ، وإلصاق كل فئة شاذة مارقة بصميم الأمة المسلمة ، هؤلاء يتعامون عن الغموض البين ، والاختلاف البارز ، الذي يراه ويلمسه كل دارس للأيديولوجيات الوضعية المعاصرة ، التي أصبحت "أصنام" هذا العصر ، وغدا هؤلاء وأمثالهم من الكتاب ، الكهنة الجدد لهذه الأوثان .
إن هذه الأيديولوجيات الحديثة البراقة ، تفتقر إلى مجرد تعريف دقيق ، أو كما يقول المناطقة : جامع مانع ـ يحدد مدلولها ، ويوضح طبيعتها ومفاهيمها الأساسية ، فإن هذا التعريف المجرد مفقود ، ولهذا يختلفون حولها في كل شيء حتى في معناها : ما هو؟
خذ مثلا : الديمقراطية :
فنحن لا نكاد نجد في القرن العشرين أيديولوجية اجتماعية ، ولا تنظيمية سياسية ، من الليرالية ، إلى الاشتراكية ، إلى الشيوعية ، أو حتى الفاشيستية أو النازية ، إلا وتدعي كل منها أنها هي "الديمقراطية" الحقة ، وأن ما عداها ديمقراطية زائفة ، وبات الناس حائرين ، أي هذه الديمقراطيات هو الأصيل ، وأيها الدعي؟!
ولا يخرج من هذا الغموض ، وهذه البلبلة ، الاحتكام إلى معايير خلقية أو روحية ، لأن الجميع يدعون الحرص والمساواة وكرامة الإنسان .
ولا الاحتكام إلى "معايير اجتماعية وضعية" ، لأن كل فئة ستقدم لنفسها معيارا تبرز به منهجها وأسلوبها ، فمفكرو الديمقراطية الغربية يعتمدون المعيار السياسي ، ويميزون ديمقراطيتهم بالحرية السياسية ، على حين يعتمد الماركسيون المعيار الاقتصادي ، فيميزون ديمقراطيتهم بالحرية الاجتماعية والاقتصادية .
ويتحدى الصينيون المعيارين ـ معا ـ خلال ما يسمونه "الديمقراطية الجديدة" .
ويتحداها ـ أيضا ـ الثوريون الآسيويون والأفريقيون ، من خلال ما يدعونه "الديمقراطية الاشتراكية" .
بل وجدنا من يجمع بين الضدين ، خلال ما يسمونه "الدكتاتورية الديمقراطية" .
وخذ مثلا آخر : الاشتراكية ، التي فتن بها الكثيرون من قومنا ، وباتوا يدعون إليها باللسان والقلم ، ما هي الاشتراكية؟ ما مدلولها؟ ما أهدافها؟ ما أصولها؟ وما مصادرها؟
إنك تبحث عن جواب لهذه الأسئلة ، فلا تجد إلا الغموض والاختلاف البين حولها ، بين مؤسسيها ودعاتها .
يقول الأستاذ ثاوني : إن الاشتراكية ، كغيرها من التعبيرات المختلفة للقوى السياسية المركبة ، كلمة لا تختلف في مدلولها من جيل إلى جيل فحسب ، بل من حقبة إلى حقبة .
ويؤكد الأستاذ كول ، التناقض في فهم العقيدة الاشتراكية بين بلد وآخر ، وبين جيل وما بعده ، ويزيد عليه فيقول : "ولم يكن التباين في العقيدة نتيجة اختلاف الزمن فحسب ، بل كان هناك تناقض بين الصور المختلفة ، التي وجدت في عصر واحد" .
ونقرأ في كتاب : "هذه هي الاشتراكية" للكاتبين الفرنسيين "جورج بورجان ، وبيار رامبيير" هذه العبارات نقلا عن "مكسيم لوروا" في كتابه "رادة الاشتراكية الفرنسية" يقول : "لاشك في أن هناك اشتراكيات متعددة ، فاشتراكية بابون ، تختلف أكبر الاختلاف عن اشتراكية برودون ، واشتراكيتا سان سيمون وبرودون ، تتميزان عن اشتراكية بلانكي ، وهذه كلها لا تتمشى مع أفكار لويس بلان ، وكابيه وفورييه ، وبيكور ، وإنك لا تجد داخل كل فرقة أو شعبة إلا خصومات عنيفة ، تحفل بالأسى والمرارة" .
ومعلوم أن هذه الاشتراكيات كلها غير اشتراكية "كارل ماركس" ، الذي يصف كل هذه الاشتراكيات وما ماثلها بأنها "خيالية" ويختص مذهبه وحده باسم "الاشتراكية العلمية" .
وبرغم قرب العهد بماركس "المتوفى 1882 م" ، وخلفائه : إنجلز "1886" ولينين "1924 م" مؤسس الاشتراكية الماركسية الأولى ، نرى الهوة تتسع بين تجربتين رئيسيتين في روسيا والصين ، ينتسب كل منهما إلى ماركس ذاته .
وليس أفضل من أن نستشهد هنا بقول لأحد الماركسيين المعروفين ، وهو مكسيم رودتسون ، الكاتب اليهودي الفرنسي اليساري ، الذي يقول :
"الحقيقة أن هناك "ماركسيات" كثيرة بالعشرات والمئات ، ولقد قال : ماركس أشياء كثيرة ، ومن اليسير أن نجد في تراثه ، ما نبرر به أية فكرة!! إن هذا التراث كالكتاب المقدس "أسفار التوراة ، والأناجيل وملحقاتها" ، حتى الشيطان ، يستطيع أن يجد فيه نصوصا ، تؤيد ضلالته!!" .
ثانيا : أننا لا ندعو إلى إسلام مقيد بشخص أو ببلد أو بعهد معين ، إنما ندعو إلى الإسلام المطلق ، إسلام القرآن والسنة ، إسلام الصحابة ومن تبعهم بإحسان ، إسلام له أصوله ومصادره الواضحة المتميزة ، وقد ذكرنا في بيان مفهوم الإسلام المعالم الأساسية للإسلام ، كما يفهمه ويدعو إليه تيار "الوسطية الإسلامية" فليرجع إليه ، أما أخطاء التطبيق ، بل انحرافاته ، فيتحملها أصحابها ، والإسلام برئ منها .
نحن لا نتبنى تجربة بعينها من هذه التجارب ، فكل واحدة منها لها وعليها ، لها أخطاؤها ولها انحرافاتها ، ننكر أخطاءها ، ونبرأ من انحرافاتها ، وما كان عن اجتهاده ، نقدره ، لأن الإسلام يسمح بحرية الخطأ ، والإسلام العظيم لا يضره خطأ المخطئين ، ولا انحراف المنحرفين .
تناقض العلمانيين والماركسيين
على أن العلمانيين والماركسيين يتعاملون بمنطقين مختلفين : منطق مع الإسلاميين ، ومنطق مع أنفسهم .
فهم مع الإسلاميين ، يحملون الإسلام كل الأخطاء والانحرافات في التاريخ ، وكل الأخطاء والانحرافات في التطبيق المعاصر . فالإسلام ـ عندهم ـ هو مجموع الانحرافات القديمة والجديدة معا . ولا يقولون يوما : إن الإسلام شيء ، والتطبيق شيء آخر ، وأن المسئولية مسئولية المسلمين ، وليست مسئولية الإسلام نفسه .
على حين نراهم مع المذاهب الأخرى يفرقون بين صلاحية المبدأ في ذاته ، وبين سوء التطبيق له .
أجل نراهم إذا دعوا إلى الاشتراكية الماركسية مثلا ، يبرأون من الشوائب والانحرافات ، التي صاحبت تطبيقاتها المختلفة ، من عدوان على الحقوق ، ووأد للحريات ، وانتهاك للحرمات ، وإهدار لكرامة الإنسان ، وقتل للديمقراطية ، وتصفية طبقة لتحل محل طبقة جديدة .
وكذلك الذين يدعون إلى الديمقراطية ، لا يحملونها مسئولية ما يشوبها من انحرافات وتحريفات ، حتى ارتكبت باسمها عظائم ، وحتى قال رئيس مصري : إن الديمقراطية لها أنياب ومخالب ، وأنها أشرس من الديكتاتورية! وكم زورت باسمها انتخابات واستفتاءات ، كانت نتيجتها التسعات الخمس 99 . 999!!
فضلا عن شكوى كثير من الغربيين في بلاد الديمقراطية الأم ، من زيف الديمقراطية ، التي توجهها قوى ظاهرة وخفية لمصالح فئات معينة .
ود . فؤاد زكريا مثل لهؤلاء الذين أشرت إليهم ، فهو أستاذ في الفلسفة والمنطق ، ولكنه يخون الفلسفة والمنطق ، حين يتحدث عن الإسلام وشريعته وتاريخه ودعاته .
ولا أدري لماذا يتعامل د . زكريا بمنطقين ، ويكيل بكيلين ، شأن الذين سماهم القرآن "المطففين"؟!
فهو يلتمس الأعذار من هنا وهناك لفشل التجارب الديمقراطية والاشتراكية في عالمنا العربي ، وفي مصر خاصة ، فهو يعتذر للديمقراطية الليبرالية في مصر : أنها لم تستمر أكثر من ثلاثين سنة "من 1923 - 1952" ، ويحاسب تجربة باكستان على بضع سنين ، وتجربة السودان على سنة أو سنتين!!
ويعتذر للاشتراكية في مصر بقصر المدة ـأيضا ـ فيقول : "وخلال هذه الفترة القصيرة ، لم تكن هناك جدية كافية في التطبيق ، ويكفى أنها كانت اشتراكية بغير اشتراكيين ، وأن المكلفين بحراسة التجربة ورعأيتها ، كانوا ـ في معظم الأحيان ـ يختارون على أسس شخصية تضمن ولاءهم للحاكم ، لا على أساس إيمانهم بالمبدأ نفسه ، واستعدادهم للتضحية في سبيله "ص 171" .
فيا عجبا! لماذا لا يحكم هذا المنطق نفسه ، ويقال هذا الكلام ذاته في مثل تجربة ضياء الحق في باكستان ، أو النميري في السودان؟! لماذا لا يقال إن التجربة ينقصها الجدية الكافية؟!
ويكفي لذلك أنها تجربة إسلامية بغير إسلاميين!!
فأكبر الجماعات الإسلامية في باكستان ، ليس هي التي تقود وتحرس التجربة ، والإخوان المسلمون في السودان ، لم يكونوا هم المكلفين بحراسة التجربة ورعأيتها ، وإنما اختار النميري من اختاره لذلك على أسس شخصية ، تضمن الولاء له .
صحيح أنهم رحبوا بالتجربة وساندوها ، لأنهم لم يكن بوسعهم غير ذلك ، وإلا لاتهموا بأنهم لا يهمهم أن يحكم الإسلام ، إنما يهمهم أن يكونوا هم الحكام ، وبهذا يتهمون دائما! وقد أمروا أن يحكموا بالظاهر ، والله يتولى السرائر ، فعليهم أن يمنحوا الرجل فرصة ، يظهر فيها ما أعلن من صدق التوجه إلى الإسلام ، وهكذا كان موقف كل علماء المسلمين ودعاتهم .
ولكن لما بدأ الرجل يطغى ويتنكر للإسلام الحق ، سرعان ما انقلبوا عليه ، ووقفوا في وجهه ، وتعرضوا لأذاه ، وأعلنت الحرب عليهم من قبله ، وزج بقادتهم في السجون بين عشية وضحاها .
ومن عجيب أمر العلمانيين وتناقضهم الفاضح ، أنهم يلصقون بالإسلام انحراف كل منحرف من الحاكمين باسمه ، على حين لا ينسبون إلى الإسلام عدل العادلين منهم ، ولو أنصفوا لبرأوا الإسلام من ظلم الظالمين ، ونسبوا إليه صلاح الصالحين ، فهو الذي رباهم وصنعهم كما قيل لعمر بن عبد العزيز : جزاك الله عن الإسلام خيرا يا أمير المؤمنين! فأجاب : بل جزى الله الإسلام عني خيرا!
وفي هذا يقول الأخ الكاتب التونسي الفاضل الأستاذ "منير شفيق" في رده على أطروحات العلمانيين وبيان استعمالهم للحجة ونقيضها :
"فتراهم حين يواجهون قيادات إسلامية فذة في عدالتها واستقامتها وحسن قيادتها لشئون الأمة ، يرجعون فضائلها لا إلى الإسلام ، الذي تربت في كنفه ، وتعلمت في مدرسته ، ونهلت من منابعه ، فاكتسبت كل مزاياها بسبب اهتدائها بهديه . ولهذا يعيدون ـ على سبيل المثال ـ فضائل أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ( رضي الله عنهم ) إلى عبقريتهم ، حتى يكاد يمحى فضل الإسلام على ما اتصفوا به من تقوى وتدل واستقامة وحسن اجتهاد . فلا يقال عند الحديث عن النماذج المشرقة ـ وما أكثرها في التاريخ الإسلامي ـ هذا هو الإسلام ، وإنما يقال هذا هو الإسلام ، حيثما وقع ظلم ، أو وهن ، أو انحراف ، أو فسق .
"وهكذا ينطح الإسلام بمن انحرف من أهله ، وينطح بمن استقام منهم ، فحالة الانحراف مسئولية الإسلام ، بل هي هو! أما الحالة الرائعة الفذة ، فلا علاقة له بها ، إنها مسئولية الأفراد بسبب مواهبهم وعبقرياتهم! وإذا ذهب الأمر بهذا المنطق حتى منتهاه ، فيصبح الحاكم شارب الخمر والزاني ، وقاتل النفس ، بلا حق ، هو النموذج الإسلامي ، بينما الحاكم الذي عدل واستقام ، أو أقام الحد على شارب الخمر والزاني ، وقاتل النفس ، بحق جاء بذلك كله من عنده ، ولا علاقة للإسلام به . فهل ـ بعد هذا كله ـ من لا يلاحظ كيف تستخدم الحجة ونقيضها في محاربة الإسلام وأهله"؟!

الفصل السابع
العلمانية والطائفية
في الندوة التاريخية ، التي أقيمت في "دار الحكمة" بالقاهرة للحوار بين "الإسلام والعلمانية" ذكر د . فؤاد زكريا ممثل الجانب العلماني ، حجة لتأييد الدعوة إلى العلمانية في مصر وأمثالها .
ملخص هذه الحجة ـ فيما يراها مقدمها ـ أن البلاد التي يكون فيها أكثر من دين ، تكون العلمانية علاجا لأوضاعها ، حماية لها من التعصب الطائفي ، الذي يجر إليها الكوارث ، وضرب مثلا لذلك : الهند ، ولبنان ، اللذين يتبنى دستورهما العلمانية ، حتى لا يعلى طائفة على أخرى .
فالهند تتكون من هندوس ومسلمين وسيخ وبوذيين ، وهي أديان قديمة فيها إلى جوار النصارى ، الذين ظهروا نتيجة وجود الاستعمار التبشيري ، أو التبشير الاستعماري في البلاد .
ولبنان يتكون من مسلمين سنة ، ومسلمين شيعة ، ودروز ، ونصارى من طوائف مختلفة ، وأبرزهم المارونيون .
وفي الندوة المشهودة قلت للدكتور : إن ما ذكرته حجة عليك لا لك ، فإعلان "العلمانية" في كل من الهند ولبنان ، لم يعالج "الطائفية" الكامنة في صدور الناس ، بل لم يشهد العالم خلال هذا القرن ما شهده من التعصب الطائفي البغيض في كلا البلدين .
فالمسلمون تعرضوا على يد الأكثرية الهندوسية ، لمذابح شتى ، تشيب لهولها الولدان ، أقربها مذابح آسام ، وبين الهندوس والسيخ معارك ضارية ، وصدامات مسلحة ، وقد ذهبت ضحيتهم رئيسة وزراء الهند الشهيرة "أنديرا غاندي" .
والعجيب أن هؤلاء الهندوس ، الذين يتورعون عن إبادة الفئران والحشرات ، ولا يستخدمون مبيدات الذباب والبعوض في الفنادق الكبرى ، لأن هذه الحشرات "ذات روح" استباحوا ذبح المسلمين بالألوف ، كأنهم ليسوا من "ذوي الأرواح"!!
وفي لبنان تقوم الحرب الطائفية المجنونة منذ أكثر من عشر سنوات ، ولازالت . سفكت فيها الدماء ، وانتهكت فيها الحرمات ، وهدمت فيها البيوت ، وحسبك ما جرى في صبرا وشاتيلا ، وما يجري إلى اليوم في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المحاصرين ، الذين بلغت بهم المخمصة إلى حد الاستفتاء : أيجوز أن يأكلوا لحوم الموتى والقتلى منهم؟ !
إنها الحرب الطائفية الدموية الحقود ، التي لا تهدأ إلا لتشتعل ، ولا تسكن إلا لتقوم من جديد أشد ضراوة ، وأكثر قساوة ، وقد ارتكب فيها من الموبقات ما يقشعر بدن التاريخ من ذكره .
فماذا صنعت "علمانيتك" لطائفية لبنان ، يا دكتور؟! إن حججك ـ دائما ـ تنقلب عليك ، وما لي في هذا يدان .
احتج د . زكريا في الندوة أيضا بما أعلنه يوما الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ، من العزم على إقامة "دولة علمانية" في فلسطين ، وهو ما تتبناه بعض الفصائل الفلسطينية .
ولم أرد على هذه النقطة في الندوة مراعاة لضيق الوقت ، ولأنها شبهة أضعف من أن يرد عليها ، فالدولة الفلسطينية لم تقم ، لا علمانية ولا إسلامية ، حتى ننظر ما موقفها؟
وما أعلنه عرفات يوما ليس حجة شرعية ، يستدل بها في مواضع الخلاف .
بل إن إعلانه أو توجهه هذا ، لقي من الاعتراض في الداخل والخارج ، ما جعله يحاول التعفية على آثاره ، والسكوت عنه فيما بعد .
وقد ظن يوما أن مثل هذا التوجه ، أو الإعلان عن الدولة العلمانية ، يتعايش فيها العرب المسلمون والنصارى واليهود ، يطمئن اليهود ، وأنصارهم في معسكري الغرب والشرق ، ويرضي الفصائل المتعصبة ضد الإسلام من الفلسطينيين ، ويرضي الدول الطائفية من حوله في سورية ولبنان ، ويرضي الحكام العلمانيين من العرب .
والواقع أن هذا التوجه لم يحل المشكلة عند أحد ، لا عند اليهود ، ولا عند الأمريكان ، أو الروس ، أو الغربيين ، ولا عند الفلسطينيين أنفسهم ، ولا عند جيرانهم في سورية أو لبنان ، ولا عند حكام العرب العلمانيين .
هل أوقف توجه عرفات للعلمانية معركة "تل الزعتر" ، وما خلفت من مآسي وضحايا؟! أو منعت مذبحة "أيلول" الأسود؟! أو أخرت غزو لبنان وحصار بيروت ، وإخراج الفلسطينيين منها؟! هل منعت حمامات الدم في صبرا وشاتيلا ، ومخيمات اللاجئين في لبنان إلى اليوم؟! هل حمت الفلسطينيين من الانشقاق حتى داخل "فتح" نفسها ، التي يرأسها عرفات؟! هل حمل هذا التوجه العلماني حكام العرب العلمانيين أن يقفوا إلى جوار الفلسطينيين وقفة رجولة وإيجابية ضد من يذبحونهم بلا إنسانية ولا رحمة؟!
لعمر الله ، ما أجدى التوجه العلماني فتيلا ، في شيء من ذلك ، ولا جعل هذا لعرفات قبولا عند اليهود ، ولا عند مؤيديهم من الأمريكان وغيرهم!
وكان أولى من الاحتجاج بالتوجه الفلسطيني إلى العلمانية ، الذي لم يظهر له أثر إيجابي في قليل ولا كثير ، أن يحتج الدكتور بالتوجه الديني لدى إسرائيل . فهذا التوجه هو الذي دفع اليهود في العالم إلى الحركة بعد جمود القرون ، وهو الذي جمع شتات أمة ، قطعها الله في الأرض أمما ، وهو الذي نفخ فيها روح النضال بعد أن ضربت عليها الذلة والمسكنة آلاف السنين ، وهو الذي أحيا موات لغة لم تكن لسانا لأي دولة أو دويلة في الأرض ، وهو الذي أقام لليهود دولة تعتز بانتمائها الديني ، سمت نفسها باسم أحد الأنبياء ، واندفعت لإقامتها بحوافز دينية ، من توجيه التوراة وتعاليم التلمود .
قامت هذه الدولة على أنقاضنا ، على اغتصاب أرضنا ، وانتهاك عرضنا ، وتشريد أهلينا ، ونحن أحياء شهود ، نرى ونسمع ، نكون أكثر من عشرين دولة عربية وأكثر من أربعين دولة إسلامية ، فماذا أغنى توجهنا العلماني تجاه توجههم الديني؟!
لقد خضنا معهم معارك ، دخلوها ومعهم اليهودية ، وليس معنا الإسلام! معهم التوراة ، وليس معنا القرآن! معهم تعاليم موسى ، وليس معنا تعاليم محمد! فكانت العاقبة الهزائم والنكسات والوكسات ، نتجرعها غصة وراء غصة ، وما ربك بظلام للعبيد .
في ندوة عقدت في إسرائيل حضرها من مصر الدكتور مصطفى خليل رئيس وزراء مصر الأسبق ، وبطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية المصرية ، وعدد من الأساتذة الإسرائيليين المتخصصين في الشئون السياسية والعربية "وذلك في 19/12/1980 م" ، في هذه الندوة قال د . خليل للإسرائيليين المجتمعين معه :
"أود أن أطمئنكم أننا في مصر نفرق بين الدين والقومية ، ولا نقبل أبدا أن تكون قيادتنا السياسية مرتكزة إلى معتقداتنا الدينية .
وما أن أنهى مصطفى خليل كلامه ، حتى وقف البروفيسور دافيد يرد عليه قائلا : إنكم أيها المصريون ، أحرار في أن تفصلوا بين الدين والسياسة ، ولكنني أحب أن أقول لكم : إننا في إسرائيل نرفض أن نقول : إن اليهودية مجرد دين فقط ، بل إننا نؤكد لكم أن اليهودية هي دين ، وشعب ، ووطن .
وقال البروفيسور تفى يافوت :
أود أن أقول للدكتور مصطفى خليل : إنه يكون على خطأ كبير ، إذا أصر على التفريق بين الدين والقومية ، وإننا نرفض أن يعتبرنا الدكتور خليل مجرد أصحاب دين لا قومية له ، فنحن نعتبر اليهودية ديننا وشعبنا ووطننا ، وأحب أن أذكر الدكتور خليل بأن الشرق الأوسط كان موطن الديانات السماوية ، المسيحية ، والإسلامية ، واليهودية ، ولم يكن موطن قوميات ، أما القومية فقد كانت من ابتكار الأوربيين ، الذين أزعجهم انتشار الحروب الدينية في أوروبا ، فابتكروا الفكرة القومية للتخفيف من حدة الصراع الديني ، في أوروبا ، ومن خلال هذا الشعار شعار القومية ، حاولوا الانتقام من شعوب الشرق الأوسط ، فباعوا ابتكارهم إلى شعوب الشرق الأوسط ، وهكذا أصبحت حياة الشباب في الشرق الأوسط تتوه في الحروب القومية" .
ليت د . مصطفى خليل ، ود . فؤاد زكريا وأمثالهما ينتفعون بهذا الدرس ، الذي لقنه لهم رجال إسرائيل!
ومما ينبغي أن أذكره هنا ، ما قرأته أخيرا ، وأنا أدفع بالكتاب إلى المطبعة ، وذلك فيما كتبه الكاتب السياسي الشهير محمد حسنين هيكل في مقاله بصحيفة "أخبار اليوم" القاهرية ، يوم السبت 24/1/1987 م ، عن لقائه بأشهر علماء الطبيعة في عصرنا "أينشتاين" صاحب نظرية "النسبية" الذي فتح الباب للعصر النووي .
لقد ذهب للقائه وحواره ، وذهنه مشحون بأسئلة شتى ، حول العلم ووثباته في القرن العشرين ، القنبلة الذرية ، وإنجازات اليوم ، وتوقعات الغد .
كان هذا اللقاء في الفترة الأولى لثورة 23 يوليو ، قبل أن يبرز اسم جمال عبد الناصر ، وفوجئ هيكل بأن الرجل هو الذي بدأ يسأله ، وقال هيكل في دهشة : إنه لم يخطر لي أن لديه ما يسألني فيه ، الطبيعي أن أسأله أنا!
أتدرون عن أي شيء سأله؟
سأله عن قادة الثورة الجديدة في مصر : هل تعرف ما الذي ينوون عمله بأهلي؟!
يقول هيكل : ومرة أخرى كانت دهشتي حقيقية . ولاحظ ، وأضاف مفسرا : أهلي من اليهود ، هؤلاء الذين يعيشون في إسرائيل .
يقول هيكل : وتذكرت لحظتها فقط ـ حقيقة ـ أنه يهودي ، كان في وعيي وفهمي وتقديري باستمرار ، أنه "العالم" ولم أصنفه في خاطري على أساس ديني أو عرقي . وها هو ذا الآن يسألني عن أهله في إسرائيل! وأول سؤال!
مصرية . . عربية . . إسلامية
بعض الذين كتبوا مؤيدين للعلمانية ، معارضين للحل الإسلامي ، أو لتطبيق الشريعة الإسلامية ، في مصر خاصة ، أثاروا قضية لا مبرر لإثارتها ، وهي قضية لا مبرر لإثارتها ، وهي قضية "الوطنية المصرية" في مقابل "الدعوة الإسلامية" .
وقد ترك بعضهم الأسلوب العقلي والعلمي إلى الأسلوب الخطابي والعاطفي ، ليتغنى بحب مصر ، ويتغزل بمحاسنها ، كما كان يفعل قديما شعراء الهوى العذري ، من أمثال قيس وليلى ، وجميل بثينة ، وكثير عزة!
ومن هؤلاء الأستاذ فرج فودة في كتابه "قبل السقوط" إذ يقول :
"ويا مصر ، يعلم الله أني أحبك بلا حدود ، وأتعشقك حتى آخر قطرة من دمي ، وأتعبد في محرابك بكل ذرة من كياني "كذا" وأدفع حيأتي كلها ، ثمنا لبقائك متماسكة" .
وفي مقام آخر ، كتب مقالا تحت عنوان "مصرية . . مصرية"!
ونقول للدكتور فودة ومن على شاكلته : لك أن تحب مصر كما تشاء ، وأن تتعشقها كما تريد ، فحب الإنسان لوطنه عاطفة فطرية ، وقد شاع بين المسلمين من قديم أن حب الوطن من الإيمان ، وظنوه حديثا ، وما هو بحديث ، ولكن المهم أن المعنى لم يعترض عليه أحد .
وكيف يعترض معترض على حب الوطن ، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب وطنه "مكة" حين خرج منها مهاجرا بقوله : "أما إنك أحب بلاد الله إلى الله ، وأحب بلاد الله إلي ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ، ما خرجت"!
ولما ذكر بعض أصحابه "مكة" ـ وهو في المدينة ـ اغرورقت عيناه صلى الله عليه وسلم بالدموع ، وقال له : "دع القلوب تقر" .
وليس هناك تعارض بين النزعة الوطنية الفطرية والنزعة الإسلامية ، لأنه لا تعارض بين الخاص والعام ، ولا بين الجزء والكل .
فكما أن عمل المصري لخير وطنه الخاص مصر ، لا يتنافى مع عمله لخير وطنه العام ، والكبير ، الوطن العربي ، على اعتبار أن مصر جزء من الوطن العربي ، والشعب المصري جزء من الأمة العربية ، كما نص على ذلك الدستور المصري .
كذلك لا تنافي بين عمله لخير مصر وخير العروبة معا ، وعمله لخير الإسلام في دائرته الرحبة .
فكما أن مصر جزء من الوطن العربي ، هي جزء ـ بل جزء حيوي ورئيسي ـ من الوطن الإسلامي ، والشعب المصري جزء من الأمة الإسلامية ـ بل هو جزء له مكانته التاريخية والواقعية الخاصة بين أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها .
لماذا تقيم عداوة ـ إذن ـ بين المصرية والإسلامية؟!
إن الإسلاميين كانوا هم السباقين ـ دائما ـ للدفاع عن مصر وجهاد أعداء مصر ، وبطولاتهم في معارك القناة ، وأسماء شهدائهم تتحدث عنهم ، وتشهد لهم .
ومصر ـ بالنسبة لهم ـ ليست مجرد وطن ، بل هم ينظرون إليها بوصفها قلعة للإسلام ، وحصنا للغته وثقافته ، ومنطلقا لدعوته ، وملاذا لعقيدته .
يقول الشهيد حسن البنا عن "الوطنية المصرية" : "إننا مصريون بهذه البقعة الكريمة من الأرض ، التي نبتنا فيها ونشأنا عليها ، ومصر بلد مؤمن تلقى الإسلام تلقيا كريما وزاد عنه ، ورد عنه العدوان في كثير من أدوار التاريخ ، وأخلص في اعتناقه وطوى عليه أعطف المشاعر ، وأنبل العواطف ، وهو لا يصلح إلا بالإسلام ، ولا يداوى إلا بعقاقيره ، ولا يطب له إلا بعلاجه ، وقد انتهت إليه ـ بحكم الظروف الكثيرة ـ حضانة الفكرة الإسلامية والقيام عليها ، فكيف لا نعمل لمصر ولخير مصر؟! وكيف لا ندفع عن مصر بكل ما نستطيع؟! وكيف يقال : إن الإيمان بالمصرية لا يتفق مع ما يجب أن يدعو إليه رجل ينادي بالإسلام ، ويهتف بالإسلام؟! إننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب ، عاملون له ، مجاهدون في سبيل خيره ، وسنظل كذلك ما حيينا ، معتقدين أن هذه هي الحلقة الأولى في سلسلة النهضة المنشودة ، وأنها جزء من الوطن العربي العام ، وأننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة والشرق والإسلام" .
أما إن أراد هؤلاء بـ "المصرية" العزلة عن العرب المسلمين ، كما كان يقول سلامة موسى وغيره ، وإنكار انتمائنا العربي والإسلامي ، وإحياء النزعات الإقليمية الضيقة : الفرعونية في مصر ، والفينيقية في سورية ، والآشورية في العراق ، والبربرية في شمال إفريقيا ، ونحو ذلك ، فنحن أول من يقاوم هذه النزعات الشيطانية ، التي تريد أن تمزق أمتنا ، ليسهل عليها افتراسها . وقد تجاوز الزمن هذه الدعوات ، ولم يعد هنا مكان لمن يقول ، كما قال زعيم مصري من قبل ، سئل عن موضوع يتعلق بفلسطين ، وما يبيت لها من مؤامرات : أنا رئيس وزراء مصر ، لا رئيس وزراء فلسطين!
ومن هنا نقول لمن يعلنونها : "مصرية . . مصرية" ، ويقفون عند هذا الحد : وسعوا أفقكم ، وانظروا أبعد من أنوفكم ، واعرفوا من أنتم ، ولا تتنكروا لهويتكم الحقيقية بكل أبعادها ، فأنتم مصريون ، عرب ومسلمون ولا شك ، وأولى بكم أن تعلنوها : "مصرية . . عربية . . إسلامية" .
قد يقول بعض العلمانيين : إن الخلاف هنا في الأولوية ، نعني : أي هذه الدوائر الثلاثة أولى بالعمل لها بالنسبة للمصري : المصرية أو العربية أو الإسلامية؟
ورأينا : أن العمل لها كلها في وقت واحد ممكن ، لتداخل هذه الدوائر وتشابكها ، فالمصري الذي يعمل لخير وطنه بإخلاص وإتقان ، يخدم بذلك عروبته وإسلامه .
وهو ـ إن كان عربيا صادقا ، ومسلما واعيا ـ سيجد أن خير مصر الحقيقي ـ لا الزائف ـ هو في النهاية خير للعروبة والإسلام .
على أن المسلم لا يجد مانعا من دينه أن يبدأ بوطنه ، الذي يعيش على أرضه وينعم بخيراته ، فلا مانع أن يبدأ ببلده وقريته ، التي نشأ فيها ، أو يقيم بين جدرانها ، وفي الحديث الصحيح : "ابدأ بنفسك ، ثم بمن تعول" .
وفي تعاليم الإسلام : أن الأقربين أولى بالمعروف . وأن حق الجيران أوكد من حقوق غيرهم من سائر المسلمين ، وأن أولى الجيران بالرعاية أقربهم بابا منك ، وأن الزكاة تنفق في إقليمها ، ولا تنقل إلى غيرها ، إلا إذا استغنى هؤلاء ، واحتاج أولئك ، أو أصابتهم مجاعة ، أو نحو ذلك .
ومن هنا لا يجد المسلم حرجا في دينه أن يعمل لخير الوطن ، الذي يحيا فوق أرضه ، وتحت سمائه .
ولكن الخلاف الحقيقي إنما يكون ، إذا افترض تعارض فعلي بين الدوائر الثلاث : المصرية ، العروبة ، الإسلام!
الذين ينادون بالوطنية المصرية الضيقة ، سيقولون : مصر أولا .
وهذا ما كتبه بعض الصحفيين المصريين في الخمسينات في مقالات عدة ، ورد عليهم أبو خلدون ساطع الحصري ـ الذي كانوا يلقبونه بفيلسوف القومية العربية ـ بعدة مقالات صدرت في كتاب بعد ذلك ، تحت عنوان : "العروبة أولا" . وذلك من خلال منطق "القومي" ، الذي ينظر إلى القضايا الكبرى من أفق أوسع من أفق الإقليمية المحدودة . ومن قرأ "الحصري" يجد أن منطقه أقوى ، وحججه أنصع .
ولكن نفس المنطق يرد على دعاة القومية العربية المحدودة ، في مقابل دعاة الإسلامية الرحبة ، والأفق الإسلامي أرحب وأوسع من أفق القومية والإقليمية ، وهو جدير أن يجعل المسلم يقول بملء فيه : بل الإسلام أولا!
والحقيقة التي ينبغي أن نصدع بها بعيدا عن أجواء النفاق السياسي ، أن دين المؤمن أغلى عنده من كل شيء . وأنه إذا افترض تعارض الدين والوطنية والقومية ، فإن الدين لدى المؤمنين به مقدم على غيره ، فالدين لا يعوضه شيء ، والوطن قد يعوض بغيره وأرض الله واسعة ، ولهذا شرعت الهجرة طلبا للرزق ، أو طلبا للأمن ، أو طلبا للحرية . وقد قال الله تعالى للمضطهدين في أوطانهم من أجل عقيدتهم ( يا عبادي الذين آمنوا ، إن أرضي واسعة ، فإياي فاعبدون ) ( سورة العنكبوت : 56 ) .
وعندما يكون الله ورسوله في كفة ، وكل ما يعتز الناس به ويحرصون عليه من أهل وولد وعشيرة ومال ووطن في كفة أخرى ، ترجح كفة الله ورسوله والجهاد في سبيله ، وهذا ما صرح به القرآن في مفاصلة واضحة حاسمة : ( قل : إن كان آباؤكم ، وأبناؤكم ، وإخوانكم ، وأزواجكم ، وعشيرتكم ، وأموال اقترفتموها ، وتجارة تخشون كسادها ، ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ، فتربصوا ، حتى يأتي الله بأمره ، والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ( سورة التوبة : 24 ) .
ولقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بوطنهم مهاجرين في سبيل الله ، تاركين وراءهم دورهم ، وأهليهم ، وأموالهم ، كما قال القرآن : ( للفقراء المهاجرين ، الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، وينصرون الله ورسوله ، أولئك هم الصادقون ) ( سورة الحشر : 8 ) .
هذا ما يؤمن به المسلم ، الذي يتخذ من القرآن مصدرا لتصوراته وأحكامه ومواقفه ، وهو نفس ما يؤمن به المسيحي المخلص لدينه ، الذي لا يلف ويدور تبعا لأراجيح السياسة ، والذي يؤمن بقول الإنجيل ، إذ يروي لنا متى عن المسيح ( عليه السلام ) : "فيما هو يتكلم مع الجموع ، إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجا يريدون أن يكلموه . ، فقال له واحد : إن أمك وإخوتك واقفون خارجا يريدون أن يكلموك . فأجاب ، وقال للذي قال له : من أمي؟! ومن أخوتي؟! ثم أومأ بيده إلى تلاميذه ، وقال : هؤلاء هم أمي وأخوتي ، لأن كل من يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات ، هو أخي وأختي وأمي" "متى 12 : 46 - 50" .
مشكلة د . فرج فودة ـ وهي مشكلة من يفكر تفكيره ـ أنه ينظر إلى الإسلام باعتباره عاطفة دينية ، يمتلئ بها الوجدان ، ويحلق بها الإنسان ، ولا ينظر إليه باعتباره مصدرا ، يوجه تفكير المسلم وشعوره وسلوكه ، وأنه منهج متميز للحياة ، له حكمه وموقفه في تحديد أسس التعامل والعلاقات بين الإنسان ونفسه ، وبين الإنسان وربه ، وبين الإنسان وأسرته ، وبين الإنسان ومجتمعه ، وبين الناس في المجتمع الواحد بعضهم وبعض ، وبين المجتمعات الإنسانية في حالة السلم وفي حالة الحرب ، وله في ذلك أصول وضوابط متفق عليها ، وتفريعات مختلف فيها ، وقد جاء في الحديث : "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" .
لقد أجمع علماء المسلمين من كل المذاهب ، وفي كل العصور ، على أن الشريعة حاكمة على جميع أفعال المكلفين ، ولا يخلو فعل المكلف ، صغر أم كبر ، من حكم شرعي من الأحكام الخمسة المعروفة ، وهي : الوجوب ، والاستحباب ، والحرمة ، والكراهة ، والإباحة .
ولهذا يستغرب المرء من الكاتبين المنتسبين إلى الإسلام ، حين يصدرون أحكاما هائلة توجب على المسلمين أن يفعلوا كذا وكذا ، وأن يتركوا كذا وكذا ، جاهلين أو متجاهلين أن المسلم إنسان "ملتزم" بمنهج رباني ، حدد له ولاءه وانتماءه وعلاقاته وارتباطاته ، فمن أحكامه يستمد ، وعلى ضوئه يسير ، وبتوجيهه يحب ويكره ، ويرضى ويسخط .
علمانيون ومتدينون!!
استدل د . فؤاد زكريا ، على مشروعية العلمانية في المجتمعات الإسلامية بشبهات ، لا قيمة لها من الناحية العلمية والمنطقية . .
من ذلك قوله : إن الزعيم مصطفى النحاس كان رجلا متدينا ، لا يشك في تدينه ، ومع هذا كان يدين بالعلمانية!
ويمكنني أن أضيف إلى ما ذكره الدكتور رجلا آخر ، كان يلقب بـ "الرئيس المؤمن" ، وكان له علامة سجود في جبهته ، وكان ي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7788.forumegypt.net
 
الإسلام والعلمانية الجزء الرابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإسلام والعلمانية الجزء الثانى
» الإسلام والعلمانية الجزء الاول
» الإسلام والعلمانية الجزء الثالث
» الإسلام والعلمانية الجزء الخامس
» 60 سؤال فى احكام الحيض للعلامةبن عثيمين الجزء الرابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى هديل الحمام :: المنتدى الاسلامى العام-
انتقل الى: